هل تتأثر مفاوضات السلام اليمنية بنشاط الحوثيين في البحر الأحمر؟

هل تتأثر مفاوضات السلام اليمنية بنشاط الحوثيين في البحر الأحمر؟

هل تتأثر مفاوضات السلام اليمنية بنشاط الحوثيين في البحر الأحمر؟


17/01/2024

يبدو أنّ التقدم المحدود الذي حققه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ في الحصول على توافق من أطراف الأزمة بشأن خارطة الطريق الأممية لاستئناف محادثات السلام، يبدو أنّه بات في مهب الريح بعد الضربات الأمريكية-البريطانية ضد مواقع عسكرية للحوثيين.

انعكس ذلك في بيان غروندبرغ الذي جاء بعد الضربات الغربية، وخرج بشكل متوازن، داعياً فيه إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتقديم المسارات الدبلوماسية على الخيارات العسكرية، ووقف التصعيد".

الحوثي وغزة

بحسب بيان المبعوث الأممي، توافقت الأطراف الفاعلة في الأزمة اليمنية على الالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة. كما سيعمل المبعوث الأممي مع الأطراف في المرحلة الراهنة لوضع خارطة طريق تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها. وستشمل، من بين عناصر أخرى، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة، واستحداث آليات للتنفيذ، مع تشكيل عملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى حلّ مستدام.

لكن في ظل تصاعد النشاط الحوثي العسكري في البحر الأحمر، على خلفية قرار الحوثيين في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي استهداف السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، ثم توسع الاستهداف ليطال سفناً تجارية لا علاقة لها بإسرائيل، باتت جهود المبعوث الأممي في مهب الريح. ردّاً على نشاط الحوثيين وجهت الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات عسكرية لمواقع عسكرية حوثية قادرة على استهداف الملاحة الدولية في باب المندب والبحر الأحمر، لتتعقد جهود السلام المحدودة.

صور من الضربات الأمريكية البريطانية لمواقع عسكرية حوثية

يقول الكاتب والباحث اليمني ثابت الأحمدي: أحداث غزة، وما ترتب عليها فيما يتعلق بأحداث البحر الأحمر، لها تأثير كبير على مسار السلام الذي برزت ملامحه خلال الأشهر الماضية، والذي أنعش آمال اليمنيين من جديد. ويضيف: إنّ اللاعب السلبي ضد السلام هو إيران، سواء من خلال ما افتعلته مع حماس، وهذا شأن يخصهم هم، أو من خلال ما أوعزت به للحوثيين، وبالأصح ما قامت به في اليمن.

 

الباحث ثابت الأحمدي لـ (حفريات): أحداث غزة، وما ترتب عليها فيما يتعلق بأحداث البحر الأحمر، لها تأثير كبير على مسار السلام الذي برزت ملامحه خلال الأشهر الماضية

 

ويرى في حديثه لـ (حفريات) أنّ الصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز، والطائرات المسيّرة في اليمن، كلّها تحت التصرف والإشراف المباشر من قبل الخبراء الإيرانيين المتواجدين في اليمن حالياً، ولهذا تُعتبر طهران المسؤول الأول عمّا يحدث في البحر الأحمر. مضيفاً: "ما قام به الحوثيون على الصعيدين السياسي والعسكري في اليمن مؤخراً هو فعل إيراني خالص، عبر ميليشيات الحوثي".

شكوك يمنية

بدوره، يرى نائب رئيس لجنة الدراسات والبحوث والتدريب بالجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي عمر باجردانة أنّ الحوثيين يسعون من خلال الاستثمار في قضية فلسطين لإرباك المشهد في اليمن بشكل عام، ووضع العراقيل أمام التسوية السياسية التي قدمتها السعودية بمباركة أمريكية، والتي يرونها قاصرة ولا تلبي طموحهم. مشيراً لـ (حفريات) إلى أنّهم يحاولون تجاوز الإقليم والسعودية، والذهاب إلى المجتمع الدولي بشكل مباشر، حيث يرى الحوثيون أنّ السعودية إحدى أدوات الصراع وليست وسيطاً. محذراً من أنّ نشاط الحوثيين في البحر الأحمر يهدف إلى مزيد من التدخل الأجنبي في المنطقة، وإعطاء مبرر للقوى العالمية وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل للتدخل في باب المندب بحجة حماية التجارة العالمية.

في السياق ذاته، يرى الباحث ثابت الأحمدي أنّ الضربات الأمريكية ضد الحوثيين هي من باب المناورات الحوثية الأمريكية، وهي مجرد مناورات سياسية وعسكرية، قامت بها أمريكا بعد فشل مندوبها إلى اليمن "ليندر كينج" في إقناع الشرعية اليمنية والجانب السعودي بمواصلة الحرب، لأغراض تخص المصالح الأمريكية. متابعاً أنّ الأصوات الأمريكية عادت تلمح لإدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب، وهم أنفسهم من رفعوه بالأمس عن هذه القائمة، في عملية تناقض صريح وواضح بين ما يصرحون به، وما يتبنونه عملياً. 

ثابت الأحمدي: ما قام به الحوثيون على الصعيدين السياسي والعسكري في اليمن مؤخراً هو فعل إيراني خالص

لكنّ المحلل السياسي اليمني عبد الستار الشميري له رأي آخر، فهو يرى في حديثه لوكالة (سبوتنيك) أنّ السلام ليس مرتبطاً بالحرب في غزة. يقول: "تهديد الملاحة في البحر الأحمر ليس جديداً، فقد كانت هناك عملية زراعة ألغام وتحركات من قبل، ولكن زادت الوتيرة من جانب الحوثيين، وأيضاً من الطرف المقابل المتمثل في القوى الدولية".

 

هناك محاولات مدعومة من أطراف فاعلة في اليمن لتفتيت الصف الجنوبي، وتأسيس كيانات سياسية تنازع الانتقالي الجنوبي الحديث باسم الجنوبيين في المفاوضات المرتقبة

 

بالعودة إلى خارطة الطريق الأممية المقترحة، يمكن القول إنّه على الرغم من صمود وقف إطلاق النار غير الرسمي، إلا أنّ ذلك لا يعكس توجهاً نحو تسوية سياسية، بقدر ما يكشف عن جمود عملياتي وصلت إليه جميع الأطراف المتحاربة، سواء جماعة الحوثيين الذين أخفقوا في إحداث تقدم جديد على كافة جبهات القتال، أو الشرعية التي تعاني من انقسامات حادة تحدّ من قدراتها العسكرية. إلى جانب ذلك، شهد الدور السعودي تحولاً لافتاً نحو التهدئة، منذ توقيع الاتفاق مع إيران في آذار (مارس) العام الماضي، إلى حدٍّ يصفه مراقبون برغبة سعودية في تسوية سياسية لن تلبي مطالب حلفائها.

السلام المنقوص

يقول ثابت الأحمدي: إنّ مبادرة المبعوث الدولي أشبه ما تكون بعملية ترقيع لثوب خلق، ومع هذا رحب الناس بهذه العملية على هشاشتها، طمعاً في أن يروا بصيصاً من النور لانعتاق اليمنيين من ضائقتهم الاقتصادية والسياسية، ولكنّها لم تصمد أمام المتغيرات الأخيرة. ويتابع أنّ العملية برمتها تشبه دفن الجمر تحت الرماد لا أكثر، وليس إطفاء الجمر نهائياً. ولا يرى الأحمدي أنّ هناك حلّاً سياسياً للأزمة اليمنية، ويقول: إنّ الحل في قمع الحوثيين عسكرياً، واستعادة الدولة والقضاء على الفتنة بصورة نهائية. مؤكداً: "بغير هذا سنبيع لأنفسنا الوهم، لا أكثر؛ لأنّ تجربتنا في الحوار والتفاوض مع هذه الجماعة تجربة طويلة".

ويتفق باجردانة بقوله: إنّ هذه الجولة ستلاقى مصير المبادرات والمفاوضات السابقة، وسوف تفضي إلى مزيد من التعقيد والصراع؛ فهي قامت على تجاوز بعض الأطراف من قبل الراعي الرسمي، وهي السعودية. ويتابع أنّ الرياض تجاوزت المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي الجنوبي، وذهبت إلى مفاوضات مباشرة مع صنعاء.

مر باجردانة: التسوية لم تأخذ بعين الاعتبار ما تضمنه اتفاق الرياض

من جانب آخر، تتفاقم الخلافات داخل معسكر الشرعية الذي يضم مكونات عدة؛ من أبرزها: حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وقطاع كبير من حزب المؤتمر الشعبي، وكلاهما لهما موقف مغاير لمطالب الكيان الجنوبي الأبرز؛ المجلس الانتقالي الجنوبي. فضلاً عن ذلك هناك محاولات مدعومة من أطراف فاعلة في اليمن لتفتيت الصف الجنوبي، وتأسيس كيانات سياسية تنازع الانتقالي الجنوبي الحديث باسم الجنوبيين في المفاوضات المرتقبة.

يقول نائب رئيس لجنة الدراسات والبحوث والتدريب بالجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي عمر باجردانة: إنّ موقع الجنوب في المفاوضات يأتي ضمن موقع الشرعية اليمنية ككل، وهذا ما أزعج الانتقالي، لأنّ التسوية لم تأخذ بعين الاعتبار ما تضمنه اتفاق الرياض، الذي نصّ على إيجاد إطار خاص للقضية الجنوبية وفق متغيرات الواقع بعد العام 2015. ويحذّر باجردانة من أنّ عدم مراعاة المطالب الجنوبية لن يؤدي إلا إلى مزيد من الصراع وتعقيد الأزمة.

مواضيع ذات صلة:

إيران وأمن البحر الأحمر... ما أهداف استعراض القوة؟

هل يعطل إرهاب الحوثيين في البحر الأحمر عملية السلام؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية