نشاط داعش في أوروبا.. ما طبيعته وما الحلول لمحاربته ؟

نشاط داعش في أوروبا.. ما طبيعته وما الحلول لمحاربته ؟

نشاط داعش في أوروبا.. ما طبيعته وما الحلول لمحاربته ؟


02/09/2024

شكل جديد من التطرف والإرهاب تشهده أوروبا من الداخل، يتماشى مع متطلبات الجماعات المتطرفة والذي يقوم على استقطاب الشباب عن بعد وعبر الإنترنيت، أكثر من المنابر الحقيقية، إذ تسعى الجماعات المتطرفة إلى تحقيق أهداف سياسية وأيديولوجية مختلفة، ولكنها تتبنى استراتيجيات متشابهة في ممارسة العنف وجميعها تعتمد على  نشر الخوف والرعب. 

وبحسب دراسة نشرها "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، تعمل الجماعات المتطرفة بشكل منظم على استغلال وسائل التواصل عبر الانترنيت واستثمار العولمة التكنولوجية. وهذا ما يمثل تحدي كبير إلى الحكومات وأجهزة الاستخبارات.

يأتي ذلك، برغم أن الاتحاد الأوروبي يساهم في جهود مكافحة الإرهاب من خلال  الكشف عن مسارات الإرهاب. وقد أثرت الهجمات الإرهابية بشكل مباشر على الدول الأعضاء خاصة في غرب أوروبا، بينما نجحت بعض الدول الأوروبية خاصة ألمانيا في تنفيذ عمليات استباقية وأخرى وقائية، لمنع وقوع عمليات إرهابية. 

ولا تزال الدول الأعضاء تنظر إلى الإرهاب الإسلاموي “الجهادي” باعتباره التهديد الإرهابي الأكثر بروزًا للاتحاد الأوروبي.

 

تسعى الجماعات المتطرفة إلى تحقيق أهداف سياسية وأيديولوجية مختلفة ولكنها تتبنى استراتيجيات متشابهة في ممارسة العنف

 

إلى ذلك، أشارت الدراسة إلى أن الجماعات المتطرفة بعد أن كانت تعتمد على أن تكون تنظيماتها مركزية وهي من تقوم بإدارة فروعها وتمويلها وترتكز هذه التنظيمات والفصائل على “كارزيما” وعلاقات زعاماتها وقياداتها، تحولت اليوم إلى ما يُعرف بالإرهاب غير المركزي، أو الإرهاب المناطقي، الذي يترك للتنظيمات اختيار الأهداف والتشغيل المناطقي.

 والمقصود: إن هذه الجماعات المتطرفة المناطقية هي من تخطط وتنفذ وتحصل على التمويل من مصادرها التي تتركز في “الجزية” والإتاوات وقطع الطرق والرهائن وتهريب البشر وسوق السلاح السوداء والعملات المشفرة. 

ويتسم مشهد التطرف والإرهاب في أوروبا، بتنفيذ هذه الجماعات المتطرفة عمليات الذئاب المنفردة، بسبب عدم قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية واسعة، ويعود ذلك بفضل الجهود التي تبذلها الاستخبارات الأوروبية في مكافحة الإرهاب.

إرهاب داعش في أوروبا

هذا ولفت "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات" في الدراسة إلى أن أوروبا شهدت خلال عام 2015 موجة إرهاب عابر للحدود، أثرت كثيراً على واقع الأمن والاستقرار في أوروبا وأحدثت الكثير من الانقسامات داخل مجتمعات أوروبا من خلال نشر الكراهية والعنف والتطرف والإرهاب.

لكن اليوم شكل الإرهاب اختلف في أوروبا، ليكون في الغالب عمليات “ذئاب منفردة” محدودة وتقليدية، حيث أصبح تنظيم داعش - ولاية خراسان يستهدف في عمليات التأثير والتجنيد على جيل جديد من الشباب داخل أوروبا، في الغالب يكونوا من المراهقين وتحت سن العشرين عاما وربما يكونون من أصول مهاجرة، من جنوب ووسط آسيا ومن الشرق الأوسط. 

وهذا يعني أن الإرهاب في أوروبا أصبح محلياً، من الداخل وغير مستورد، رغم أنه يقع تحت تأثير الدعاية المتطرفة على الإنترنيت من الخارج.

التطرف الذاتي؟

وبحسب الدراسة، فإن الأمر يبدأ على منصات الإنترنت والتي تجذب الشباب جدًا ويتم تشغيلها بشكل كبير من خلال الخوارزميات. فإذا قمت بالنقر ثلاث مرات على مقطع فيديو يتعلق بفلسطين، على سبيل المثال، فلن ترى سوى المحتوى ذي الصلة فقط. 

 

تعمل الجماعات المتطرفة بشكل منظم على استغلال وسائل التواصل عبر الانترنيت واستثمار العولمة التكنولوجية

 

ولأن هذه المنصات تعمل من أجل السيطرة على محتواها، فمن السهل على المستخدمين استهلاك الدعاية “الجهادية”. وينتهي الأمر بالمستهدفين في مجموعة مغلقة. 

هناك، داخل المجموعات المغلقة يتبادلون المعلومات المشفرة مع آخرين لديهم اهتمامات مماثلة. يرسلون لبعضهم البعض مقاطع فيديو عن الهجمات ويتحمسون للعنف المصور وينصب التركيز دائمًا على التخيلات العنيفة، حيث تلعب الأيديولوجية دورًا ثانويًا.

“جهاديو” أوروبا في سوريا والعراق

كان هناك حوالي “5500” مقاتل أوروبي في سوريا والعراق بعضهم ولدوا لأبوين من مواطني الاتحاد أوروبا، وفقا لما أوردته الدراسة.

وكشف الباحثان البلجيكيان توما رينار وريك كولسايت، الخبيران بشؤون المتشددين بمعهد إيغمونت في بروكسل، أن فرنسا تأتي على رأس قائمة المعتقلين الأوروبيين، تليها ألمانيا وهولندا والسويد وبلجيكا. بينما لا يزال ملف المقاتلين الأجانب في مخيمات سوريا موضع نقاش وجدل بدون حلول جذرية، وهذا يمكن أن يخلق من جديد ” محركات” إرهاب متطورة وجيل جديد من التطرف العنيف. 

وقد اعتبرت الدراسة أن “جهاديو” أوروبا كانوا يحصلون على امتيازات واسعة داخل التنظيم أكثر من المقاتلين المحليين وكان لهم تأثير كبير في عمليات التجنيد، بينهم الألماني: دنيس كوسبرت، وجاسم موازي من بريطانيا.

أوروبا بؤرة التقاء المتطرفين

في السياق، كشفت التقارير الكثير من الحقائق حول خلية هامبورغ ـ 11 سبتمبر 2001، منها العوامل التي تدفع قيادات “جهادية” إلى اتخاذ ألمانيا وبعض دول أوروبا  نقطة انطلاق لأنشطتها وعملياتها الإرهابية، حيث كانت مدينة هامبورغ ، نقطة أنطلاق خلية هامبورغ الإرهابية. 

وكان  “الداعية” “أبو ولاء ” يخطب علناً ويعطي دروساً دينية في مسجد بمدينة هيلدسهايم الألمانية خلال عام 2014. ويقوم بعمليات التجنيد المباشر والتحاق الشباب من داخل أوروبا بتنظيم داعش في العراق وسوريا. 

 

تحولت اليوم إلى ما يُعرف بالإرهاب غير المركزي أو الإرهاب المناطقي الذي يترك للتنظيمات اختيار الأهداف والتشغيل المناطقي

 

وقد شهدت دول أوروبا خاصة استقطاب و ترحيب بـ“الجهاديين” رغم تورط هذه العناصر والجماعات في عمليات إرهابية في أوطانهم. فيما كشفت أوراق الاستخبارات البريطانية على سبيل المثال الكثير من أسرار علاقة الإخوان بالاستخبارات البريطانية،أبرزهم : مصطفى كمال مصطفى الشهير بـ”أبو حمزة المصري” و”أنجم تشودري” في بريطانيا. 

جيل “داعش أوروبا” الجديد

كما أكدت الدراسة أن تنظيم داعش لا يحتاج، في الوقت الحالي، إرسال مقاتلين جدد إلى أوروبا كما فعل في عامي 2014 و2015 لكن يتم استثمار المتعاطفين مع التنظيم. فمثلا خطاب تنظيم داعش يقول: ”أنتم يمكنكم أن تصبحوا مقاتلين ولا تحتاج إلى القدوم إلى سوريا أو الانضمام إلى داعش، كل ما عليك فعله هو تسجيل مقطع فيديو والاعتراف بتنظيم داعش قبل اتخاذ أي إجراء، ثم نعترف لك، وأنت مقاتل داخل التنظيم يحق لك العمل و”الشهادة”. 

وبهذه الطريقة، يعمل تنظيم داعش على زيادة  قدراته وإمكانياته. وهناك استراتيجية أخرى تتمثل في قيام قيادات تنظيم داعش بالبحث عن المجندين المحتملين في مساحات الإنترنت ومن ثم توجيههم كموجهين. التنظيم يستخدم الخوارزميات والذكاء الاصطناعي من أجل فرز والوصول إلى أشخاص لديهم ميول ونزوح نحو التطرف العنيف عبر الإنترنيت.

وقد خلصت الدراسة إلى أن أوروبا تظل عرضة للتهديد الإرهابي ونشر الدعاية “الجهادية” ضمن مساعي الجماعات المتطرفة لتجنيد عناصر جديدة وكسب أنصار جدد من داخل أوروبا، وأن  استهداف أوروبا وتنفيذ عمليات إرهابية فيها يعني الكثير لهذه الجماعات، يعطيها الكثير من “المصداقية والحضور في المشهد الجهادي” والحصول على مزيد من التمويل.

كما استنتجت أن ما يحصل الآن من تطرف وإرهاب في أوروبا هو نتيجة سياسات أوروبية متراخية ولينة سابقة والبعض منها ربما كانت مقصودة، لتفريغ أوروبا من “الجهاديين” واستقطاب الإرهاب في منطقة الشرق الوسط وأحياناً تداخل ذلك في أجندات جيوسياسية.

ورجحت أن يكون مشهد الإرهاب في أوروبا على غرار الذئاب المنفردة محدودا، وأن لا تتجاوز عملياته مثل الطعن بالسكين، كما استبعدت أن تنجح الجماعات المتطرفة بتنفيذ عمليات واسعة في أوروبا ويعود ذلك إلى الجهود التي تبذلها الحكومات والاستخبارات في مكافحة الإرهاب في أعقاب موجة الإرهاب عام 2015.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية