مَن يهدد الميثاقية الطائفية في لبنان؟

مَن يهدد الميثاقية الطائفية في لبنان؟

مَن يهدد الميثاقية الطائفية في لبنان؟


12/12/2022

مع أنّ الرئيس السابق اللبناني السابق، ميشال عون، أنهى عهده وخرج من قصر بعبدا، إلا أنّ المسحة الطائفية التي سادت عهده لم تتراجع بعد. ووجد المتدثرون بغطاء الطائفية خصوصاً حزب الرئيس عون؛ التيار الوطني الحرّ برئاسة صهره جبران باسيل فرصةً للعودة من باب الطائفية عقب عقد حكومة تصريف الأعمال، برئاسة نجيب ميقاتي اجتماعاً، في فترة الشغور الرئاسي التي تعيشها البلاد، مع إخفاق مجلس النواب في اختيار رئيس البلاد بعد مرور ثماني جلسات.

جلسة الحكومة

واعتبر التيار الوطني الحرّ (العونيين) أنّ عقد اجتماع مجلس الوزراء هو انتهاك للميثاقية والعيش المشترك، وتعدي على مقام رئيس الجمهورية الذي هو من حقّ المسيحيين. وبحسب المادة (62) المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 1990 (في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء). ولم يحدد الدستور طبيعة هذه الحكومة التي يُناط بها صلاحيات الرئيس، لهذا تتعدد التفاسير الخاصة بالدستور بشأن حكومة تصريف الأعمال.

وعقد مجلس الوزراء جلسته الأولى منذ الشغور الرئاسي بنصاب مكتمل بعد تراجع وزيرين من المقاطعين، وناقشت الجلسة عدد من القضايا الملحة والعاجلة من بينها مستحقات أصحاب المستشفيات التي طالبت بمستحقاتها عند وزارة الصحة عن العام 2022. وكانت المستشفيات حذرت في بيان من التوقف عن استقبال مرضى السرطان وغاسلي الكلى على حساب وزارة الصحة، واتسعت الدائرة إلى حد توجيه الجمعيات المعنية بالأمراض المزمنة التهديد لبعض الوزراء بالاعتصام أمام بيوتهم. وصدر عن اجتماع الحكومة مرسومين متعلقين بهذا الشأن، وأقرّت تعديلات تتعلق بالأجور والمعاشات وغير ذلك.

زادت النبرة الطائفية في العهد العوني

وكان 9 وزراء من أصل (24) من المحسوبين على التيار الوطني الحرّ أعلنوا مقاطعة الجلسة قبل أنّ يتراجع وزير الصناعة جورج بوشكيان، ويحضر الجلسة بالمخالفة لقرار تكتله النيابي "تكتل لبنان القوي" برئاسة التيار. وينتمي بوشكيان إلى حزب الطاشناق الأرمني. والتأمت الجلسة بحضور 16 وزيراً، وتغيب 8 وزراء، بعد تأمين النصاب القانوني للانعقاد؛ ثلثي الأعضاء.

ويقول الكاتب والباحث السياسي، عاصم عبد الرحمن أنّ الدستور ينصّ على نقل صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الشغور الرئاسي إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، إلا أنه لم يحدد ما إذا كانت هذه الحكومة القائمة أصيلة أم مستقيلة تصرف الأعمال.

اعتبر التيار الوطني الحرّ أنّ عقد اجتماع مجلس الوزراء هو انتهاك للميثاقية والعيش المشترك وتعدي على مقام رئيس الجمهورية الذي هو من حقّ المسيحيين

وأضاف لـ"حفريات" بأنّ الموضوع أخذ منحى سياسياً على اعتبار أنها حكومة مستقيلة، تتعدى على صلاحيات الرئيس (المسيحي). وأوضح أنّ الحكومة المستقيلة لا يحق لها الاجتماع إلا في الحالات القصوى، وهنا الوضع الصحي المزري هو ما حتم اجتماع حكومة تصريف الأعمال بحضور ثلثي أعضائها زائد واحد حتى.

من جانبه، صرح منسّق النشاطات في جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوّات اللبنانية، ماريو ملكون، أنّ الموقف الذي اتخذته القوات من الدعوة إلى جلسة لحكومة تصريف الأعمال يرتكز على أحكام الدستور والقانون، ويتماهى مع قرار الهيئة العامة للمجلس النيابي التي ناقشت رسالة الرئيس السابق ميشال عون في في الثالث من الشهر الماضي بشأن قبول استقالة الحكومة.

وأفاد لـ"حفريات" بأنّه لا يمكن للحكومة أن تنتقل إلى سلطة نافذة ولا أن تجتمع إلّا بحالات استثنائيّة صرفة وضمن ضوابط ضيّقة بجدول أعمال محدّد ببند أو بندين طارئين؛ كوقوع حرب أو كارثة صحيّة وما شابه، ومن هنا كان اقتراح المراسيم الجوّالة لإقرار أقصى الضرورة حصراً لحين استعادة الانتظام المؤسساتي.

انتهاك الميثاقية

يرى جمهور غير قليل من المواطنين المسيحيين أنّ جلسة الحكومة تعدي على مكانة رئيس الجمهورية، وهي الرؤية نفسها التي تبناها قطاع واسع من المواطنين السنّة، الذين رأوا تعدياً كبيراً على مكانة رئاسة الحكومة السنّية، خصوصاً في عهد الرئيس السابق ميشال عون. بحسب مراقبين كان ميشال عون هو من أعلن هذه الرؤية بين المسيحيين عقب الدعوة لانعقاد الحكومة قبل عدة أيام، ثمّ تابعه قطاع غير قليل من المسيحيين.

ووقع عون مرسوم قبول استقالة حكومة نجيب ميقاتي في اليوم الآخير له في قصر بعبدا في 30 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

ماريو ملكون: أولويّة انتخاب الرئيس

ويقول البند (3) في المادة (69) "عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة یصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة". في حين تقول مادته رقم (75) بشأن خلو منصب الرئاسة "إنّ المجلس (النواب) الملتئم لانتخاب رئیس الجمهوریة یعتبر هیئة انتخابیه لا هیئة اشتراعیة ویترتب علیه الشروع حالاً في انتخاب رئیس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر".

وفي مادة أخرى ينصّ على حلّ الحكومة حال انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما يعني أنّ الخيار أمام العونيين هو المطالبة بأن تنال الحكومة ثقتها من البرلمان، وهو الأمر غير المطروح، أو الذهاب نحو انتخاب الرئيس دون تعطيل لتلافي قضايا خلافية كهذه، كما يطالب البطريرك الماروني وقطاع واسع من المسيحيين.

وكانت كتلة "الجمهورية القوية" التي تضم نواب حزب القوات اللبنانية وحلفائه، التقت مع نواب كتلة "لبنان القوي" التي تضم نواب التيار الوطني وحلفائه على رفض عقد جلسة لمجلس الوزراء، مفضلتين بلسان النائبين فادي كرم وجورج عقيص اعتماد طريقة "المراسيم الجوالة" التي تغني عن اجتماع مجلس الوزراء غير الضروري من وجهة نظرهما.

الحزبي اللبناني ماريو ملكون لـ"حفريات": المعضلة دستورية ترتبط بالنّظرة للدولة والعمل المؤسّساتي وليست طائفيّة كما يحلو للبعض أن يُسوّق كلّما حُشر داخلياً

وبشأن موقف القوات الذي التقى مع التيار الوطني، قال ماريو ملكون، إنّه من غير الجائز مقاربة موقف القوات اللبنانية والوطني الحر حول اجتماع الحكومة من منطلق واحد. وشدد على أنّ موقف القوات يرتكز على أحكام الدستور في كلّ الملفات دون انتقائيّة، فتلتزم المعايير والموجبات وتحترم أولويّة انتخاب الرئيس، بينما يقوم التيار بادّعاء حرصه على موقع الرئاسة الأولى على أعتاب السراي الحكومي، مغلّفاً صراعه على السلطة وتسجيله للنقاط على حلفائه بشمّاعة الحقوق المسيحية.

وتابع منسّق النشاطات في جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات، أنّ التيار يتناسى ذلك عند حضوره لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية، فيُمعِن مع حلفائه أنفسهم بإطالة أمد الشّغور عبر التّصويت بورقة بيضاء وتعطيل الجلسات بالانسحاب الممنهج والمنظّم بينهما، وعليه فإنّ المعضلة دستورية ترتبط بالنّظرة للدولة والعمل المؤسّساتي، وليست طائفيّة كما يحلو للبعض أن يُسوّق كلّما حُشر داخلياً.

غير أنّ البطريرك الماروني بشارة الراعي قطع الطريق على استغلال العونيين لشماعة الطائفية، وأعلن في عظة الأحد قبل الماضي غداة اجتماع الحكومة، أنّ "حكومة تصريف الأعمال هي حكومة تصريف أعمال الناس لا حكومة جدول أعمال الأحزاب والكتل السياسية"، متمنيا على رئيسها نجيب ميقاتي أن يصوب الأمور.

ولم يكن الراعي بعيداً عن المخاوف الميثاقية، وقال "الاستخفاف في انتخاب رئيس للدولة يضع الحكومة ورئيسها بين سندان حاجات المواطنين ومطرقة نواهي الدستور".

عاصم عبد الرحمن: هدف في مرمى جبران باسيل

وحول الميثاقية التي تقوم على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في البلاد، قال الكاتب اللبناني، عاصم عبد الرحمن، بأنّ الوزراء المسيحيين من تيار المردة وحزب الطاشناق أمنوا هذه الميثاقية حتى أنّ وزير ماروني محسوب على باسيل شارك في الجلسة.

من زاوية أخرى كثيراً ما اشتكى السنّة من الإخلال بالميثاقية وعدم احترام مكانة رئيس الحكومة، في المرات التي جرى فيها تشكيل حكومة دون موافقة القوى السنّية الأساسية، فضلاً عن الصراع على تشكيل الحكومات في العهد العوني.

صفعة لباسيل

وكتب الصحفي اللبناني، طوني بولس عبر "تويتر" أنّ خلاصة انعقاد الجلسة في ظل تصريف الأعمال، كشفت أنّ حزب الله يستخدم التيار العوني لمصالحه في حين لا يجاري الأخير في مصالحه، وأنّ مشاركة وزير الطاشناق يكشف عدم انضواء الأرمن ضمن التكتل العوني وذلك خلافاً لما يدعيه باسيل، فضلاً عن أنّ ميقاتي أعطى الثلث المعطل للعونيين لدى تشكيل الحكومة.

وكان حزب الله من أشد الداعمين لعقد جلسة الحكومة في ظل خلافه مع جبران باسيل بسبب رفضه دعم مرشح الحزب، سليمان فرنجية.

ويستمر التيار العوني مع حلفائه وأبرزهم الثنائي الشيعي في تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، بسبب الخلاف بين جبران وحزب الله؛ حيث يريد الأول الترشح للمنصب بينما يلتزم الحزب بوعده لسليمان فرنجية. وفي الصف المسيحي يدعم حزب القوات بقوة مرشحه السيادي ميشال معوض، والذي نال أكبر عدد أصوات بنحو 44 صوتاً.

ويرى عبد الرحمن، أنّ الرئيس ميقاتي استطاع تسجيل هدف في مرمى جبران باسيل، الذي اعتقد أنّ حليفه اللصيق حزب الله سيسانده في مقاطعة جلسة الحكومة. وأضاف "حزب الله ضاق ذرعاً بضغوطات باسيل، خاصة أنه يقف سداً منيعاً في وجه انتخاب حليف المقاومة زعيم تيار المردة سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية".

والمثير أنّ التيار الوطني الحرّ يصطف مع حزب الله في تبني تفسير للنصاب القانوني لعقد جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، يختلف مع ما تتبناه قوى مسيحية مثل القوات والكتائب، وحتى البطريرك الراعي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية