مَن الأشد تهديداً لأمريكا: المتطرفون المسيحيّون أم داعش؟

مَن الأشد تهديداً لأمريكا: المتطرفون المسيحيّون أم داعش؟


28/03/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

في مقطع فيديو، نُشر على موقع يوتيوب، يوم 8 كانون الثّاني (يناير)، استذكر جوشوا ماثيو بلاك، أحد سُكّان ألاباما، دخوله غير القانونيّ إلى مبنى الكابيتول الأمريكيّ، وكان بلاك، إلى جانب مئات آخرين من أنصار ترامب، قد اقتحم مبنى الكابيتول بعنفٍ، احتجاجاً على انتخاباتٍ رئاسيّةٍ اعتقدَ أنّ الدّيمقراطيّين قد سرقوها، وقبيل ساعات من استسلامه لمكتب التّحقيقات الفيدراليّ، سجّل بلاك اعترافاً، أوضح فيه ما يلي: "أردتّ الدّخول إلى (مبنى الكابيتول) حتّى أتمكّن من الاحتجاج عليه بدم يسوع... شعرت أنّ روح الإله أرادت منّي الذّهاب إلى غرفة مجلس الشّيوخ".

اقرأ أيضاً: خبير فرنسي يتوقع عودة داعش للعراق

لا ينبغي أن يكون اقتحام بلاك لمبنى الكابيتول، اعتقاداً منه أنّه كان ينفّذ إرادة الإله، مفاجئاً لأيّ شخص تابع العلاقة المقلقة بين المسيحيّين الإنجيليّين البيض ونظريّات المؤامرة على مدى الأعوام الأربعة الماضية، وكانت مجلّة كريستيانتي توداي قد لفتت الانتباه، في صيف عام 2020، إلى التّلازم بين الإنجيليّين والإيمان القويّ بنظريّات المؤامرة، كما أظهرت أبحاثٌ أنّ نصف الأمريكيّين، بغضّ النّظر عن الدّين، يؤمنون بنظريّة مؤامرة واحدة على الأقلّ. ومع ذلك؛ فإنّ المتديّنين مُعرّضون بشكلٍ خاصٍّ لنظريّات المؤامرة بسبب إيمانهم بما هو خارق للطّبيعة وتأييدهم لوجهة نظرٍ للعالم قائمة على تعارض الخير مع الشّرّ.

في الأسابيع والأشهر الّتي أعقبت الانتخابات الرّئاسية، لعام 2020، شعر قساوسةٌ في كافّة أنحاء البلاد بالقلق من إدماج أعضاء طوائفهم بسرعةٍ نظريّات مؤامرة في وجهات نظرهم العالميّة، واستخدام وسائل التّواصل الاجتماعيّ لمشاركة الفيلم الوثائقيّ المفضوح "بلاندميك" (الذي يروّج لمعلومات خاطئة حول "كوفيد 19")، وزرع عدم الثّقة نحو وسائل الإعلام التّقليديّة، والتّرويج لنظريّات "كيو آنون" التّآمريّة، والإشادة بالرّئيس الأمريكيّ السّابق، دونالد ترامب، باعتباره قائد قوّة سرّيّة تعمل على تدمير عصابات الاتّجار بالجنس، التي تديرها النّخب العالميّة، ووجدت لايفوي ريسرش، وهي منظّمة تجري مسوحات نيابةً عن كنيسة المؤتمر المعمدانيّ الجنوبيّ، في كانون الثّاني (يناير)، أنّ 49% من القساوسة كثيراً ما سمعوا نظريّات مؤامرة من أعضاء كنيستهم.

نتائج مكتب التّحقيقات الفيدراليّ وعلماء الاجتماع تثبت أنّ الإرهاب المحلّي، يُشكّل تهديداً أكبر من الأعمال التي يقوم بها متطرّفون إسلامويّون مثل القاعدة أو داعش

إنّ المسيحيّين الإنجيليّين ليسوا كتلةً متراصّة؛ فبشكلٍ عامّ، يمثّلون مجموعةً واسعةً من وجهات النّظر الاجتماعيّة والسّياسيّة، إضافة إلى مجموعةٍ من المحدّدات الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وعبر الطّوائف؛ تمتلئ الكنائس بالنّقاش حول كيفيّة استجابة المسيحيّين لقضايا مثل الإجهاض وحقوق مجتمع الميم والهجرة.

وبشكلٍ جماعيّ، يمثّل المسيحيّون في كافّة أنحاء البلاد مجموعةً متنوعةً من الأشخاص الذين يؤيّدون مجموعةً متنوّعةً من المعتقدات، ومع ذلك، لا يمكن إنكار أنّ الإنجيليّين البيض المحافظين قد فضّلوا ترامب بأغلبيّةٍ ساحقةٍ في انتخابات 2020.

لقد تعزّز الدّعم الإنجيليّ لترامب طوال فترة رئاسته، وما يقرب من 50 في المئة من البروتستانت البيض، الذين حضروا الكنيسة مرّةً واحدةً، أو أكثر من مرة في الأسبوع، اعتقدوا أيضاً أنّ ترامب مُختار من قِبل الله، وطوال حملته لعام 2020، واصل ترامب استمالة الإنجيليّين من خلال مهاجمة إيمان بايدن، مدّعياً في لحظةٍ ما أنّه إذا تمّ انتخاب بايدن رئيساً "فلن يكون ثمّة إله".

اقرأ أيضاً: لماذا يكره داعش الصوفية ويفجر أضرحتهم؟

وخلال الأعوام الأربعة التي قضاها في منصبه، أيّد ترامب سياسات لاقت صدىً لدى العديد من المسيحيّين الإنجيليّين البيض، لا سيما دعمه للحركة المؤيّدة للحياة (المعادية للحقّ في الإجهاض)، وتعيين قضاة محافظين، واستمرّ الدّعم الإنجيليّ الأبيض لترامب، رغم افتقار الرّئيس السّابق لأيّ إيمانٍ ورع.

 لقد أعلن المسيحيّون ولاءهم الشّديد للرّئيس، حتّى أنّ رجال دين بارزين، مثل: روبرت جيفريس، وفرانكلين غراهام، وبات روبرتسون، وجيري فالويل جونيور، أعلنوا أنّه الشّخص الذي اختاره الله.

"كيو آنون": أحدث نسخ التطرّف اليمينيّ

رغم أنّ نظريّات "كيو آنون" التآمريّة ليست فريدةً من نوعها بالنّسبة إلى المسيحيّة؛ فإنّ المسيحيّين الإنجيلييّن تبنّوا ادّعاءاتها الوهميّة بحماسٍ غير عاديّ، في الأيّام التي أحاطت بحصار الكابيتول، نشرت شخصيّات بارزة في "كيو آنون" عشرات الآيات من الكتاب المقدّس لدعم قضيّتهم على موقعَي تويتر وبارلر، وظهر الجنرال العسكريّ السّابق، مايكل فلين، الذي أقرّ بالذّنب مرّتين بالإدلاء بتصريحاتٍ كاذبةٍ لمكتب التّحقيقات الفيدراليّ أثناء تحقيق مولر، ليتمّ العفو عنه لاحقاً من قِبل ترامب، كواحد من أقوى مؤيّدي ترامب، ومن أبرز مؤيّدي نظريّات "كيو آنون".

وفي 10 كانون الثّاني (يناير)؛ نشر رابطاً على "بارلر" يصوّر ترامب على أنّه المسيح.

ومنذ بداية الجائحة، انتشر بقوّة استخدام وسائل التّواصل الاجتماعيّ بين الأمريكيّين، ومن آذار (مارس) إلى حزيران (يونيو) 2020، نمت مشاركات "كيو آنون" بنسبة 175 في المئة على فيسبوك، و77.1 في المئة على إنستغرام، و63.7 في المئة على تويتر، ووراء هذه الأرقام يأتي الواقع الصّعب المتمثّل في انحدار عدد كبير من المسيحيّين الإنجيليّين، عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ، إلى أعماق نظريّات "كيو آنون" التّآمرية.

تبدو هذه الظّاهرة، حتّى الآن، فريدةً من نوعها بالنّسبة إلى المسيحيّين الإنجيليّين البيض، وتتشرّب خرافات "كيو آنون" الخطاب المعادي للمسلمين والمعادي للسّاميّة، وتتشبّع نظريّات "كيو آنون" بالادّعاءات القائلة إنّ قوانين ارتداء الأقنعة (خلال الجائحة) هي جزء من مؤامرة طويلة من قِبل المسلمين لفرض الشّريعة الإسلاميّة داخل الولايات المتّحدة، وإنّ عصابات سرّية من عبيد الجنس الأطفال يتمّ تمويلها من جانب المستثمر اليهوديّ جورج سوروس.

يجب أن يواجه أيّ برنامج طويل الأمد ومستدام لنزع الرّدكلة في الولايات المتّحدة بيئة التّهديد الجديدة، التي تضمّ أعداداً كبيرةً من القوميّين البيض المسلّحين

قبل عام واحد، مع احتدام "كوفيد 19"، قامت الكنائس في كافّة أنحاء البلاد بتقييد أو إلغاء الاجتماعات الحيّة، وأدّى غياب التّفاعل البشريّ هذا إلى دفع رواد الكنائس المتعطّشين للاتّصال عبر الإنترنت، ووفّر لهم وقتاً كافياً للقراءة عن نظريّات "كيو آنون" على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وقدّمت غرف الصّدى لشبكات "كيو آنون" عبر الإنترنت ملاذاً آمناً للمسيحيّين الذين يحاولون يائسين فهم العالم في هذه الأوقات المضطّربة.

وتضمّنت نظريّات "كيون آنون"، في كثيرٍ من الحالات، مقتطفات من الكتاب المقدّس، و، في الواقع، كانت قراءة النّبوءات عبر الإنترنت أسهل من محاولة فهم العالم وحده.

وعانت المجتمعات المسيحيّة من أضرار بالغة من الانقسامات بين المؤمنين بسبب نظريّات "كيون آنون"، وظهرت مجموعات دعم عبر الإنترنت في الأشهر الأخيرة لتقديم الدّعم لأعضاء "عائلة كيو آنون".

صراع داخل كلّ عائلة مسيحيّة

وفي مقال رأي نُشر حديثاً، لاحظ ديفيد بروكس، وهو كاتب عمود في صحيفة "نيويورك تايمز"، بجدارةٍ؛ أنّ "هناك صراع داخل كلّ عائلة (مسيحيّة)، داخل كلّ رعيّة، وقد يستغرق التّعافي أجيالاً".

وليست نظريّات "كيو آنون" التآمريّة سوى أحدث تكرار لتقليدٍ طويلٍ من التّطرّف اليمينيّ المتجذّر في الاستعلاء الأبيض ومعاداة السّاميّة.

لقد حطّ المسيحيّون من شأن اليهود منذ العصور الوسطى، واصفين إيّاهم بأنّهم الـ "عدوّ التآمريّ الأبديّ للإيمان المسيحيّ"، وقام منتدى "جاست سكيوريتي"، عبر الإنترنت، بتتبّع الأفكار التي تنتشر على مواقع "كيو آنون" وصولاً إلى النّازيّة، وتُصدر جماعة "كو كلوكس كلان"، منذ أكثر من 100 عام، مزيجاً من القوميّة البروتستانتيّة البيضاء وكراهية الأجانب، ومن المحتمل أن يكون معظم الإنجيليّين الذين يروّجون لنظريّات المؤامرة السّياسيّة، غير مدركين لأصولها المتطرّفة، بينما يعتنق آخرون بشكلٍ واضحٍ الجوانبَ الأكثر فظاعة في الحركة.

اقرأ أيضاً: داعش ضعيف لكنه لم ينكسر

وهكذا، شاهد رجال الدّين في رعبٍ انحدار الرعيّة نحو التطرّف اليمينيّ خلال العام الماضي، وتساءل كثيرون منهم عن أفضل السّبل للمساعدة.

تحدّثت بيث مور، وهي مؤلّفة بارزة لدراساتٍ حول الكتاب المقدّس ومتحدّثة في المؤتمر المعمدانيّ الجنوبيّ، بشكلٍ واضحٍ ضدّ صعود نظريّات المؤامرة بين المسيحيّين، وفي كانون الأوّل (ديسمبر) 2020، نشرت على تويتر: "لم أر قطّ أيّ شيء في الولايات المتّحدة الأمريكيّة أكثر إغراءً وخطورةً لقدّيسي الإله من التّرامبيّة، هذه القوميّة المسيحيّة ليست من عند الإله، ارجعوا عنها".

وفي 5 آذار (مارس)؛ أعلنت مور أنّها لم تَعد تعرّف نفسها ضمن المؤتمر المعمدانيّ الجنوبيّ، موضّحة: "إنّني أحبّ الكثير من المعمدانيّين الجنوبيّين، والكثير من الكنائس المعمدانيّة الجنوبيّة، لكنّني لا أتّفق مع بعض الأشياء الموجودة في تراثنا، والتي لم تعد جزءاً من الماضي".

ومع ذلك، لم يغيّر أيّ شيء السرديّة فيما يتعلّق بالإنجيليّين و"كيو آنون" بقدر تمرّد الكابيتول، لم يعد يُنظر إلى "كيو آنون" على أنّها إيمان هامشيّ بين الإنجيليّين البيض؛ بل الأساس لتطرّفٍ مسيحيٍّ عنيفٍ منبثقٍ حديثاً، وقد اعترفت إليزابيث نيومان، وهي مسؤولة سابقة في وزارة الأمن الدّاخليّ، بتهديد الأمن القوميّ الذي يشكله أولئك الذين تحرّكهم بعنفٍ نظريّات "كيو آنون" التّآمريّة.

اقرأ أيضاً: الإخوان وداعش.. أيهما أخطر على أوروبا؟

وفي عام 2019؛ صنّف مكتب التّحقيقات الفيدراليّ "كيو آنون" "تهديداً إرهابيّاً محلّيّاً" استناداً إلى قدرتها على التّحريض على العنف المتطرّف، وفي 2 آذار (مارس)؛ شَهِد مدير مكتب التّحقيقات الفيدراليّ، كريستوفر وراي، أمام الكونغرس؛ أنّ تهديد الإرهاب المحليّ داخل الولايات المتّحدة "ينتشر"، وبعد أيّام، أصدر مكتب مدير المخابرات الوطنيّة تقريراً خَلُص إلى أنّ المتطرّفين العنيفين المحلّيّين يُشكّلون تهديداً متزايداً للوطن الأمريكيّ.

ومع انتشار نظريّات "كيو آنون" التآمريّة داخل المجتمعات المسيحيّة الإنجيليّة البيضاء، من الضّروريّ أن تُفكّر هذه المجتمعات الدّينيّة في كيفيّة تطهير نفسها من أيديولوجيا مرتبطة صراحةً بالإرهاب المحلّي المتطرّف، وعند القيام بذلك، يحين الوقت للمسيحيّين للنّظر في الدّروس المستفادة من الطّوائف الدينيّة الأخرى التي قاومت الأفكار المتطرّفة المزدهرة داخل الطّوائف الدّينية.

حلول مبتكرة لمعالجة التّطرف الدّاخلي

في الأعوام الأخيرة؛ جربت كلّ من الدّنمارك والمملكة المتّحدة والمملكة العربيّة السّعوديّة وسنغافورة أساليب مختلفة لمساعدة الأفراد في انتقالهم من التّطرّف، والذي كان، إلى حدٍّ كبيرٍ، تطرّفاً إسلامويّاً، وتتراوح هذه الإستراتيجيّات والأساليب الّتي لا تُعدّ ولا تُحصى بين الاستفادة من التّنمية المعرفيّة وإعادة الاندماج المجتمعيّ والإصلاح الأيديولوجيّ واستشارات الصّحّة العقليّة، على سبيل المثال لا الحصر، ومثلما سعت الحكومات إلى وقف انتشار التّطرف الإسلامويّ في العقدين الماضيين، تجب عليها الآن مواجهة صعود الأصوليّة المسيحيّة.

تُثبت النّتائج الّتي توصل إليها مكتب التّحقيقات الفيدراليّ وعلماء الاجتماع الآن وجهة النّظر القائلة؛ إنّ الإرهاب المحلّي، تحديداً أعمال العنف التي يرتكبها رجالٌ بيض، يُشكّل تهديداً أكبر من الأعمال التي يقوم بها متطرّفون إسلامويّون مثل القاعدة أو داعش، والهجوم الإرهابيّ الوحشيّ الذي شنّه قوميّ أبيض في نيوزيلندا، عام 2019، والذي أسفر عن مقتل 49 من المصلّين المسلمين، هو أحدث مثال على ذلك.

وفي الولايات المتّحدة؛ كان المثال الأكثر بروزاً هو حالة ملازم خفر السّواحل، كريستوفر هسون، الذي خزّن أسلحة على أمل استخدامها في النّهاية لتأسيس "وطن أبيض"، وإنشاء جدول بياناتٍ رقميٍّ يحدّد رئيسة مجلس النّواب نانسي بيلوسي، بالإضافة إلى ديمقراطيّين بارزين آخرين، ضمن أهدافه.

اقرأ أيضاً: هل تكون الفيروسات الفتاكة أسلحة مقاتلي داعش؟

يُثير كلّ هذا التّساؤل حول كيفيّة استجابة حكومة الولايات المتّحدة للتّهديد الذي يُشكّله الإرهابيّون في الدّاخل، وأولئك الذين ينجذبون إلى الأيديولوجيّات المتطرّفة، الّتي يمكن أن تؤدّي إلى الرّدكلة العنيفة.

لقد اعتمدت الولايات المتّحدة تاريخيّاً على إستراتيجيّات لمنع الرّدكلة لمحاربة التّطرّف الإسلامويّ، لكنّها نادراً ما قامت بتقييم، ناهيك عن الاستفادة من، المهارات الفريدة للأفراد الذين شاركوا في نشاطٍ متطرِّفٍ لنزع الرّاديكاليّة عن آخرين.

عوضاً عن ذلك؛ يختار المسؤولون مقاضاة هؤلاء الأفراد بسرعة، وإضافة إلى ذلك، تمثّل السّياسة الحزبيّة عقبةً هائلةً أمام تشكيل برامج منظّمة تنطوي على أفراد خرجوا من القوى الفاعلة، مثل تلك الّتي نشهدها في المملكة المتّحدة.

مكافحة الرّدكلة الإرهابيّة والتّجنيد

وفي تشرين الأوّل (أكتوبر) 2018؛ أصدرت إدارة ترامب إستراتيجيّتها الوطنيّة لمكافحة الإرهاب، مُظهِرةً تفاؤلاً حَذِراً فيما يتعلّق بآرائها بشأن إعادة التّأهيل. على وجه الخصوص، يُحدّد القسم المعنون "مكافحة الرّدكلة الإرهابيّة والتّجنيد" قائمة أولويّات الإدارة، لكنّ البيانات الآتية كانت الأكثر بروزاً: "إضفاء الطّابع المؤسسيّ على هيكليّة وقائيّة لإحباط الإرهاب"، و"مكافحة الأيديولوجيّات المتطرّفة العنيفة"، و"زيادة دور المجتمع في منع الإرهاب"، و"دعم جهود التّدخّل وإعادة الإدماج ومكافحة النّكوص"، ورغم أنّه قد يُنظَر إلى إدارة ترامب على أنّها تتصدّى للتّهديد الّذي تشكّله هذه الجماعات، فإنّ الإدارة السّابقة كانت أقلّ تشدّداً مع القوميّين البيض والمسيحيّين.

اقرأ أيضاً: هل ينبغي للعالم أن يتخلى عن "أطفال داعش"؟

يُعدّ اعتراف إدارة بايدن بأهميّة الوقاية وإعادة التّأهيل وإعادة الإدماج علامةً واعدةً على أنّ الولايات المتّحدة تتحرّك على الأقلّ في الاتجّاه الصّحيح، وقد عمل أحدنا في السّابق محلّلاً حكوميّاً ويعمل الآن خارج الحكومة، وهي خلفيّة تساعدنا على رؤية الحاجة إلى مناهج أكثر شموليّة، وهناك الآن فرصة فريدة لإعادة تكييف وتقديم حلول مبتكرة جديدة لمعالجة التّطرّف الداخليّ في ضوء بيئة التّهديد المتغيّرة.

في الوقت الحالي؛ لا يوجد برنامج موحّد وشامل لنزع الرّدكلة، لكن هناك منظّمات انخرطت في هذه القضيّة، وتتيح منظّمات، مثل "فري راديكالز"، و"تيك تشارج"، فرصاً للأفراد داخل وخارج التّطرّف وتساعد في تحويل الأفراد عن أعمال العنف والمخدرات والعصابات.

وتُظهِر مبادرات، مثل "مبادرة المسلمين الأمريكيّين ضدّ الإرهاب والتّطرّف"، بقيادة مسجد محمّد، أهميّة الحوار بين رجال الدّين والأديان لمكافحة التطرّف، وكلّ ذلك سيكون مفيداً في مواجهة التطرّف الداخليّ.

اقرأ أيضاً: لماذا تعامل "داعش" و"القاعدة" بانتهازية مع جائحة كورونا؟

وفي الوقت الّذي تسعى فيه حكومة الولايات المتّحدة إلى التوصّل إلى أفضل نهجٍ لبرامج مكافحة التطرّف، يجب على المسؤولين التعلّم من الجهود التي تعمل حالياً بالفعل، والتي تتمركز أساساً في المدن، لكن يمكن تطبيقها على المجتمعات الريفيّة أيضاً.

يجب أن يواجه أيّ برنامج طويل الأمد ومستدام لنزع الرّدكلة في الولايات المتّحدة بيئة التّهديد الجديدة، التي تضمّ أعداداً كبيرةً من القوميّين البيض المسلّحين، ويجب أن يعتمد المسؤولون على خبرة مجموعات المجتمع المدنيّ وكذلك المجتمعات الدينيّة والحكوميّة والعلمانيّة، على حدٍّ سواء، وكما كانت الحال مع الأئمّة والفنّانين والموجّهِين والأخصائيّين الاجتماعيّين والمؤثّرين، الذين ساعدوا في مكافحة التّطرف الإسلامويّ، محلياً وعالميّاً، يحتاج المسؤولون الأمريكيّون إلى البناء على هذا النّموذج لمساعدة المجتمعات المسيحيّة ونزع الراديكاليّة عن مؤيّدي "كيو آنون" التّآمريّين الذين يستخدمون تقنيّات تجنيد مماثلة مع عواقب يحتمل أن تكون مميتة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ميليسا غريفز - محمّد فريزر رحيم، فورين بوليسي، 23 آذار (مارس) 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية