ترجمة: محمد الدخاخني
من موقعه رئيساً للوزراء، كان ديفيد كاميرون مغرماً بإعلان أنّ بريطانيا يجب أن تكون فائزة في السّباق العالميّ، لكن في أحد الجوانب المهمّة، شَهِدت رئاسته للوزراء ضياع فرصة عملاقة.
رغم التطرّق إلى هذه القضيّة، عام 2015، فشلت بريطانيا في تحديد تحدّي التّطرّف الذي تمثّله جماعة الإخوان المسلمين، أو التعامل معه، ومنذ تلك اللحظة الضائعة؛ تراجعت البلاد بثباتٍ عن نظيراتها الأوروبيّة، وعن دولٍ أخرى، في مواجهة تحدّي التّطرف.
اقرأ أيضاً: هل تصنف بريطانيا "الحرس الثوري الإيراني" منظمة إرهابية؟
هذا، ويتراجع طابور متزايد من المُطّلعين في المؤسّسة الأمنيّة عن الإطار الحاليّ لتفكيك الراديكاليّة ومكافحة التطرّف، وفي غضون ذلك؛ اندلعت مجدّداً الحرب الهادرة حول تقرير كاميرون، لعام 2015، عن جماعة الإخوان المسلمين.
من الواضح أنّ الحكومة تفتقر إلى السّيطرة على هذه القضيّة، ومن دون الشّعور بوجود أزمة، ليس ثمّة ما يُشير إلى أنّ القيادة الحالية يُمكن أن تتخلّص من الّلامبالاة الّتي نشأت بعد فترة كاميرون، في 10 داونينغ ستريت.
لقد وضعت فرنسا برنامجاً إصلاحياً لنظامها القانونيّ؛ للحدّ من تأثير المنظَمات الرّاديكاليّة في المجتمع، واعتمدت النّمسا وألمانيا وهولندا نهجاً أكثر صرامةً لتحديد المجموعات الرّاديكالية.
لا يخلو من الأهميّة أنّ إبراهيم منير، (القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين والأمين العام للتنظيم الدولي للجماعة) يعيش في لندن
أوقفت ألمانيا الأموال الرسميّة التي تذهب إلى منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم، وقالت وكالة الاستخبارات المحلّية الألمانيّة، التي لديها تفويض لضمان الولاء لمؤسّسات البلاد؛ إنّ كبار الشّخصيّات في منظّمة الإغاثة الإسلاميّة عبر العالم هم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين.
ماذا قال السفير المصري؟
وكما أوضح السّفير المصري لدى المملكة المتّحدة في هذه الصّحيفة، في وقتٍ سابقٍ من هذا الشّهر؛ فإنّه لا يوجد اعتراف كافٍ بوجود تهديدٍ في لندن، والتّحقيق الذي طال أمده حول منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم، والذي تجريه مفوضية المؤسّسات الخيرية، لن يُفضي إلى شيء، وشأنها شأن السّويد، تدفن بريطانيا رأسها وتواصل معاملة المنظّمة كشريكٍ رسميّ.
وثمّة أمثلة لا حصر لها على أنّ الجماعة قد تمكّنت من إعادة تأهيل نفسها بعد فترةٍ تقلّصت فيها الاتّصالات مع المسؤولين.
رئيس شرطة مكافحة الإرهاب نيل باسو البريطاني: لا أعرف أيّ مكان في العالم يعتقد أنّه قد نجح في تفكيك الرّاديكاليّة بشكلٍ صحيح
تحت قيادة صادق خان، يفتح السّيتي هول في لندن، المقرّ الرّئيس لسلطة لندن الكبرى، بابه لمنظّميها المجتمعيين، وخلال فترة عملها، بين عامَي 2015 و2020، ظهرت ميلاني دوز، وهي موظّفة مدنيّة كبرى في وزارة الإسكان والحُكم المحلّي في المملكة المتّحدة، الوزارة الّتي تُشرِف على التّماسك الاجتماعيّ، في صُحبة رموز الجماعة.
من غير المجدي أن يعود الجدل في المملكة المتّحدة إلى النّقطة الّتي حنث فيها كاميرون بوعده بـ "تجفيف المستنقع"، ويصادف يوم الخميس الذّكرى الخامسة لقراءة كاميرون لنتائج تقرير الإخوان المسلمين إلى مجلس العموم، ويعود اهتمامه في التّعامل مع تحدّي الإسلامويّة إلى خطابٍ ألقاه في مؤتمر ميونخ للأمن، عام 2011.
اقرأ أيضاً: كيف يعمل التطرف في بريطانيا؟
بدا الأمر وكأنّ الرّحلة كانت تتّجه نحو الإثمار، لكن بمجرّد وصولها إلى تلك النقطة، تراجعت الحركة للخلف، ولن يكفي القول إنّ خروج بريطانيا من الاتّحاد الأوروبيّ (البريكست) قد حدث عام 2016، وضاعت الّلحظة.
لقد ألقى جون جينكينز، وهو مؤلّف مشارك في التّقرير، اللّوم بشأن الإخفاقات على صدّ وعداء "الخبراء" في المجال، الذين حاججوا بأنّ المشروع بأكمله قد أُسيء فهمه.
ويشير إلى أنّ أيّاً من الدّوائر الحكوميّة لم تقرّر منذ ذلك الحين اتّباع موقفٍ متّفقٍ عليه، وما يزال يدعو القيادة للاستماع إلى دعوات الإيقاظ.
عوضاً عن ذلك، كانت الدّيناميكيّة المعاكسة في حالة حركة؛ فرغم صعود داعش والمعاناة الّتي تسبّب فيها، نمت جحافل أولئك المستعدّين لتعكير صفو المياه بشأن مزايا التّدخل الحكوميّ.
هل الأيديولوجيا مسألة خاصّة؟
وكما يرى جينكينز؛ فإنّ إجماع قيادة الشّرطة في البلاد يتمثّل في أنّ الأيديولوجيا تُعدّ مسألة خاصّة، وأنّ مكافحة الإرهاب يجب أن تكون محور التّركيز الصّارم للسّلطات، وفي الأسابيع القليلة الماضية فقط؛ كانت هناك سلسلة من التدخّلات التي دعت الحكومة إلى التّراجع عن جهودها.
يقول جوناثان هول، وهو محامٍ ومستشار الحكومة لقوانين الإرهاب؛ إنّ تفكيك الرّاديكاليّة محكوم عليه بالفشل في معظم الحالات، ويضيف: "ليس ثمّة رصاصة سحريّة، أو حبوب خاصّة يمكن تناولها لإخراج الناس من الراديكاليّة".
وكان نيل باسو، رئيس شرطة مكافحة الإرهاب، الأسبوع الماضي، حريصاً على التّأكيد على أنّه يَدعم برنامج الشّريط الأزرق، "امنع"، لكنّه كشف عن شكوكٍ في مواضع أخرى.
اقرأ أيضاً: 100 متطرف مؤهل للإفراج المشروط في بريطانيا.. ومخاوف من هجمات جديدة
إنّ المنع، كما يوحي الاسم، مبنيّ على المراقبة والدّعم لمنع النّاس من تبنّي نظرةٍ متطرّفة.
يقول: "لا أعرف أيّ مكان في العالم يعتقد أنّه قد نجح في تفكيك الرّاديكاليّة بشكلٍ صحيح، إنّني متشكّك بشأن ما إذا كان ذلك [البرنامج] ناجحاً".
تغيير المصطلحات المتعلّقة بالتّطرّف الإسلامويّ
وتمّ تنظيم مؤتمر للشّرطة، مؤخّراً، لمناقشة تغيير المصطلحات المتعلّقة بالتّطرّف الإسلامويّ، ناقش الاجتماع الإرهاب "المزعوم دينيّاً" ومصطلحاتٍ مثل "الإرهابيّين الذين يسيئون استخدام الدّوافع الدّينية" كبدائل عن الاستخدام المباشر لتعبير المتطرفين الإسلامويين.
في النّهاية؛ فشل تجمّع الشّبكة الاستشاريّة لمكافحة الإرهاب في حلّ معاناته بشأن اللغة، وما يزال المأزق قائماً.
لا يخلو من الأهميّة أنّ إبراهيم منير، (القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين والأمين العام للتنظيم الدولي للجماعة، والمتحدث باسم الإخوان المسلمين بأوروبا )، يعيش في لندن، ولا حقيقة أنّ الجماعة تُدير شبكة ضغط واسعة النّطاق، و"مراقبة لوسائل الإعلام" في كافّة أنحاء المملكة المتّحدة.
اقرأ أيضاً: هل تشهد بريطانيا عمليات إرهابية؟
وكان لورينزو فيدينو، الخبير في التّطرّف بجامعة جورج واشنطن، قد أشار إلى أنّ "غياب" بريطانيا عن النّقاش محيّر لأصدقائها.
وكتب: "المشكلات الّتي يُعالجها الأوروبيّون موجودة، أيضاً، في المملكة المتّحدة، وتستخدم الجماعات الإسلامويّة المختلفة مواردها الوفيرة لنشر رسالةٍ مثيرةٍ للانقسام داخل المجتمعات البريطانيّة المسلمة، لكنّ معظم موظّفي الخدمة المدنيّة يفتقرون إلى الأدوات اللّازمة لمواجهة هذه الظّاهرة، أو حتّى فهمها. إنّ بريطانيا في حاجةٍ ماسةٍ إلى الّلحاق بالدّول الأوروبيّة الأخرى في مواجهة مخاطر الإسلامويّة".
مصدر الترجمة عن الإنجليزية: