هزة جديدة للنهضة: الغنوشي يشعل غضب التونسيين.. ما علاقة أردوغان؟

تونس

هزة جديدة للنهضة: الغنوشي يشعل غضب التونسيين.. ما علاقة أردوغان؟


16/01/2020

بسبب زيارةٍ سريةٍ إلى تركيا، وعقد اجتماعٍ مغلقٍ مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يواجه زعيم حركة النّهضة الإسلامية، راشد الغنّوشي، دعوات برلمانية متصاعدة، ومطالب شعبية متواترة بسحب الثقة منه كرئيس برلمانٍ، خاصّة أنّها جاءت بعد ساعات قليلة من إسقاط حكومة الحبيب الجملي مرشّح النّهضة.

اقرأ أيضاً: تونس: الطبوبي يوجه رسالة للنهضة ولأردوغان
هذه الزيارة المفاجئة أثارت الريبة، لدى الرأي العام التونسي، نظراً لحساسية التوقيت والظرف الذي جاءت فيه، فضلاً عن المستجدات المحلية في البلاد التي تستعد لتشكيل حكومةٍ جديدة، والأحداث الإقليمية، المتعلّقة بالأزمة الليبية التي تلعب أنقرة دوراً كبيراً في تأجيجها، والانتقادات الموجّهة لتونس بدعمها في ذلك.
ردّاً على هذه الانتقادات، أوضحت قياداتٌ من حركة النهضة، في تصريحاتٍ مختلفةٍ أنّ الزيارة التي قام بها الغنوشي كانت بصفته رئيساً لحركة النهضة، وتندرج في إطار زيارةٍ مبرمجة مسبقاً، فيما قال الغنّوشي إنّ "الصفة الرسمية لا تلغي الحياة الشخصية".
راشد الغنوشي يعقد اجتماعاً سرياً مع أردوغان

عريضةٌ برلمانيةٌ
أثارت الزيارة وتبريراتها الغضب لدى بعض الأحزاب المعارضة، في مقدّمتهم الحزب الدستوري الحر، الذي دعا إلى مساءلة رئيس البرلمان ومن ثم سحب الثقة منه، وطالبت رئيس كتلته بالبرلمان التونسي (17 نائبا) عبير موسى، مختلف الكتل النيابية إلى التوقيع على عريضةٍ لسحب الثقة من الغنوشي، معتبرةً أنّها فرصةٌ للقطع مع الإسلام السياسي، الذي أظهر بالكاشف مخططاته الحقيقية وارتباطاته الخارجية.

تحتاج العريضة البرلمانية بسحب الثقة بالغنوشي إمضاء 73 نائباً لتمريرها على المجلس والنظر فيها

وقالت موسي، خلال مؤتمرٍ صحفي، إنّ طلب سحب الثقة من الغنوشي، مسألة "تتجاوز التجاذبات الحزبية والأيديولوجية؛ لأنّها تمسّ الأمن القومي"، نظراً إلى أنّ رئيس البرلمان يحضر اجتماعات مجلس الأمن القومي ويعرف الكثير، مؤكدةً أنّ هذه الزيارة "غير المعلنة" للبرلمان يحفّ بها الكثير من الغموض وتثير تساؤلات جدّية عن "ارتباطات حركة النهضة بأطراف خارجية وسعيها لتوريط البلاد في محاور أجنبية".
من جانبه، اعتبر محسن مرزوق أمين عام حركة مشروع تونس (4 نواب) أن "ذهاب رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى إسطنبول لمقابلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مباشرةً بعد سقوط الحكومة في البرلمان، كما ذهب في مناسباتٍ مماثلة، يؤكد مرّةً أخرى بما لا مجال للشكّ فيه أن قرار حركة النهضة مرتبط بتوجيهات تركيا".
وقال مرزوق في تدوينةٍ على فيسبوك "يمكن أن يذهب الغنّوشي  للقاء زعيمه التركي متى شاء ولكن بصفته الشخصية، أما صفة رئيس البرلمان المؤتمن على سيادة الشعب، فهذا غير مقبول ولا يجب أن يتواصل".
هذا ويدرس حزب التيار الديمقراطي (22 نائباً)، الذي يشترك مع حركة الشعب (16 نائباً) في كتلةٍ واحدةٍ، إمكانية إمضاء العريضة، التي أكد أحد نوابه محمد عمار، أنّهم سيتعاملون معها بكلّ جديةٍ.


ويعتقد الأستاذ في العلوم السياسية، الصادق مطيمط، أنّ سحب الثقة من الغنّوشي وارد جدّاً في ظلّ التوازنات السياسية الحالية، "لكن يجب التفكير في ما بعد إسقاط الغنّوشي من رئاسة البرلمان، خاصّة أنّ المشهد السياسي الحالي، يتقاسمه تيّاران وحيدان، هما تيّار الإسلامي السياسي المتمثّل في حركة النّهضة ومن يدور في فلكها، والذي يعطي لنفسه شرعية رعاية الثورة والديمقراطية".
ويضيف مطيمط في حديثه لـ"حفريات"، أنّ التيّار الثاني تختزله المنظومة القديمة والمتمثلة في الحزب الدستوري الحر، الذي يقوم على مقارنة الأوضاع بعد الثورة، بما كانت عليه قبل الثورة، في المقابل تغيب الأحزاب التقدّميّة عن المشهد.

اقرأ أيضاً: الأحزاب التونسية تهزم "النّهضة" بطريقة ديمقراطية
وتتطلّب العريضة البرلمانية إمضاء 73 نائباً، ليقع تمريرها على المجلس، من أجل النظر فيها، فيما ينص النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب على أنه "يمكن لمجلس نواب الشعب سحب الثقة من رئيسه أو أحد نائبيه بموافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس بناء على طلبٍ كتابي معلّلٍ، يُقدم لمكتب المجلس من ثلث الأعضاء على الأقل.
ويعرض الطلب على الجلسة العامة للتصويت على سحب الثقة من عدمه في أجلٍ لا يتجاوز ثلاثة أسابيع من تقديمه لمكتب الضبط.

عريضةٌ شعبيةٌ
بالتزامن، أطلق ناشطون ومثقفون وجامعيون تونسيون حملاتٍ مفتوحة لسحب الثقة من الغنّوشي، وأطلقوا عريضة شعبية بعنوان " لا لراشد الغنّوشي على رأس البرلمان"، على مواقع التواصل الاجتماعي، أمضى عليها إلى حدود اللّحظة أكثر من 23 ألف ناشطٍ تونسي.

التحرك ضد الغنوشي تزامن مع تعرض حركة النّهضة لهزاتٍ أضعفت تماسكها بعد تتالي الاستقالات داخلها

وتقول العريضة: "نحن – التونسيون – رجالاً ونساء نطلب من كل نائب نزيه ومن كل رجل وامرأة حرة أن يوقعوا على مطلبنا الراهن بإعفاء راشد الغنوشي من مهام رئاسة البرلمان، الوطن أمانة، عاشت تونس".
من جانبه، يعتبر المحلّل السياسي والمختص في القانون الدستوري، عثمان الحاج علي، أنّ هذه العريضة "لا يمكنها قانونياً سحب الثقة من الغنّوشي، لكن يمكنها أن تكون ورقة ضغطٍ قويةٍ على أعضاء البرلمان، ليكونوا أكثر صرامةً في التعامل مع الشأن العام التونسي الذي يهم الشعب، والمصلحة العامّة".
وشدّد علي في تصريحه لـ"حفريات"، أنّه يمكنها أيضاً أن تسبّب إحراجاً كبيراً لدى رئيس البرلمان نفسه في حال، كان عدد الإمضاءات كبيراً، مشدّداً على أنّ "ما قام به الغنّوشي بزيارة دولةٍ أجنبيةٍ بصفته الرسميّة، وحيداً دون وفدٍ مرافقٍ له، غير سليمٍ، سياسياً ولا قانونياً؛ لأنّه التقى برئيس بلدٍ أجنبي وعقد معه اجتماعاً سرياً تطرّق فيه إلى قضايا تهم تونس وشعبها".
وكان الغنوشي قد اختير لرئاسة البرلمان التونسي في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، بعد فوز حزبه بالانتخابات التشريعية، وحصل على 123 صوتاً من مجموع 217 ليشغل للمرّة الأولى منذ عودته من منفاه في بريطانيا 2011 منصباً رسمياً.

شبح التمرّد يخيّم على حركة النّهضة
جاء ذلك في وقتٍ، تعيش فيه حركة النّهضة هزاتٍ أضعفت تماسكها، بعد توالي الاستقالات داخلها، وكانت هاجر بركوس المسؤولة المحلية لحركة النهضة في نيس بفرنسا، آخر المستقيلين، بعد أن أعلنت الأربعاء 15 كانون الثاني (يناير) 2020، أنّ قرارات وخطابات النهضة، وأنشطتها لم تعد تمثلها.

سليم بسباس: النّهضة تمرّ بمنعرجاتٍ كبيرة خاصّة أنّ الغنّوشي لم يعد له الحق في الترشّح لعهدة ثالثة

وتُعتبر استقالة بركوس حلقةً في سلسلة الاستقالات التي باتت أشبه بحالة تمرّدٍ يضرب البيت الداخلي للحركة، خلال الساعات القليلة التي تلت زيارة زعيمها إلى تركيا؛ إذ أعلن عضو شورى الحركة زياد بومخلة عن استقالته من الحزب، بعد سنواتٍ من النشاط داخل هياكله، دون الكشف عن الأسباب التي دفعته إلى ذلك.
كما أعلن قبله بساعاتٍ، هشام العريض وهو نجل القيادي الأبرز في الحزب ووزير الداخلية علي العريض، استقالته من الحركة التي شغل داخلها مناصب مهمّة لعشرة أعوام، دون أن يوضح الأسباب، وخرج قبلهما عن الطاعة، كلٌّ من الأمين العام للحركة زياد العذاري، ومستشار الغنوشي لطفي زيتون، ومدير مكتب الغنّوشي السابق زهير شهودي.
ويؤكّد ذلك وجود تصدعٍ وانشقاق في صفوفها، يعكس صراعاً محموماً على إعادة التموضع داخلها، بما قد يؤشر إلى أزمة هيكلية خلال الأشهر القادمة، مع اقتراب تاريخ عقد مؤتمرها الوطني، الذي سيشهد منافسة شديدةً على خلافة الغنوشي في رئاسة الحزب.


وقد أشار القيادي في حركة النّهضة سليم بسباس إلى ذلك، في تصريحه لـ"حفريات"؛ حيث أكّد أنّ الحركة تمرّ بمنعرجات كبيرةٍ، تتعلّق بخياراتٍ كبرى داخلها، كاختيار رئيس حكومةٍ، أو اختيار رئيسٍ جديدٍ للحركة خلال المؤتمر الذي اقترب عقده، خاصّةً أنّ الغنّوشي لم يعد له الحق في الترشّح لعهدةٍ ثالثةٍ.
وأضاف بسباس أنّ ما تعيشه الحركة من استقالاتٍ، وانشقاقاتٍ، طبيعي؛ لأنّ جلّ القيادات ترى في نفسها الكفاءة، لخلافة الغنّوشي، والكلّ يرغب بالتموقع، لافتاً إلى أنّها "حركةٌ كبيرةٌ تضمّ آراء ومواقف مختلفة، وهو ما يكرّس مظهر الديمقراطية، وأنّها لم تعش من قبل مثل هذه الاستقالات، لأنّها لم تمرّ بمنعرجاتٍ كبرى سابقاً".


انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية