هذا ما كشفه تسجيل جواد ظريف المسرّب

هذا ما كشفه تسجيل جواد ظريف المسرّب


02/05/2021

في ظلّ التوترات العنيفة التي تشهدها إيران، مؤخراً، على خلفية قضايا وملفات عديدة، محلية وإقليمية، من بينها محاولات إحياء الاتفاق النووي، ثم المنافسة المحتدمة داخل النظام وأطرافه العديدين بسبب الانتخابات الرئاسية، المزمع إجراؤها منتصف العام الجاري، جاء تسريب صوتيّ منسوب لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، ليفاقم الجدل الداخلي، من ناحية، ويبعث أسئلة عديدة حول دلالة التوقيت الذي ظهر فيه، من ناحية أخرى.

حقائق حول تسجيل وزير الخارجية

كما أنّ ثمة ردود فعل عديدة تسبَّب فيها التسريب الصوتي لوزير الخارجية الإيراني، تتصل بطبيعة الأدوار المتفاوتة التي يؤديها الحرس الثوري، وحجم تأثيراته السياسية، إضافة إلى تحديد القوى التي تسعى إلى تقليص دور وزير الخارجية الإيراني، أو بالأحرى إنهاء وتصفية دوره، لا سيما مع ملاحقته بحملات دعائية مضادة مكثفة، خلال الفترة الأخيرة؛ إذ إنّ المنصات الإعلامية القريبة من الحرس الثوري قد ألمحت، في وقت سابق، إلى حصوله على الجنسية الأمريكية، أو حيازته البطاقة الخضراء للإقامة في الولايات المتحدة، وهو ما اضطره لنفي هذا الأمر رغم عدم ورود اسمه صراحة.

شنّ ظريف انتقادات حادّة على سليماني، ورأى أنّه سبب مباشر في تعطيل دور الدبلوماسية والسياسة الخارجية

وفي التسريب الصوتي، الذي انفردت به صحيفة "إيران إنترناشيونال" الإيرانية المعارضة، مقرّها لندن، شنّ ظريف انتقادات حادّة على القائد السابق لفيلق القدس، قاسم سليماني، واعتبره سبباً مباشراً في تعطيل دور الدبلوماسية والسياسة الخارجية الإيرانية؛ حيث اتّهم الأخير بالتواطؤ لإفساد الاتفاق النووي الإيراني، وقال: "في كلّ مرة تقريباً ذهبت فيها للتفاوض مع (الدول الكبرى) كان (سليماني) يطلب مني أن أقدّم هذا التنازل أو ذاك أو أثير نقطة ما. وكان يفرض شروطه عند ذهابي لأيّ تفاوض مع الآخرين بشأن سوريا، وأنا لم أتمكن من إقناعه بطلباتي. مثلاً طلبت منه عدم استخدام الطيران المدني في سوريا ورفض".

الميدان قبل السياسة

ولفت وزير الخارجية الإيراني إلى أنّ قائد فيلق القدس، الذي قتل مطلع العام الماضي، في ذروة التصعيد الخشن بين إيران والولايات المتحدة، كان يعمد إلى تطويع الخارجية الإيرانية لحساب مصالحه الميدانية والعسكرية الإستراتيجية، لطالما كانت الرؤية العسكرية له ذات أولوية في الشأن الدبلوماسي، الأمر الذي ترتب عليه أن يصبح دور ظريف في الخارجية الإيرانية يعادل "الصفر"، كما ورد في التسريب الصوتي.

وبالتبعية، فشل ظريف في "المطالبة بأيّ قائد عسكري يفعل شيئاً ما من أجل مساعدة الجهود الدبلوماسية"، موضحاً أنّ "النجاح على الساحة العسكرية كان أهمّ من نجاح الدبلوماسية. فكنت أتفاوض من أجل النجاح على الساحة العسكرية".

كشف ظريف في حديثه المسرَّب؛ أنّ وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري، حذّره من أنّ رحلات شركة الطيران الوطنية الإيرانية قد تضاعفت إلى سوريا لنحو ستّ مرات

وعرج وزير الخارجية الإيراني، في التسجيل الصوتي المسرب، إلى أزمة الطائرة الأوكرانية، وقد أشار إلى الفجوة الهائلة بينه وبين الحرس الثوري، حيث ذكر: "قلت (في اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي) إنّ العالم يقول إنّ صواريخ أسقطت الطائرة؛ وإذا كان هذا ما حدث أبلغونا كي نرى كيف نستطيع تسوية الأمر"، وأردف: "قالوا لي: "لا، اذهب، غرّد على تويتر وأنكر ذلك".

كما أقرّ بأنّه "في الجمهورية الإٍسلامية الميدان العسكري هو الذي يحكم. ولقد ضحيت بالدبلوماسية من أجل الميدان العسكري، بدلاً من أن يخدم الميدان الدبلوماسية، وهيكلية وزارة الخارجية هي ذات توجّه أمني غالباً".

قاسم سليماني والفسوق السياسي

وكشف ظريف، في حديثه المسرب؛ أنّ وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري، حذّره من أنّ رحلات شركة الطيران الوطنية الإيرانية قد تضاعفت إلى سوريا نحو ستّ مرات، وذلك منذ رفع العقوبات الأمريكية، كما أشار إلى أنّه في أعقاب الانتهاء من المراحل الأخيرة للاتفاق النووي، صيف عام 2015، بدأ سليماني في التخطيط لأحداث تؤثر على مسار الاتفاق، بهدف إفشاله؛ إذ توجه إلى موسكو من دون التنسيق مع الخارجية، ثم قام باحتجاز سفينة أمريكية، والهجوم على السفارة السعودية في طهران.

محمد المذحجي لـ"حفريات": تصريحات ظريف المسرّبة، التي لا يمكن أن تنفصل عن سياقَين مهمَّين هما؛ الانتخابات الرئاسية ومحادثات فيينا

وبحسب الصحفي المتخصص في الشأن الإيراني، محمد المذحجي، فإنّ التسريب الصوتي لوزير الخارجية الإيراني، تنعكس دلالاته على ضوء "التوقيت اللافت والحساس" الذي جاء فيه، والمتمثل في مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي، حيث يبدو أنّ هناك رغبة من الحرس الثوري في إفشاله، موضحاً لـ "حفريات"؛ أنّ "القيود التي تفرضها القوى المتشددة في طهران تكاد لا تختلف عما جاء في حديث ظريف بل تؤكد الوقائع صحتها، وذلك رغم التفاهمات الإيجابية التي وصلت إليها المحادثات التي تشترك فيها الولايات المتحدة، بصورة غير مباشرة".

الصحفي المتخصص في الشأن الإيراني محمد المذحجي

ويلفت الصحفي المتخصص في الشأن الإيراني إلى أنّ تصريحات ظريف المسرّبة، التي لا يمكن أن تنفصل عن سياقَين مهمَّين، هما الانتخابات الرئاسية ومحادثات فيينا، تبرز "طبيعة النظام السياسي داخل الجمهورية الإسلامية؛ إذ إنّها تنفي الثنائية التقليدية في إدارة الحكم، وتكشف عن الطبقة الحاكمة وحجم نفوذها، كما أنّها تعدّ رسالة إلى الإدارة الأمريكية للإسراع من المفاوضات والتقدّم فيها، في فترة حكومة روحاني ووزير خارجيته".

هل يكفي النفي الرسمي؟

وإلى ذلك، سارعت الخارجية الإيرانية إلى نفي ما ورد في التسجيل الخاص بوزير الخارجية الإيراني، ووصفته بأنّه "مجتزأ"، كما أنّ وكالة أنباء "فارس" الإيرانية، القريبة من الحرس الثوري، رأت أنّ الهدف النهائي من التسجيل هو "ثني المواطنين عن الاقتراع في الانتخابات".

اقرأ أيضاً: التسجيل الصوتي لظريف: لعبة النظام أم المعارضة؟

كما أوضحت الوكالة الإيرانية؛ أنّه "لم يكن خفياً على أحد المواقف واختلافات ظريف مع التوجه العام للثورة الإيرانية، وبالطبع أصبحت أكثر وضوحاً بهذا التسريب الصوتي"، وأضافت: "ظريف في هذا التسريب وعبر مواجهته بطل الميدان، أي قاسم سليماني، وصل إلى حدود الدمار السياسي.. لصوص هذا الملفّ الصوتي وناشروه سعوا إلى هدفين؛ الأول إلقاء اللوم على الميدان، أي دور الحرس الثوري في المنطقة، في حال فشل مفاوضات الاتفاق النووي، والثاني إظهار أنّ رئاسة الجمهورية لا دور لها في إدارة البلاد، وأنّ المشكلات لا تحلّ بتغيير الرئيس".

اقرأ أيضاً: التسجيل الصوتي لظريف: قال كثيراً وكشف قليلاً

ومن جانبه، قال الناطق الرسمي بلسان الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إنّ "الملف الصوتي الذي نشر عن ظريف هو ملف مجزَّأ، ومجموعة مختارة من محادثة داخلية مدتها 7 ساعات، لا تعكس، بأيّ حال من الأحوال، مستوى الاحترام والمديح الكبير والتقدير الذي تحدث به وزير الخارجية في المحادثة حول حكمة ورشادة الشهيد سليماني، والدور الفريد من نوعه الذي لعبه في النجاحات التي حققتها إيران في المنطقة"، مؤكداً أنّ "صداقة ظريف طويلة الأمد والتقارب مع اللواء سليماني لا يخفيان على أحد".

وتابع: "هذه المحادثة سجلت فقط في الذاكرة التنظيمية للحكومة، ولم يكن من المقرر نشرها، وليس واضحاً من نشرها بشكل انتقائي وبأيّة أهداف ونوايا، ونظراً للفسوق السياسي المتزايد الذي نشهده هذه الأيام، يجب أن ننتظر تقطيع أجزاء انتقائية أخرى من هذا الحوار وبثّها، لذا في حال موافقة المؤسسات ذات الصلة سيتم نشر الحوار بالكامل، والذي يستغرق 7 ساعات"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية