نظام طالباني يحترم حقوق الإنسان سيلقى ترحيباً كاملاً (2-2)

نظام طالباني يحترم حقوق الإنسان سيلقى ترحيباً كاملاً (2-2)

نظام طالباني يحترم حقوق الإنسان سيلقى ترحيباً كاملاً (2-2)


21/08/2023

ترجمة وتحرير: محمد الدخاخني

لا يمكن لجميع التّدخّلات الأمنيّة الموجودة في العالم أن تجعل حياة الأفغان أو جيرانهم أفضل من دون تحسينات اقتصاديّة. هنا، أيضاً، هناك العديد من أوجه التّعاون الممكنة التي لا تستلزم اعترافاً دبلوماسيّاً رسميّاً. تريد طالبان أن تكون طرقها السّريعة - وفي نهاية الأمر سككها الحديدية - بمثابة روابط تجاريّة مع جنوب آسيا. تحلم كابول بممرّات كهربائيّة وأنابيب غاز تربط المنطقة. لكن مع احتدام درجات الحرارة في العالم، يجب أن تُركّز جهود الّتعاون الإقليميّ الأكثر إلحاحاً على إدارة المياه.

تُعدّ أفغانستان في الغالب دولة منبع مقارنة بالبلدان المجاورة، لكن لديها عدد أقلّ من السّدود وأنظمة الرّي. وقد حطّمت عقود من الحروب البنية التّحتيّة وعرقلت التّنمية. ويؤدّي تغيّر المناخ إلى تفاقم الفيضانات والجفاف. مشروع المياه الرّئيس لطالبان هو نظام قنوات مائيّة جديد في الشّمال يسمّى «قوش تيبا»، والذي من شأنه تحويل المياه من آمو داريا، وهو نهر كبير، لأغراض الرّي.

إنّ رغبة طالبان في إدارة الموارد المائيّة مفهومة وضروريّة، لكنّهم يمضون قدماً من دون اعتبار لجيرانهم. فنهر آمو داريا يروي أيضاً مساحات شاسعة من تركمانستان وأوزبكستان، ويخشى المسؤولون في تلك الدّول من ذبول حقول القطن وتداعي الصّادرات. ومن جهتها، تشكو طهران من أنّ طالبان تأخذ الكثير من المياه من هلمند والأنهار الأخرى التي تتدفّق باتّجاه إيران.

الحقوق المائيّة

من شِبه المؤكّد أنّ الخلافات حول الحقوق المائيّة أسهمت في اشتباكات مُميتة بين طالبان وقوّات الأمن الإيرانيّة. التّنسيق والاستثمار من قِبل كلّ من أفغانستان وإيران ضروريّان ليس فقط لإحباط الصّراعات العنيفة على المياه؛ فكلا البلدين في حاجة أيضاً إلى زيادة المصادر المائيّة. لا يمكن لإيران أن تترك أنهارها تجفّ، ولا يمكن أن تزدهر الأعمال التّجاريّة في أفغانستان غير السّاحليّة من دون الوصول إلى موانئ إيرانيّة مثل تشابهار، وهو الشّيء الذي يمكن أن يُهَدَّد إذا تصاعدت التّوترات الحدوديّة.

 الخلافات حول الحقوق المائيّة أسهمت في اشتباكات مُميتة بين طالبان وقوّات الأمن الإيرانيّة

يوجد بالفعل مخطّط لتعاون أفضل في شكل معاهدة مائية وُقّعت عام 1973 بين البلدين، وضمنت لإيران كمّيّات ثابتة من المياه. تضمّنت المفاوضات في ذلك الوقت مناقشات حول زيادة التّجارة الأفغانيّة عبر الموانئ البحريّة الإيرانيّة. لم تُنفّذ تلك المعاهدة أبداً بسبب الاضطّرابات السّياسيّة في كلا البلدين، لكن هذا الاتّفاق القديم يمكن أن يكون بمثابة الأساس لمفاوضات اليوم. هناك حاجة، أيضاً، إلى بنية تحتيّة جديدة لقياس تدفّقات الأنهار، خاصّة من أجل استخدام المياه بكفاءة أكبر.

تظلّ الدّول الغربيّة صاحبة القرار في مشكلات أفغانستان. ويوماً ما، قد يلقى نظام طالبانيّ يحترم حقوق الإنسان ترحيباً كاملاً في نادي المجتمع الدّوليّ

يمكن أن تحقّق إيران وأفغانستان نظريّاً مثل هذه التّكيّفات المناخيّة بأنفسهما. لكن كلاهما مُثقَل بالعقوبات الأجنبيّة، والعوائق التي تحول دون الحصول على الخبرة والتّمويل لمثل هذه المشاريع تتضاعف. إنّ الحصول على المساعدة من منظّمات مثل البنك الدّوليّ ليس مجرّد مسألة تقنيّة؛ فيمكن أن يساعد ذلك في حلّ سياسات المياه.

القصّة التّحذيريّة لما سيحدث إذا تُركت طالبان من دون مساعدة تتكشّف على الحدود الشّماليّة لأفغانستان. عرضت أوزبكستان دعماً تقنيّاً لمشروع «قوش تيبا» من أجل مساعدة طالبان على تجنّب خطر توجيه النّهر إلى غَورٍ مصمّم بشكل غير صحيح، لكن طالبان قاومت ما اعتبرته تدخّلاً أجنبيّاً في مشروعها الرّئيس. يتمتّع الجيران بنفوذ - تستورد أفغانستان معظم احتياجاتها من الكهرباء من آسيا الوسطى - لكن تواصلهم الثّنائي مع طالبان بشأن قضايا المياه لم ينجح حتّى الآن.

ومع ذلك، لا يزال هناك مجال للاتّفاقات أو التّفاهمات الضّمنيّة التي تُعالج مخاوف طالبان والدّول الأخرى.

الخطوات الصّغيرة هي أيضاً خطوات رئيسة

قد توفّر الحلول الإقليميّة الجزئيّة للجهات الفاعلة الدّوليّة نموذجاً لكيفيّة التّعامل مع طالبان على المدى القصير. هناك عدد ليس بالقليل من القادة الغربيّين يريد فقط نسيان أفغانستان. فتجاهل الدّولة يسمح لهم بتجنّب الموضوع المخزي المتمثّل في خسارتهم للحرب. تُطالب بعض الأصوات البارزة بممارسة مزيد من الضّغط على طالبان، وتتمسّك بالأمل في تغيير النّظام، على الرّغم من عدم ظهور أيّ بوادر على انهياره.

قد يرعى آخرون أملاً في أنّ تقويض النّظام الأفغانيّ سيترك فوضى على أعتاب الصّين، وإيران، وروسيا. وآخرون ممّن يرغبون في التّفاوض بشأن مستقبل أفضل للأفغان العاديّين، خاصّة النّساء والفتيات، قد يعتقدون أنّ حجب الأموال والمساعدة سيمنحهم نفوذاً عندما تبدأ المفاوضات بشأن تطبيع العلاقات الدّبلوماسيّة، وإذا بدأت أصلاً. تقول هذه النّظرية إنّه عندما تبدأ المفاوضات الرّسميّة، يمكن للمسؤولين الغربيّين استخدام وعود الدّعم المستقبليّ لانتزاع تنازلات من طالبان - على الرّغم من أنّ طالبان نادراً ما كانت تتأثّر بمثل هذه الحوافز في الماضي.

لا يمكن تجاهل المشاكل الاقتصاديّة والأمنيّة في أفغانستان إلى أجل غير مسمّى، لأسباب أنّ الأشخاص الذين يعانون أكثر من غيرهم هم النّساء والفتيات

لكنّ هناك طرقاً لدعم أفغانستان أكثر ممّا يقرّ به الكثيرون. وغالباً ما تحتاج الحلول الإقليميّة إلى دعم دَوليّ، سواء كان ذلك موافقة من حكومة غربيّة على إرسال معدّات لحرس الحدود التابعين لطالبان أو موافقة البنك الدّوليّ على المضي قدماً في مشاريع البنية التّحتيّة المائيّة. يمكن أن تساعد تمويلات من خلال «مرفق البيئة العالميّ»، و«الصّندوق الأخضر للمناخ»، و«صندوق التّكيّف» بشكل كبير في تحمّل تكاليف البنية التّحتيّة، ولكن وصول أفغانستان إلى هذه الأموال عُلّق منذ سيطرة طالبان.

يحاول دبلوماسيّون إقليميّون التّعامل مع طالبان بشأن مخاوف أمنيّة، واقتصاديّة، وبيئيّة. لكنّ مسؤولاً في سفارة تعاني من نقص في الموظّفين في كابول اعترف لنا بأنّ قائمة المهام تبدو مخيفة. يقع التّعامل اليوميّ مع طالبان الآن في الغالب على عاتق مسؤولين مثله يعتمدون على ميزانيّات محدودة لا تتناسب مع حجم المشاكل. كما أنّ العقوبات الغربيّة تُقيّد الإجراءات المحلّيّة. على سبيل المثال، يصعب على الحكومات الإقليميّة أو مستثمري القطاع الخاصّ الحصول على قروض لأعمال البنية التّحتيّة في أفغانستان - وكانت المنح المقدّمة من مانحين دوليّين توفّر الكثير من التّمويل اللازم لمثل هذه المشاريع.

تحديات التنمية

والعديد من المشاكل التي تواجه كابول - على سبيل المثال، افتقارها إلى الخبرة في وضع الميزانيّات، والخدمات المصرفيّة، والاستراتيجيّات التّنمويّة - هي من بين تحدّيّات التّنمية التي تموّل الدّول الغربيّة عادةً حلولاً لها. لكن المانحين الغربيّين يمتنعون عن المساعدة الإنمائيّة ويقدّمون مساعدات إنسانيّة أقل، والتي انخفضت إلى حوالي 25 في المائة من التّمويل الإنسانيّ للعام الماضي. وكما أخبرنا مسؤول غربيّ في كابول، فإنّه «إذا كانت مشاركتك تعتمد في الغالب على المساعدة الإنسانيّة، وإذا كانت تلك المساعدة آخذة في الانخفاض، فعندئذٍ تكون استراتيجيّة المشاركة الخاصة بك في واقع الحال استراتيجيّة لامشاركة».

لا يمكن تجاهل المشاكل الاقتصاديّة والأمنيّة في أفغانستان إلى أجل غير مسمّى، لأسباب ليس أقلّها أنّ الأشخاص الذين يعانون أكثر من غيرهم من عدم الاستقرار والحرمان هم في الغالب من النّساء والفتيات. قال لنا دبلوماسيّ إقليميّ لا يمكن للسّكّان ببساطة أن «يقفوا وينتظروا». وقال إنّ اللاعبين الإقليميّين «المتواجدين على الخطوط الأماميّة» يحتاجون إلى دعمٍ دَوليّ.

بعد عامين من صعود طالبان إلى السّلطة، يجدر الاستماع إلى الدّول المجاورة التي تقضي الآن وقتاً أطول بكثير في التّحدّث إلى القيادة الجديدة في كابول مقارنةً بالدّبلوماسيّين الغربيّين، والذين سوف يخسرون أكثر إذا انهارت البلاد. إنّهم يقولون إنّ العالم لا يمكن أن يترك أفغانستان حتّى تصبح دولة فاشلة ويقولون إنّ العزلة العالميّة ستزيد من صعوبة التّعامل مع طالبان.

السّعي وراء التّعاون الإقليميّ ودعمه لا يعني التّخلّي عن الأمل في محادثات بين طالبان والعالم حول تحقيق الاعتراف. يجب على الدّبلوماسيّين أن يستمرّوا في تمهيد المواقف الصّعبة التي تعيق التّقدّم نحو التّطبيع الكامل. وقد حدثت خطوة متواضعة إلى الأمام في وقت سابق من هذا العام، عندما دعا الأمين العام للأمم المّتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى اجتماع للمبعوثين الدّوليّين إلى أفغانستان.

اتّفق المبعوثون على أنّ الظّروف ليست مناسبة للاعتراف بطالبان - حتّى لو لم يحدّدوا الشّروط. لكن غوتيريس خلص في تعليقاته العامّة إلى أنّ مثل هذه التّجمّعات يجب أن تستمرّ لمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، وتعزيز إشراك الجميع وحقوق المرأة. وفي وقت سابق من هذا العام، أصدر مجلس الأمن التّابع للأمم المتّحدة تفويضاً بإجراء مراجعة مستقلّة لجميع التّعاملات الدّوليّة مع أفغانستان. وسوف يُسلّم هذا التّقرير في تشرين الثّاني (نوفمبر).

من نواحٍ عديدة، تظلّ الدّول الغربيّة صاحبة القرار في مشكلات أفغانستان. ويوماً ما، قد يلقى نظام طالبانيّ يحترم حقوق الإنسان ترحيباً كاملاً في نادي المجتمع الدّوليّ. لكن ذلك اليوم بعيد. لا يستطيع الغرب أن يقف من دون فعل أي شيء. المنطقة تعاني، والأفغان وجيرانهم يستحقّون أن يأكلوا.

المصدر:

غرايم سميث وإبراهيم بحيس، فورين أفيرز، 11 آب (أغسطس) 2023

https://www.foreignaffairs.com/afghanistan/world-has-no-choice-work-taliban




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية