هجوم ضمني على حزب الله وحركة أمل... ردود الفعل على استقالة أديب

هجوم ضمني على حزب الله وحركة أمل... ردود الفعل على استقالة أديب


27/09/2020

لقي اعتذار مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة اللبنانية ردود فعل متباينة بين الأوساط السياسية والشعبية، بين مهنّئ على "شجاعته" في اتخاذ القرار، ومندّد بـ"الفشل" الذي من شأنه أن يُبقي البلاد في حالة التوتر، وبين مستنكر ومستهجن لممارسات حزب الله وحركة أمل التي وضعت العراقيل في طريق تشكيل الحكومة، للحصول على مكتسبات سياسية، والهيمنة على بعض الوزارات التي تحافظ على أموالها ومشاريعها بعيدة عن الأعين الرقابية.

 

الرئيس الفرنسي: بعد فشل تشكيل حكومة لبنانية، الأحزاب السياسية، في إشارة إلى حزب الله اللبناني وحركة أمل، ارتكبت خيانة جماعية

 

وقد أعلن، أمس، رئيس الوزراء اللبناني المكلف اعتذاره عن مهمّة تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك خلال كلمة ألقاها أمام الصحفيين، عقب اجتماعه السادس مع رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا.

وقال أديب في كلمته التي تناقلتها وكالات أنباء محلية ودولية: "حرصاً مني على الوحدة الوطنية بدستوريتها ومصداقيتي، فإنني أعتذر عن متابعة مهمّة تشكيل الحكومة"، وأضاف: "تبيّن لي أنّ التوافق لم يعد قائماً".

وتابع أديب: "أتمنى لمن سيتمّ اختياره للمهمّة الشاقة من بعدي، وللذين سيختارونه، كامل التوفيق في مواجهة الأخطار الداهمة المحدقة ببلدنا وشعبنا واقتصادنا".

وتعليقاً على القرار، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس، بعد فشل تشكيل حكومة لبنانية: إنّ الأحزاب السياسية، في إشارة إلى حزب الله اللبناني وحركة أمل، ارتكبت خيانة جماعية.

اقرأ أيضاً: لبنان يدخل باب جهنم والدعم الدولي يتبخر

وقال مصدر مقرّب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفق ما أوردت وكالة "رويترز" أمس: إنّ فرنسا لن تخذل لبنان، وذلك بعد إعلان رئيس الوزراء اللبناني المكلف مصطفى أديب اعتذاره عن تشكيل الحكومة.

 

سمير جعجع: تسمية الوزراء من قبل المجموعة الحاكمة الحالية قد أثبت فشله وأدى بالبلاد إلى ما وصلت إليه

 

وقال المصدر: إنّ اعتذار أديب يعني أنّ الأحزاب السياسية في لبنان ارتكبت "خيانة جماعية"، مضيفاً أنّ ماكرون سيدلي ببيان في مرحلة لاحقة، تعليقاً على ما حصل.

وكان الزعيم الفرنسي قد وصف مبادرته التي تتضمن خريطة طريق وجدولاً زمنياً للإصلاحات بأنها "الفرصة الأخيرة لهذا النظام".

وقد شنّ سياسيون لبنانيون هجوماً عنيفاً على ميليشيا حزب الله ومن خلفها إيران، لموقف حزب الله المتعنت هو وحركة أمل من تشكيل الحكومة الجديدة.

ووضع سياسيون ورؤساء حكومات لبنانية سابقون أمس "اعتذار أديب" في خانة الفشل السياسي المستمر، مؤكدين أنّ ما حصل هو هدر فرصة إنقاذ البلاد.

في السياق، قال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع: إنّ "اعتذار الرئيس المكلف أكد المؤكد، بأنه لا يمكن التفكير بأيّ إنقاذ إلا بحكومة مستقلة فعلاً. إنّ تسمية الوزراء من قبل المجموعة الحاكمة الحالية قد أثبت فشله وأدّى بالبلاد إلى ما وصلت إليه".

وأضاف: "لا يمكن التفكير من الآن فصاعداً بتشكيل أي حكومة إلا انطلاقاً من الأسس التي اعتذر الرئيس أديب بسببها.

اقرأ أيضاً: أديب يعتذر عن تشكيل الحكومة... فهل وصل لبنان "إلى جهنم"؟

ووجّه التهنئة لرئيس الوزراء المعتذر مصطفى أديب، حتى مع عدم تسمية حزبه له، لأنه أوّل مسؤول لبناني يستقيل عندما لا يتمكن من أن يترجم قناعاته.

 

الحريري: مرّة جديدة، يقدّم أهل السياسة في لبنان لأصدقائنا في العالم نموذجاً صارخاً عن الفشل في إدارة الشأن العام

 

من جهة أخرى، قال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري: "مرّة جديدة، يقدّم أهل السياسة في لبنان لأصدقائنا في العالم نموذجاً صارخاً عن الفشل في إدارة الشأن العام ومقاربة المصلحة الوطنية".

وتابع: "اللبنانيون يضعون اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب عن مواصلة تشكيل الحكومة اليوم في خانة المعرقلين، الذين لم تعد هناك حاجة لتسميتهم، وقد كشفوا عن أنفسهم في الداخل والخارج".

وأوضح الحريري أنّ "الإصرار على إبقاء لبنان رهين أجندات خارجية بات أمراً يفوق طاقتنا على تدوير الزوايا وتقديم التضحيات".

وأشار إلى أنّ "أولئك الذين يصفقون اليوم لسقوط مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نقول لهم إنكم ستعضّون أصابعكم ندماً لخسارة صديق من أنبل الأصدقاء، ولهدر فرصة استثنائية سيكون من الصعب أن تتكرر لوقف الانهيار الاقتصادي ووضع البلاد على سكة الإصلاح المطلوب".

ومن جهة أخرى، أعرب رؤساء الحكومة السابقون نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام عن "أسفهم" على "ضياع الفرصة التي أتيحت للبنان".

اقرأ أيضاً: لماذا يصر حزب الله وحلفاؤه على قيادة لبنان إلى الجحيم؟

وأكد الثلاثة، في بيان مشترك نقلته وكالة الأنباء الوطنية، وقوفهم "إلى جانب أديب في اعتذاره عن الاستمرار في مهمته التي جرى الإطاحة بها"، آملين "أن يصغي الجميع للضرورات والاحتياجات الوطنية، وأن يدركوا مخاطر التصدع والانهيار بدون حكومة قادرة وفاعلة وغير حزبية".

 

رؤساء الحكومة السابقون نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام يعبّرون عن "أسفهم" على ضياع الفرصة التي أتيحت للبنان

 

وجاء في البيان: "مع تكليف أديب تشكيل الحكومة الجديدة، لاحت فرصة إنقاذ لبنان بتأليف حكومة تبدأ بالعمل على استعادة الثقة ووقف الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي الحاصل"، لكن "من المؤسف أن يصار إلى الالتفاف على هذه الفرصة التي أتيحت للبنان ومن ثمّ إلى إجهاض جميع تلك الجهود، ولا سيّما أنه قد أصبح واضحاً أنّ الأطراف المسيطرة على السلطة ما تزال في حالة إنكار شديد ورفض لإدراك حجم المخاطر الرهيبة التي أصبح يتعرض لها لبنان. وبالتالي هي امتنعت عن تسهيل مهمّة ومساعي الرئيس المكلف ممّا أدى إلى إفشالها".

وتابع البيان: "إنّ رؤساء الحكومة السابقين الذين اقترحوا تسمية أديب، لما يتمتع به من كفاية ومناقبية وطنية، وبعد أن تبنّت معظم الكتل النيابية تكليفه، وبعد أن التزم أديب بتلك القواعد لتأليف الحكومة، فإننا نؤكد وقوفنا إلى جانبه في اعتذاره عن الاستمرار في مهمته التي جرت الإطاحة بها".

أمّا عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب عماد واكيم، فقد غرّد عبر "تويتر" قائلاً، وفق ما أوردت العربية: "لا، هذا ليس استهتاراً بل هو إجرام كامل المواصفات بحقّ الشعب، إغراق الرئيس المكلف بالشروط والتلطي خلف الطوائف نهج أوصلنا إلى ما نحن فيه، وما زلتم مستمرّين غير آبهين بالبلد والشعب، صغار لا أمل فيكم، الشعب هو مصدر السلطات ولن تتمكنوا من خنقه، تحية احترام إلى الرئيس المكلف المعتذر".

 

بري: حركته وحليفه حزب الله يتمسكون بالمبادرة الفرنسية، ولكن هناك من أغرقها في ما يخالف كل الأصول المتبعة

 

كما سار الوزير السابق اللواء أشرف ريفي في الاتجاه نفسه، وذكر عبر حسابه في "تويتر": "مصطفى أديب الذي صارع مافيا السلاح والفساد لشهر، خرج مرفوع الرأس ولم يشارك في خداع اللبنانيين تحت عنوان حكومة تجريب المجرّب، شاهد على مأساة لبنان بهذه المنظومة ومؤسس لنهج كرامة ومؤسسات. كلّ التحية لك يا ابن طرابلس البار ويا ابن هذا الوطن الذي يشبهك وأمثالك".

وأردف قائلاً: "أديب أعطى المثال أنّ لبنان غني بالقامات والخامات. الويل الويل لكل من يسهم في التساهل واستمرار منظومة السلاح والفساد. لا سقف بعد اليوم في لبنان تحت السقف الذي تشبث به مصطفى أديب".

اقرأ أيضاً: اللبنانيون يسخرون: أينما وُجد الأمونيوم العام وحزبه حلّ الموت

أمّا المنسق الأممي الخاص في لبنان، يان كوبيش، فقد حذّر من أنّ "هناك درجة عالية من اللّامسؤولية، ومصير لبنان وشعبه على المحك".

وفي محاولة منه لحفظ ماء الوجه، أعلن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري (رئيس حركة أمل) تمسّكه بالمبادرة الفرنسية.

وبعد الاتهامات التي وجّهت إليه ولحليفه حزب الله بعرقلة تشكيل الحكومة، زعم بري أنه "لا أحد يتمسك بالمبادرة الفرنسية بقدر تمسكهم بها، ولكن هناك من أغرقها في ما يخالف كلّ الأصول المتبعة".

وقال: "المبادرة الفرنسية روحها وجوهرها الإصلاحات، والحكومة هي الآلة التي عليها أن تنفذ هذه الإصلاحات بعد إقرارها".

وأضاف: "أعتقد أنّ كل الكتل مع هذه الإصلاحات والمجلس النيابي أكثر المتحفزين لإقرار ما يجب، ونحن على موقفنا بالتمسك بالمبادرة الفرنسية وفقاً لمضمونها".

وكان الرئيس اللبناني ميشال عون قد أعلن قبوله اعتذار "أديب"، مؤكداً اتخاذه الإجراءات المناسبة وفقاً لمقتضيات الدستور.

اقرأ أيضاً: انفجار يهز أهم معاقل حزب الله جنوب لبنان... من وارءه؟

وقد شهد اليومان الأخيران مشاورات سياسية مكثفة، وتمّ الحديث عن بعض الأجواء الإيجابية نتيجة طرح رئيس الحكومة السابق الحريري مبادرة تقضي بأن يُسمّي "أديب" وزيراً للمالية، وبالتالي إبقاء هذه الوزارة مع الشيعة.

لكنّ الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) عاد وطرح قضية أخرى وهي أن يسمّي الثنائي أيضاً جميع الوزراء الشيعة في الحكومة، وهو ما رفضه أديب ومعظم الفرقاء السياسيين.

واعتذار أديب يعني بقاء حكومة حسان دياب في تصريف الأعمال إلى حين دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى استشارات نيابية لتسمية رئيس جديد للحكومة.

ومنذ أسبوع، جهّز أديب اعتذاره عن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، إلا أنّ تدخلاً من ماكرون "شخصياً" دفعه لإرجاء الخطوة في محاولة أخيرة نحو الحل، وهو ما لم يحدث.

والجمعة، عقد رئيس الوزراء المعتذر لقاء مع ممثلي حركة أمل وحزب الله، لكنه انتهى دون التوصل إلى أيّ نتائج إيجابية.

اقرأ أيضاً: "داعش" في لبنان خطر داهم أم توظيف سياسي؟

ويغرق لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث. وقد تخلفت البلاد عن سداد ديونها لأول مرّة على الإطلاق في شهر آذار (مارس) الماضي، وانهارت العملة المحلية، ما أدّى إلى تضخم مفرط وتزايد الفقر والبطالة.

وتفاقمت الأزمة بسبب انفجار 4 آب (أغسطس) في ميناء بيروت، بسبب تفجير آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم، قتل ما يقرب من 200 شخص وجرح الآلاف، وتسبب في خسائر تقدّر بمليارات الدولارات.

ورغم أنّ لبنان في أمسّ الحاجة للمساعدات المالية، إلّا أنّ فرنسا وقوى دولية أخرى رفضت تقديم المساعدة قبل إجراء إصلاحات جادّة. وتُعزى الأزمة إلى حدٍّ كبير إلى عقود من الفساد المنهجي وسوء الإدارة من قبل الطبقة الحاكمة في لبنان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية