هل أخطأت الجزائر في إعطاء فرصة للإخوان المسلمين للمشاركة السياسية؟

هل أخطأ الجزائر في إعطاء فرصة للإخوان المسلمين للمشاركة السياسية؟

هل أخطأت الجزائر في إعطاء فرصة للإخوان المسلمين للمشاركة السياسية؟


19/06/2024

يُنظر إلى حركة الإخوان المسلمين في الجزائر المتمثلة في "حركة مجتمع السلم" (حَمْس) بأنها تمثل الانتهازية السياسية لهذه الحركة ومحاولتها "مسك العصا" من المنتصف، حيث أرادت إبرام صفقة مع النظام السابق (بوتفليقة) للحصول على بعض المكاسب، وفي الوقت ذاته حاولت إظهار حرصها على الأمن والاستقرار في الدولة؛ وإظهار أنها جزء من الحراك المنادي بالتغيير في الوقت ذاته، وأنها تسعى لتحقيق مطالب المحتجين.

 بيد أنّ يقظة الشعب الجزائري ووعيه كشفت هذه الصفقة وهذه الانتهازية وأفشلها، وهذا ما يؤكد عليه الكاتب د. محمد فريد عزي، في مقال على موقع "مركز تريندز للبحوث والاستشارات".

وبالإضافة إلى هذا، ثمّة عوامل أخرى تفسر سبب عزوف الرأي العام الجزائري عن الأحزاب الإسلامية عامة، وجماعة الإخوان المسلمين خاصة، أولها في نظر عزي، تجربة الحرب الأهلية الدامية في الجزائر التي أشعلت فتيلها الجماعات الإسلامية المسلحة خلال عقد التسعينيات، أو ما يعرف بالعشرية السوداء التي أكسبت الجزائريين مناعة وقتهم من الانسياق وراء نداءات الإخوان المسلمين ومخططاتهم، خوفاً من الانزلاق مرة أخرى إلى دائرة العنف الدموي.

كيف تمكَّن الإخوان المسلمون في الجزائر من المشاركة في الحكم. ولماذا أصبحوا شريكاً فاعلاً في الانتخابات والسلطة، مع عدم تحمّلهم تبعات القصور الحكومي؟

وثانيها مواقف الجماعات الإسلامية الغامضة والمزدوجة تجاه النظام السياسي والقضايا ذات الشأن العام، والتي أفقدتهم المصداقية والشرعية، وعززت القناعات العامة بأنّ هذه الجماعات تعمل من أجل مصلحتها الخاصة بدلاً من المصلحة العامة.

وثالث هذه العوامل يتعلق بحالة التشظي والانقسام التي يتسم بها مجال الإسلام السياسي في الجزائر، فـ"الحركات الإسلامية في هذا البلد هي الأقل تجانساً في العالم العربي والأكثر تشرذماً وانقساماً، فهناك أحزاب وجمعيات عديدة ذات صبغة إسلاموية وتحمل استراتيجيات متباينة تجاه الدولة والمجتمع المدني".

الأسباب العميقة وراء تفكير الإخوان "الانتهازي"

ولفهم الأسباب العميقة وراء تفكير الإخوان "الانتهازي"، يشير الكاتب الجزائري خالد عمر بن ققه، إلى قضية ذات طابع إشكالي، تتعلق أساساً بدور “الإخوان المسلمين” السياسي لجهة الشراكة في الانتخابات وفي الحكم، وخروج عدد من الأحزاب الإسلامية من تحت عباءتهم، في"مسار تناسلي"، تعددت فيه المقاصد.

ويحاول ققه، من خلال دراسة نشرها المركز ذاته، الإجابة عن عدد من التساؤلات، من بينها كيف تمكَّن الإخوان المسلمون في الجزائر من المشاركة في الحكم؟ ولماذا أصبح (حمْس) شريكاً فاعلاً في الانتخابات والسلطة، وفي الحكم مع عدم تحمّلهم تبعات ومسؤولية القصور الحكومي؟ وما السيناريوهات المتوقعة لعلاقتهم بالسلطة في المستقبل المنظور؟

ويردف: الأسئلة السابقة تقودنا من خلال إجاباتها إلى معرفة ثلاث قضايا رئيسة، أولها: خلفيّة اعتماد الأحزاب الدينية، خاصة الإخوان المسلمين، في الجزائر، وثانيها: خطاب الإخوان المسلمين، وتعدد أحزابهم من حيث التنوع بهدف إيجاد بدلائل سياسية على المستوى التنظيمي، وثالثها: تمكينهم وإفشالهم من طرف السلطة ثم التعايش معهم.

وعن المقاصد الظاهرة والخفية لإخوان الجزائر من مواصلة المشاركة في الحكم، حتى لو كانت الحكومة متهَمة بالفساد، يوضح الكاتب الجزائري خالد عمر بن ققه أنّ جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر تروج في خطابها السياسي حين تواجه نقداً من الرأي العام أم من الأحزاب لموقفها القائل: "نحن نشارك في السلطة، وليس في الحكم"، في مسعى منها لإبعاد الجماعة عن تحمل أي مسؤولية، على ما في ذلك من مغالطة باتت معروفة للجميع، ولكنها لا تزال تروج لها.

مقاصد الإخوان المعلنة والخفية

وبناءً عليه، فإنّ هناك مقاصد ظاهرة ومعلنة، منها:

*اعتبار الإخوان مشاركتهم دعماً لبناء الدولة الجزائرية في مرحلة ما بعد الإرهاب.

*القول بالتعايش مع مختلف القوى السياسية المدنية.

*الإصرار على المشاركة من منطلق وطني على خلفية بيان أول نوفمبر، بوصفه مرجعية لكل القوى والتنظيمات السياسية الجزائرية.

*إظهار الإخوان كجماعة تميل إلى الحوار، وترفض عنف الجماعات الإسلامية الأخرى، الأمر الذي زيّن للسلطة سوء أعمالها فقامت بإشراكهم في السلطة.

*القبول بخيارات السلطة بما فيها تلك المختلفة مع توجهاتهم الدينية، ما دام ذلك يسمح لهم بالوجود في الحكم.

هذه بعض المقاصد المعلنة من الإخوان، وهناك أخرى مستترة، ذات صلة بالخارج، وتحديداً بالتنظيم العالمي للإخوان، منها:

*مواصلة عملية الاختراق لنظام الحكم، حتى لا يتم تكرار التجربة المصرية، حين وجد الإخوان أنفسهم في السلطة دون تحضير مسبق، انتهى بهم إلى الإبعاد عن الحكم.

يسعى الإخوان لمواصلة عملية الاختراق لنظام الحكم، حتى لا يتم تكرار التجربة المصرية، حين وجد الإخوان أنفسهم في السلطة دون تحضير مسبق

*إحياء فكرة التنظيم (الإخوان) في ظل رفض عربي وتوصيفهم بالإرهاب، من خلال تقديم تجربة الإخوان في الجزائر.

*التأثير في القرار السياسي الجزائري تجاه الدول العربية الأخرى المعادية للإخوان.

*التمدد الأفقي في المجتمع الجزائري، وربطه عمودياً بصناعة القرار، بحيث يُعاد إحياء فكرة التنظيم العالمي ومشروعاته.

*تملك السلطة الجزائرية معلومات كثيرة أو قليلة عن مقاصد وأهداف الإخوان، ولكنها لا تتوجّس من وجودهم خيفة، وترى فيهم حلاً بديلاً من التنظيمات الإسلامية الأخرى، وخصوصاً التي تتبنى العنف والإرهاب، لكنها تعاملهم بحذر، وخاصة المؤسستين الأمنية والعسكرية.

وفي مقابل ما تخفيه وما يعلنه الإخوان، فإنّ هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لعلاقتهم بالسلطة الحاكمة، هي:

أولاً: أن تستمر مشاركتهم في الحكم، أو كما يسمونه هم "السلطة"، في حدودها الدنيا، كما هي الآن، مهما كانت النتائج التي يحققونها في الانتخابات.

ثانياً: أن يتم إبعاد ممثليهم من الترشح للرئاسيات، كما حدث في مرات سابقة، حين كانوا تحت قيادة محفوظ نحناح، وإن كان هذا أمراً غير وارد في الوقت الراهن، إذ من المتوقع ترشُّح أحدهم لإحداث توازن في الانتخابات المقبلة، خصوصاً بعد أن أعلنت لويزة حنون، رئيسة حزب العمال، عن ترشحها.

ثالثاً: أن تتسع مساحة مشاركتهم، بحيث تشمل حقائب سيادية، وقد يصلون إلى رئاسة الحكومة، وهذا رهين مدى تقبُّل الجيش لدورهم ووجودهم وعلاقتهم بالخارج.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية