هزيمة أم مناورة... ما دوافع انسحاب حركة الشباب الصومالية من غالبية تمركزاتها؟

هزيمة أم مناورة... ما دوافع انسحاب حركة الشباب الصومالية من غالبية تمركزاتها؟

هزيمة أم مناورة... ما دوافع انسحاب حركة الشباب الصومالية من غالبية تمركزاتها؟


02/02/2023

بشكل مفاجئ، وفيما يبدو محاولة لإعادة ترتيب الأوراق، غيرت حركة الشباب الصومالية، التنظيم الإرهابي الأكثر نشاطاً في منطقة القرن الأفريقي، خلال الفترة الماضية، غيرت خارطة تواجدها الجغرافي بشكل كبير، ممّا أثار العديد من التساؤلات بشأن استراتيجية التمركز الجديدة التي تتبعها الحركة، في ضوء الهزائم المتتالية التي تلقتها الحركة على مدار الأشهر الماضية، والحصار الأمني لعناصرها، خاصة في العاصمة والمناطق القريبة منها، بعد سلسلة هجمات دامية.

وفي هذا الصدد، تناولت دراسة حديثة للباحث صلاح خليل، صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية تحت عنوان: "انسحاب حركة الشباب الصومالية من مواقعها: الأسباب والتداعيات"، تناولت دوافع الانسحاب للحركة من مواقع تموضعها، وما إذا كان ذلك سيكون انسحاباً استراتيجياً، بعد أن تلقت حركة الشباب هزائم متتالية على مدى الشهرين الماضيين، نتيجة التعاون والتنسيق الذي تم بين بعض العشائر الصومالية مع الحكومة الصومالية والقوات المتحالفة للقيام بهجمات متفرقة على مواقع حركة الشباب بغرض القضاء عليها، أم أنّ الانسحاب تكتيكي تستخدمه الحركة بغية الانتشار في مناطق ريفية أخرى من أجل لملمة صفوفها، والعودة إلى تمركزاتها التي تراجعت عنها.

لماذا ثارت الميليشيات العشائرية ضد حركة الشباب؟

بحسب الدراسة، برر مقاتلو ميليشيات العشائر انضمامهم إلى القتال ضد حركة الشباب بالعديد من الدوافع؛ من ضمنها قيام الحركة بمصادرة المواشي باعتبارها مدخرات مهمة للقبائل، وعدم الانضمام للحركة، واختطاف الأطفال وتجنيدهم قسراً كمقاتلين ضمن الحركة، وقتل الأقارب، والخلافات الدينية، والضرائب الباهظة التي فرضتها الحركة ضد السكان المحليين.

وساهم أيضاً تخلي العديد من مقاتلي حركة الشباب عن الحركة، خاصة بعد أن بدأت القوات المتحالفة في توفير الإمدادات ونشر قوات للقتال بجانب ميليشيات العشائر.

صلاح خليل: الجهود المشتركة من جانب القوات المتحالفة والجيش الصومالي وميليشيات العشائر شكّلت استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب

وخلال الأشهر الـ (5) الماضية، تمكنت القوات المتحالفة والمدعومة من ميليشيات العشائر في استعادة أكثر من (40) قرية في منطقتي هيران وشبيلي الوسطى بوسط البلاد، ممّا دفع حركة الشباب للانسحاب من منطقتين استراتيجتين كانت تتخذهما مقراً رئيسياً لها، كما سيطر الجيش الصومالي على الجسور والمدن الكبيرة.

وتقول الدراسة: إنّ "العشائر ثارت ضد الحركة بعد الكمين الذي نصبته حركة الشباب في أيلول (سبتمبر) الماضي ضد القوافل والمساعدات الإنسانية، للمتضررين من الصوماليين في أماكن سيطرتهم، والذي أدى إلى ثورة وانتفاضة حقيقية من ميليشيات العشائر التي ضجت بالضغوطات المتزايدة من قبل حركة الشباب وعمليات التجنيد الإجباري، فقد اعتبرت ميليشيات العشائر أنّ الهجوم يستهدفها في المقام الأول، ويهدد حياتها واستقرارها".

كيف ساهمت تلك الفصائل في محاصرة الحركة؟

لعبت ميليشيات العشائر، وفق ما أوردته الدراسة، دوراً مهمّاً في القتال، ممّا دفع الحركة للانسحاب خلال المعارك التي دارت بينهما، بالإضافة إلى إعلان عشائر أبغال التعبئة العامة ضد حركة الشباب في أيلول (سبتمبر) الماضي.

وعلى إثره، تمكنت من السيطرة على العديد من المناطق، مثل (شبيلي الوسطى، مودج الجنوبية، جلجودود)، كما أنّ انتفاضة العشائر القبلية ضد حركة الشباب في وسط البلاد، خاصة عشيرة هوادل، قد تفجرت انتقاماً لاغتيال حركة الشباب أحد أهم شيوخها في 27 أيار (مايو) الماضي، وتعتبر عشيرة هوادل جزءاً من عشيرة الهوية ذات الأغلبية في وسط الصومال.   

دراسة: ثارت العشائر ضد حركة الشباب بعد الكمين الذي نصبته الحركة الشباب في أيلول  الماضي ضد القوافل والمساعدات الإنسانية للمتضررين من الصوماليين في أماكن سيطرتهم، إذ اعتبرت العشائر أنّ الهجوم يستهدفها في المقام الأول ويهدد حياتها واستقرارها

ومع تقدم الحملة العسكرية، سيطرت الميليشيات والقوات الحكومية على أكثر من (20) مستوطنة في منطقتي هيران وشبيلي الوسطى بوسط الصومال في الأشهر الـ (5) الماضية، ممّا دفع حركة الشباب للخروج من منطقتين رئيسيتين.

وقد نجحت القوات الصومالية في السيطرة على الجسور والمدن الكبيرة التي تمّت استعادتها. وفي المقابل، نفذت حركة الشباب هجمات مضادة وحرب شوارع أرهقت فيها القوات المتحالفة والميليشيات العشائرية.

استراتيجية جديدة لمواجهة الإرهاب... ما أبرز ملامحها؟

يرى الباحث صلاح خليل أنّ الجهود المشتركة من جانب القوات المتحالفة (قوات الاتحاد الأفريقي، والقوات الأمريكية) والجيش الصومالي وميليشيات العشائر شكّلت استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب في الصومال، والاعتماد على تنفيذ حرب شاملة ضد حركة الشباب المجاهدين في مواقع مختلفة، بمساعدة بعض قوات وميليشيات العشائر (ماكاويسلي)، التي تمتلك خبرات ميدانية عسكرية واسعة في وسط وجنوب وسط البلاد، ساهمت في مزيد من الضغط على الحركة.

هناك جملة من التحديات تواجه القضاء الشامل على الإرهاب

إضافة إلى ذلك، تلقت الحركة مواجهة نوعية عن طريق ضربات جوية بالطائرات المسيّرة من قبل بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي ضد مواقع حركة الشباب، وهو ما أضعفها وشلّ قدراتها العسكرية. ولا يفوت التنويه إلى أنّ القوات الصومالية تلقت دعماً استخباراتياً وأمنياً من الشركاء الدوليين في سبيل مواجهة تمركزات الحركة.

ماذا عن الجهود الحكومية؟

أسهمت جهود الحكومة، بحسب الدراسة، في تضييق الخناق على الحركة، حيث وضعت مع الحكومة الصومالية الجديدة استراتيجية وخطة واضحة تنفذ على أرض الواقع، تضمنت التعاون الكبير بين زعماء العشائر الصومالية مع القوات الحكومة والأجنبية في مناطق تواجد حركة الشباب، وهذه الجهود أثمرت عن ممارسة ضغوط غير عادية على الحركة وتمركزاتها، ممّا ضيق الخناق عليها وفرض عليها الانسحاب.

وبالتزامن مع هذه الجهود العسكرية والميدانية، فتحت الحكومة الصومالية حواراً بنّاءً مع أعضاء سابقين منشقين عن حركة الشباب من أجل استيعابهم وضمهم إلى صفها، ونجحت السلطات الصومالية من خلال الناطق السابق باسم حركة الشباب مختار روبو الذي تم تعيينه وزيراً للشؤون الدينية في الحكومة الحالية في جذب هذه العناصر وإبعادها عن الحركة، ممّا أدى إلى زعزعة تماسكها ووحدتها، وأضعف الروح المعنوية بين مكوناتها.

واتصالاً بذلك أسهمت المصالحة الحكومية التي تبنّتها الحكومة الحالية، مع ميليشيات الصوفية وأهل السنّة لإشراكهم في القتال ضد حركة الشباب، أسهمت في ممارسة مزيد من الضغوط على الحركة، ممّا كثف الضغط عليها، ودفعها إلى إعادة التموضع في أماكن أخرى.

ما مستقبل الإرهاب في الصومال؟

على الرغم من استعادة الجيش الصومالي والميليشيات القبلية العديد من القرى والمدن في وسط وشمال البلاد، إلا أنّ الباحث يرى أنّ هناك جملة من التحديات تواجه القضاء الشامل على الإرهاب، تتمثل في صعوبة حفاظ الدولة الصومالية على تلك الأراضي التي انسحبت منها حركة الشباب المجاهدين، لعدم قدرة الدولة على تقديم المساعدات للمدنيين وحمايتهم من هجمات انتقامية تنفذها حركة الشباب ضد تعاونهم مع القوات المتحالفة.

فضلاً عن أنّ الحكومة الحالية تعاني من أزمة اقتصادية تجعلها غير قادرة على تنفيذ مشاريع تنموية ومشاريع إنسانية وهياكل للحكومات المحلية في المناطق المتضررة، تحفز المواطنين على البقاء في تلك المناطق.

حركة الشباب من أقوى فروع تنظيم القاعدة في شرق أفريقيا

وفي 14 كانون الأول (ديسمبر) الماضي استعاد الجيش الصومالي والميليشيات العشائرية السيطرة على منطقة (مسجد علي قدود) والمناطق التي حولها، ونقاط التفتيش التي كانت تستخدمها حركة الشباب لابتزاز القبائل وشنّ الهجمات.

ويخلص الباحث إلى أنّ الانتفاضة الأخيرة التي تقوم بها ميليشيات العشائر المدعومة من القوات المتحالفة لإجبار حركة الشباب، أحد أقوى فروع تنظيم القاعدة في شرق أفريقيا، على الانسحاب، تحمل آثاراً مختلطة، فبينما يعوّل عليها في إضعاف حركة الشباب، إلا أنّ استمرار الحملة لوقت طويل سوف يفاقم المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، كما يهدد البنية الاجتماعية والاقتصادية، من خلال إبراز دور الميليشيات العشائرية التي قد تتحول فيما بعد إلى تبنّي مطالب سياسية خاصة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية