"نوال"... مسرحية تستعيد صوت السعداوي الثائرة على النظام الأبوي

"نوال"... مسرحية تستعيد صوت السعداوي الثائرة على النظام الأبوي

"نوال"... مسرحية تستعيد صوت السعداوي الثائرة على النظام الأبوي


18/10/2022

روزيت فاضل

أدرجَ مسرح مونو في أجندته "المقاومة عبر الثقافة" مسرحية "نوال" للمخرجة النسوية لينا أبيض، وتُروى فيها نصوص للمناضلة نوال السعداوي على لسان 4 نساء هنّ جنى أبي غصن، سولين دكاش، كلارا الفتوى الهوى وماريانا زريق، بأداء تمثيلي جيد وواعد لهن لشخصية بارزة صنعت انتصاراتها من خلال الشجاعة أولاً.

ديكور المسرح بسيط وغني بصفحات من مذكرات السعداوي موزعة أرضاً، أي صفحات من كتاب مذكرات رافق يوميات الطفلة المتمردة على العقلية الذكورية في منزلها الأبوي، وقصة ختانها ومحاولة تزويجها وهي قاصر، وما يرافقها من ثورة على المحرمات والموروثات الاجتماعية في زمن واجهت فيه مجموعة تهم منها أنها المرأة الثائرة المتمردة "التي تبدو للناس شاذة غير طبيعية أو ناقصة الأنوثة...".

تواكب قراءة بيوغرافيا لنوال السعداوي موسيقى هادئة على العود من تأليف سمير نصر الدين. يتحول صوت تلك النساء الأربع، كل منهنّ عند تلاوة جزء من مذكرات السعداوي، الى محاولة لتنقية الاهتزاز والانزلاق في كل نغمة صوت "نوال" في مراحل الصبا، الربيع وخريف حياتها...

مشهد من المسرحية

" نوال"، التي تحدثت إلينا بلسان الممثلات الأربع عرفت أن بعض مجتمعاتنا تبقي ولو داخل جدرانها الصامتة واقع التمييز بين الإبنة و الإبن، وهذا ما حاولت السعداوي نقضه من خلال قص شعرها الطويل على غفلة من أمها وتعود بشعر قصير، ما دفع والدتها إلى تأنبيها على فعلتها لأنها فقدت علامة من أنوثتها بالقصة الجديدة لشعرها...

"بكيت على أنوثتي قبل أن أعرفها"، قالت السعداوي بلسان إحدى الممثلات، وهو بعض ما جال في فكر بعضنا بصمت أو حتى في بكاء خافت يرافق يوميات بعض النساء في جدران غرفة معزولة عن الخارج.

ما أثير على المسرح من بعض فصول مذكرات "نوال" هو وليد الساعة أو حدث يعيشه كل منا على طريقته، لأن العقلية الذكورية هي القوت اليومي لكثيرين منا، مع فارق مهم أنها امتلكت الشجاعة للتعبير عن امتعاضها من إعطائها ملّيماً واحداً فيما يُميَّز شقيقها بملّيمين، وهذا ما دفعها للتساؤل عن سبب هذا التفاوت بين ولدين من عائلة واحدة.

من يوميات العقلية الذكورية، التي شكت منها السعداوي وتمردت عليها، وضعُ المرأة في خانة ربة المنزل الملزمة في بعض المجتمعات قضاء غالبية وقتها في الطبخ أو حتى في الاهتمام بالشؤون المنزلية كأولوية قصوى تطغى على الطموح، مشيرة على مسمعنا أنها كرهت المطبخ ورائحة البصل، التي كانت تلازم أمها، المرأة المغلوب على أمرها كونها أمّاً لـ 9 أولاد، حرمها القدر الصعب الشعور بأي لذة جنسية بعدما تعرضت للختان وهي صغيرة، كما حال بنات جيلها.

ما حققته السعداوي في حياتها و المتداول في هذا العرض المسرحي هو فعلياً مرآة الحياة. يبدأ ذلك من منطلق عمل كوني يمثل تراجيديا ولادة بنت وما يتبعه من أدوار في عالمنا العربي المنغلق على ذاته.

🎞

السعداوي استطاعت بنضال قلمها وحبرها أن تتخطى الموروثات التقليدية والمحرمات وتقاوم الخوف من تهديدها وتخوينها لأنها طالبت بمعاملة متساوية بين الرجل والمرأة، بين الصبي والفتاة، بين غضبها من فرض الختان عليها ورفضها ممارسته على ابنتها، وصولاً الى تشريع مخاطر هذه الجريمة على مصراعيها امام الرأي العام.

هذا كله يراكم نضالاً إستثنائياً تمكنت من خلاله أن تنجح كطبيبة في قريتها كفر طلحة في محافظة القليوبية في مصر، وأن ترفض الزواج المبكر، وأن تبحث عن الله...

كل ما نراه على مسرح مونو هو جزء بسيط من مذكرات مناضلة واجهت السجن في حكم الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، وبقيت صلبة تكتب على ورق وحبر مطالب السجينات السياسيات. أيقنت السعداوي أمراً حاسماً هو أن تضامن النساء في ما بينهن يتيح قدرة حاسمة على التغيير.
ما نقل لنا من مذكرات "نوال" على المسرح هو نضال يومي نرتكز عليه في المطالبة بحقوق النساء ومساواتهن مع الآخر المختلف، لأن المجتمع لا يبنى من زاوية واحدة أي كما يراه الذكر، بل كما يتطلع اليه الثنائي أي الرجل والمرأة...

كل من سيقصد المسرح لحضور هذا العرض، سيعي أن لمسرحية "نوال" أبعاداً انسانية، ما قد يساهم في ايقاظ العنفوان عند النساء وحضّ الرجال على التفكير في شركة حقيقية مع المرأة، والأخت، الزوجة والشقيقة، وهذا المطلوب!

 المسرحية تستمر الى 23 تشرين الأول (أكتوبر) يومياً الساعة 7،00 مساء على مسرح مونو، الأشرفية...

عن "النهار العربي"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية