رحلت نوال السعداوي.. ولكن من أعطاهم صكوك الغفران؟!

رحلت نوال السعداوي.. ولكن من أعطاهم صكوك الغفران؟!


22/03/2021

بات متوقعاً مع رحيل كلّ شخصية عامّة أن تُنصب سرادقات موازية لتلك التي تنصبها عائلة الراحل، لكنها تختلف كثيراً في مفاهيمها عمّا كان راسخاً في المجتمع المصري من أنّ "للموت حرمته". فقد لوحظ في الآونة الأخيرة كثرة القضاة والشامتين بالموتى، خصوصاً المثقفين الذين يحملون آراء مختلفة، فيصبح التدوين لسبّهم وهم جثث هامدة انتصاراً للدين، بينما هو تعميق للغوغائية.

جرادات: التعليقات على وفاة نوال السعداوي تنمّ على حجم العقل الداعشي المرعب الذي ما زال خصباً جداً في المنطقة العربية

تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي منذ الأمس، مع رحيل المفكرة والأديبة والطبيبة المصرية نوال السعداوي عن عمر يناهز الـ90 عاماً، بالهجوم عليها أو الدفاع عنها، ما بين آلاف ينتصرون لعقيدتهم بمحاكمة جثمان أنثى كانت قد كتبت قبل وفاتها بشهور قليلة أنّها "لم تعد تخشى الحياة أو الموت"، وجمهور آخر من النخبة والمثقفين الذين يدينون لنوال بمعاركها ومواقفها التي لو لم تحمل من نفع سوى قضية "ختان الإناث" من وجهة نظر البعض لكفتها.

وهكذا، لم تكن حياة السعداوي هادئة، أو موتها الذي عكس صخباً وضجيجاً، وحمل قدراً غير مسبوق من الشماتة والدعاء بالهلاك، والتكبير للمعتقدات الدينية وانتصارها، وكأنّ تلك المعتقدات تنتظر موت أحد أو حياته لتثبت جديتها وثباتها، في منهج ليس بالجديد؛ إذ برز على مدار أعوام في ظل أجواء مشحونة بالكراهية، بدأت بالشماتة في موت جنود وسياسيين، وأخيراً المفكرة نوال السعداوي.

اقرأ أيضاً: رحيل نوال السعداوي بعد عقود من النضال والجدل

وإلى جوار متعقبي الفنانين ولاعبي الكرة ومهووسيهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بات لدينا قسم جديد من مهووسي محاكمة الجثامين، بنهج واحد يبدأ بالضحك على منشور وفاة الراحل أو الراحلة، وتتبّعه من موقع إخباري إلى آخر، ثمّ كتابة تعليق يسبّ ويلعن، ثمّ تعقب المترحّمين والدخول معهم في جدال، بل وتفسيقهم أيضاً، أو استفزازهم بالضحك.

الموقف ذاته تكرر مع كثيرين، لكن في حالة السعداوي، فقد تعدّت الكراهية والحقد والشماتة بموتها العادلي، في مؤشر على أنّ حمل الفكر قد يكون أثقل على البعض من حمل السوط.

وتورّط بعض الشيوخ في شرعنة تلك المحاكمات، وهم متهمون بالأساس بتشويه الهوية الوسطية، والتسبب في ذلك النوع من التدين الغوغائي، الذي ينسلخ فيه الإنسان عن ذاته، ليتقمّص دور الإله، فيوزّع صكوك الغفران كيفما يشاء.

ويحضّ على الشماتة في موت نوال، بحسب ما أورده موقع القاهرة 24، نجل الشيخ الحويني، وهو أحد مشاهير دعاة السلفية، فيقول حاتم الحويني في أحد التعليقات: الفرح بموت هذه المرأة لأجل ما حصل منها من فساد وإفساد مشروع، قال رسول الله: "العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب" فاللهم عاملها بعدلك لا بفضلك.

