مَن يسيطر على منابر المساجد في مصر؟

مصر

مَن يسيطر على منابر المساجد في مصر؟


24/10/2018

تحتل المساجد مكانة عالية في الإسلام وفي وجدان المسلمين، الذين تحتم عليهم عقيدتهم تقديس "بيوت الله" وتقديم الاحترام لها كمبنى ومعنى؛ وفيها يتم اجتماعهم الأسبوعي يوم الجمعة، وعلى منابرها يتم تلقين المسلمين أصول دينهم وتاريخ سلفهم الصالح، وفي مصر، التي تشتهر بأنّها أكثر الدول العربية بناءً للمساجد؛ إذ أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في تقريره لعام 2016 أنّ عددها 102184 مسجداً، فيما بلغ عدد الزوايا 30623.

وبحسب الفقه الإسلامي فإنّ ثمة فوارق جلية بين الزاوية والمسجد؛ إذ إنّ أرض الزوايا ليست وقفاً، بل جزء مستقطع من مبنى، والغالب أنّها لا تقام فيها الصلوات الخمس كلها، وهي لا تأخذ حكم المسجد من حيث حرمة مكث الحائض والجنب فيها، وصلاة ركعتين عند الدخول.

مسجد "عمرو بن العاص" وهو من أقدم المساجد فى مصر

إشكاليات كثرة المساجد

تعد كثرة المساجد مطلباً مهماً، لكن تبدأ المشكلة عندما توضع بيوت الله في أيدٍ غير أمينة تستخدمها أحياناً معاقل لترويج التطرف والعنف، كما فعلت الجماعات المتشددة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي.

مع الاصطدام بمشروع الإسلامويين بعد العام 2013 ظهرت الحاجة لبسط نفوذ الدولة على المساجد

إنّ عدم سيطرة الدولة ممثّلة في وزارة الأوقاف على المساجد جعل من السهل لأعضاء التيارات الإسلاموية بتنوعاتها المختلفة اختطاف هذا الدور واعتلاء منابرها لبثّ أفكارهم في روادها، ويكشف حجم خريطة توزيع المساجد في مصر إلى حد كبير أسباب غياب الدولة عنها في العقود الماضية؛ فقد جاءت محافظة الشرقية في المركز الأول من حيث ارتفاع عدد المساجد والزوايا فيها؛ إذ يوجد بالشرقية 15 ألفاً و748 مسجداً وزاوية بنسبة 11.9% من إجمالي عدد المساجد والزوايا بالجمهورية، يليها في المركز الثاني، محافظة البحيرة بـ12 ألفا و45 مسجداً وزاوية بنسبة 9.1% من جملة المساجد والزوايا بالدولة.

إنّ تصدُّر محافظتي الشرقية والبحيرة له دلالاته المهمة، فهما من محافظات دلتا مصر التي جل سكانها من الريفيين والقبائل العربية، ومن أبرز معاقل التيارات الإسلاموية المتشددة؛ فيكون عندئذ للأرقام معنى آخر في ظل ضعف إمكانيات وزارة الأوقاف، ما يجعل هذه المساجد عرضة لسيطرة هذه الجماعات.

اقرأ أيضاً: لماذا خفتت روحانية المسجد وغُيّب دوره الإصلاحي؟

أما ثالث أكثر محافظة في عدد المساجد والزوايا فهي سوهاج في صعيد مصر التي تحتضن 8015 مسجداً وقرابة 700 زاوية، في حين تضم محافظة القاهرة 6 آلاف و327 مسجداً وزاوية، منها 3100 مسجد، بنسبة 4.8% من جملة المساجد والزوايا بالجمهورية، في حين يوجد في محافظة بورسعيد 423 مسجداً وزاوية فقط لتكون بذلك أقل المحافظات في هذه الإحصائية.

فوضى في التنظيم

ثمة فوضى كبيرة في تنظيم دور العبادة للمسلمين، تمثل الثغرة التي ينفذ منها من يريد السيطرة على المسجد ومن ثم على خطابه الديني؛ فالمسجد يحتاج إلى مؤذّن وعمال نظافة، وإمام يؤم المصلين في الصلوات الخمس اليومية، فضلاً عن خطيب يخطب في المسلمين يوم الجمعة، وكثيراً ما يتم إنشاء المسجد أو الزاوية وترك هذه المهامّ للمتطوعين من رواد المسجد الذين في الغالب هم من كبار السن، ويصبح القيام بالخطبة عبئاً على المصلين، وهنا يتسلل أبناء أي تيار من القريبين من المسجد لتوفير العجز في عمال المسجد أو المؤذنين أو الخطباء، وغالباً ما يرحب أعضاء مجلس إدارة المسجد بهؤلاء المتطوعين إذا كانوا من حفظة القرآن وأصحاب قدرة على الخطابة، ورويداً رويداً يسيطرون على المسجد تماماً.

 

 

ومعلوم أنّ من يسيطر على المسجد يسيطر على المنبر، ومن يسيطر على المنبر يحصل على حق وعظ الناس وإرشادهم، فالإمام أو الخطيب له مكانة خاصة في وجدان المسلمين، وبه يقتدون، خاصة إذا كان من الراسخين في العلم.

وفق إحصائية العام 2016 تحتضن مصر 102184 مسجداً فيما بلغ عدد الزوايا 30623

لا يقتصر دور الإمام على الصلاة والخطبة، فغالباً ما يلجأ إليه الناس للفتوى، ويمكن أن يغدو حكماً في الخلافات الناشبة بين أهل الحي، وأحياناً في الأسرة الواحدة، وكثيراً ما يحكم هؤلاء على فعل ما أنه مباح لأنّ الشيخ الفلاني يقوم به أو أنه أقره في سؤال سابق وُجّه إليه..

إذن فالإمام والخطيب يستمد وجاهته من وجاهة المسجد ومن صعوده على المنبر نائباً عن رسول الله في الناس، فيحق له تقديم فكره على أنّه هو الفكر الصحيح.

اختطاف دور المساجد

بالسيطرة على أعمال المسجد والمنبر وأعضاء مجالس إدارته المساجد يمكن أن تتحول المساجد من القيام بدورها في خدمة المسلمين جميعاً إلى صالح الفريق الذي سيطر عليه، بجعله نقطة ارتكاز لمشروعه الفكري ومنه يتم انطلاق دعوته، ويستوي في هذا الجمعيات الإسلامية للطرق الصوفية.

يستمد الإمام والخطيب وجاهته من وجاهة المسجد وصعوده على المنبر

خلال العقدين الماضيين دارت صراعات مكتومة بين وزارة الأوقاف والتيار الإسلامي من أجل السيطرة على المساجد، انهزمت فيها الجهة الرسمية المعنية بالمساجد ممثلة بوزارة الأوقاف، بحكم أنّها لم تتمكن من توفير الخطباء والأئمة والمدرسين لكل المساجد، واكتفت بإعطاء تراخيص لمن توفرت فيهم شروط الخطابة، وأغلبهم من أبناء التيارات الإسلاموية.

لكن مع صدام المجتمع بأجهزته مع مشروع الإسلامويين بعد العام 2013، ظهر جليّاً أنّ الدولة في حاجة إلى بسط نفوذها على المساجد، بعد أن تحول كثير منها إلى أوكار لتربية منتمين لهذه التنظيمات التي أخرجت المساجد عن مقتضى دورها الوظيفي في المجتمع.

الإمكانيات المالية المحدودة لوزارة الأوقاف تعيق سد العجز الشديد في ملء مكان الإسلامويين

بدأت وزارة الأوقاف بضم كل المساجد إليها، ومن المهم أن نذكر أنّ كثيراً من بناة المساجد كان يعانون الأمرّين إذا أرادوا ضم مسجد إلى الأوقاف، فلم تكن موارد الدولة متوفرة لأن ذلك يعني أنّ من حق بناة المسجد الحصول على ثلاثة موظفين من وزارة الأوقاف على اسم المسجد.

حالياً بعد قرار الوزير بضم المساجد تم إلغاء شرط إلحاق عاملي المسجد بالوزارة، مما سهّل كثيراً عمليات الضم، كما قامت "الأوقاف" بتنظيم مجالس إدارات المساجد بإصدار القرار 64 للعام 2014 الذي حدد المهام لأعضاء مجلس الإدارة ودورهم في جمع التبرعات وطرق تحصيلها والإيصالات اللازمة لذلك، وطرق اختيارهم والشروط الواجب توفرها في عضو مجلس الإدارة.

اقرأ أيضاً: المساجد: ساحة صراع بين الناس والدولة.. الأردن نموذجاً

كما صدر قرار لتنظيم عمل الإمامة وقرار لتنظيم الخطباء بالمكافأة، وتحديد شروط جديدة لضمان الموافقة والحصول على تصريح بالخطابة، ثم قررت الوزارة توحيد خطبة الجمعة العام 2016 ضمن قرار يُعنى بشؤون القواعد المنظمة لأداء خطبة الجمعة بالمساجد والزوايا الخاضعة لإشراف وزارة الأوقاف، وتضمن تشكيل لجنة قوامها عشرة أعضاء، تضم كافة تخصصات العلوم الشرعية وبعض المتخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع، تكون مهمتها وضع خطة سنوية لخطب الجمع واختيار وإعداد خطبة الجمعة الموحدة.

نظمت الأوقاف مجالس إدارات المساجد وقامت بتحديد مهام الأعضاء

وعلى الرغم من الجهود الكبيرة لاسترداد المساجد لصالح الوزارة، فإن الإمكانيات المالية لا تتيح سد العجز الشديد في ملء مكان الإسلامويين في المساجد التي تم ضمّها، فما يزال خطباء الأوقاف أقل عدداً، ولا يمكن أن يشغلوا كل منابر المساجد، كما أنّهم تقليديون يفتقدون للتدريب على الخطابة المبهرة التي تشد المصلين كما يفعل خطباء الجماعات الإسلاموية الكامنون دوماً في انتظار لحظة الانقضاض مرة أخرى.

الصفحة الرئيسية