تعليق نجل الشيخ الحويني

وعلى نهجه، كتب شخص يُدعى أحمد بن عثمان تعليقاً على أحد الأخبار المتعلقة بها على صفحة "اليوم السابع" عبر فيسبوك: "الحمد لله الذي ذلّ بالموت رقاب المكذبين الضالين"، وكتب عبد الصمد السيحي: "لعنة الله عليها، أمّا الرحمة، فلا تجوز لها".

تشريح الظاهرة

وفي تشريح لافت لظاهرة محاكمة جثامين المثقفين، كتب الكاتب المصري عز الدين فشير عبر صفحته على فيسبوك: الهجوم على نوال السعداوي والدفاع عنها يعكسان مشكلة عامة في النظر إلى الكُتّاب، أيّ كاتب يعبّر خلال حياته عن آراء كثيرة، بعضها قد يكون مفيداً وبعضها غير مفيد، لكنه ليس زعيماً تصوّت له أو ضده، وليس صديقاً أو عريساً تقيّمه، خذ المفيد من الآراء واترك الباقي، واترك الشخص لحاله.

وأرجع الصحفي المصري بلال مؤمن ذلك الموقف العدائي ضدّ الكُتّاب إلى المفاهيم المشوّهة والمنقوصة التي تصل إلى البعض عنهم، فكتب عبر صفحته على فيسبوك: "صغيراً قال لي أخي الأكبر: إنّ الإذاعات الفرنسية هي من أطلقت على "طه حسين" لقب عميد الأدب العربي انتصاراً لثقافته وحفاوة بعدائه للإسلام، ثمّ عندما كبرت وقرأت للرجل رأيته وقد أوتي جوامع الكلم، فإذا لم يكن هذا عميداً للأدب العربي، فمن يكون؟ علمت كذلك أنّ نجيب محفوظ حصل على جائزة نوبل في الآداب "حين سبّ الإله وزعم موته"، وليس لأنه صاحب منجز حقيقي، سمعت كذلك أنّ هناك امرأة شمطاء تبغض الإسلام وتحاربه ليل نهار، وأنها تريد للمرأة أن تتزوج 4 رجال، وأن تحظى بحقّ الرجل في المواريث... ثمّ كبرت لأقرأ نجيب محفوظ وأقرأ نوال السعداوي وألعن تلك القشور التي شكّلت مواقفنا وأضلتنا الطريق، الثقافة السمعية لعنة أصابت مجتمعاتنا، لا سيّما في عصر الاستسهال والسرعة وضيق الوقت لكلّ ما عدا السوشيال ميديا، وبالبلدي: لمّا إنت متعرفش اسكت، محدش هيقول إلي سكت أهو، نحن أبناء ثقافة علمتنا (أنّ من قال لا أدري  فقد أفتى)".

اقرأ أيضاً: أبرز 10 قضايا مثيرة للجدل فجرتها نوال السعداوي

وعلّق الكاتب الأردني عامر بدران على من تصدوا لشتم المفكرة الراحلة وعدم الترحم عليها والدعاء عليها بالهلاك بقوله: "لا يجوز الترحّم على نوال السعداوي، ببساطة لأنها لا تريد ذلك، لا منك ولا من أمثالك. كان بإمكانك أن تناقش أطروحاتها اختلافاً أو اتفاقاً، في حياتها. وكان ذلك سيرفع من شأنك في عالم المعرفة. أما أن تنتظر موت شخص لتبدأ باقتراحاتك على الله أن لا يرحمه، فهذا سيجعل منك أضحوكة عند الله أولاً، وعند الذين لديهم هدف في الحياة، ثانياً".

 

لا يجوز الترحم على نوال السعداوي، ببساطة لأنها لا تريد ذلك، لا منك ولا من أمثالك. كان بإمكانك أن تناقش أطروحاتها...

Posted by Amer Badran on Monday, March 22, 2021

وتابع بدران وفق ما كتب على صفحته على "فيسبوك": "نوال السعداوي لم تشتغل في حياتها من أجل أن تقرر أنت أنّ الله سيرحمها أو لا، بل اشتغلت من أجل أن تحاول أنت أن ترحم نفسك، وترحمنا من خلاصاتك الفقهية وتكرارك الممل عند كل موت لشخص لا يشبهك".

من جهته، بيّن الكاتب الفلسطيني علي جرادات أنّ موضوع وفاة الكاتبة والمفكرة نوال السعداوي، وما تبعه من تعليقات على وفاتها، "ينمّ على حجم العقل الداعشي المرعب الذي ما زال خصباً جداً في المنطقة العربية".

أبو عودة: عرّابة الثورة الجندرية السعداوي، مثقفة شجاعة تصدّت لتابوهات المجتمع الذكوري والطبقي الأبوي، فخرج علينا بائعو الفضيلة وأصحاب صكوك الجحيم لكي يحكموا عليها بأبشع المحاكمات

واستدرك في منشور له على صفحته على "فيسبوك": مجتمعات ترفض داعش كلامياً، ولكنها تتبنّى أفكارها حد النخاع عملياً، هذا الرفض الهائل للسعداوي، يثبت أننا مجتمعات رافضة تماماً لكل من يحرك الساكن ويثير التساؤل في بيئة متصحرة تماماً، لا تعرف غير التأله والتعالي والحكم على كل من يستعمل عقله وينتقد الظلم والاضطهاد والتخلف بأنه بالضرورة مارق وزنديق .

وتابع جرادات قوله: السعداوي عاشت حياتها وهي مُحاربة؛ لأنها كانت صادمة لمنظومة مهترئة تلفظ أنفاسها الأخيرة حضارياً.

وتابع: "نحن للآن لا نخجل من حجم تخلفنا وانغلاقنا وتحجرنا وتصحرنا على كافة الأصعدة، وما زلنا نكابر، ونجادل، رغم أننا خارج كل ما هو جاد ومهم .

هذه أمة تتنفس الكراهية والحقد والتكفير أكثر ما أنها تتنفس الأوكسجين .

في النهاية السعداوي رحلت وتركت خلفها إرثاً ثقافياً وأدبياً ونضالياً، وحكمك عليها لن يغير من المعادلة شيئاً.

كنت أتمنى أن يكون العرب لديهم كره للمحتل الصهيوني بربع ما أظهروه اليوم للسعداوي، لكنا أبعد ما يمكن من هذه العبودية المقززة للسياسة الصهيونية في المنطقة .

في حين أن معظم من هاجم السعداوي اليوم أناس رأس مالهم التفاهة ولعب الشدة والضحك على مادة إعلامية سطحية، كانت حياة السعداوي بين السجون والبحث والجامعات فشتان بين النمطين".

 

عرابة الثورة الجندرية نوال السعداوي مثقفة شجاعة تصدت لتابوهات المجتمع الذكوري والطبقي الأبوي، فخرج علينا بائعو الفضيلة...

Posted by Tayseer Abu Odeh on Sunday, March 21, 2021

أما الأكاديمي والكاتب الأردني تيسير أبو عودة فكتب عن نوال على صفحته على "فيسبوك" قائلاً: "عرّابة الثورة الجندرية نوال السعداوي، مثقفة شجاعة تصدّت لتابوهات المجتمع الذكوري والطبقي الأبوي، فخرج علينا بائعو الفضيلة وأصحاب صكوك الجحيم لكي يحكموا عليها بأبشع المحاكمات... ثمّة أخطاء منهجية ومعرفية كثيرة وقعت فيها، لكن يُحسب لها قدرتها على تغيير الوعي الجندري لدى الكثيرين... ما يميز نوال السعداوي أنها شكّلت وعياً ثورياً في زمن عبد الناصر والسادات ومبارك، ولأجيال متلاحقة كانت غارقة في وحل ما يسمّيه فرويد "الأنا العليا" (الأسرة الأبوية، المجتمع المزدوج، التدين الأعمى، التراتبية الجندرية والسلطوية، المرض الروحي والجسدي)".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية