"ميلاد" غزة يتكلل بالسواد... إسرائيل تحرم المسيحيين فرحة العيد

"ميلاد" غزة يتكلل بالسواد... إسرائيل تحرم المسيحيين فرحة العيد

"ميلاد" غزة يتكلل بالسواد... إسرائيل تحرم المسيحيين فرحة العيد


24/12/2023

غيّر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والاقتحامات والمداهمات والاعتقالات التي تنفذها قوات الاحتلال منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في مدن الضفة الغربية، مشهد أعياد ميلاد هذا العام، خاصة في مدينة بيت لحم مهد السيد المسيح، التي لم تشهد أيّ مظهر من مظاهر أعياد الميلاد المتعارف عليها من أضواء وزينة وتدفق الحشود للصلاة، وتوافد الآلاف من السياح.

وحداداً على شهداء قطاع غزة، لن يحتفل الفلسطينيون المسيحيون بأعياد الميلاد هذا العام، وستقتصر شعائر الأعياد على الصلوات، التي لن تكون مُيسّرة هي الأخرى تماماً، وتحديداً في مدينة القدس المحتلة، إذ حوّلت إسرائيل المدينة إلى ثكنة عسكرية على مدار العام، وتنشر حالياً حواجزها وعناصر شرطتها في كل الأزقة والشوارع والميادين.

ولم يكتفِ المسيحيون بإلغاء الاحتفالات بالأعياد، بل وجّهوا في خلال الأسابيع الماضية مراسلات إلى جميع المرجعيات الدينية والحقوقية في العالم بضرورة العمل على وقف هذه الحرب على قطاع غزة، وكان من أبرزها توجّه وفد من كنائس بيت لحم في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إلى واشنطن لتسليم الرئيس الأمريكي جو بايدن رسالة تدعوه إلى إنهاء العدوان على غزة. 

وحول ذلك، قال "رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس" عطا الله حنا، في حديث إلى صحيفة (الأخبار): إنّ "ما يتعرّض له المسيحيون هو ذاته الذي يتعرض له كل الشعب الفلسطيني الذي يعاني الاحتلال والاستهداف والقمع والظلم، فالاحتلال لا يميز بين مسيحي ومسلم". 

حداداً على شهداء قطاع غزة لن يحتفل الفلسطينيون المسيحيون بأعياد الميلاد هذا العام، وستقتصر شعائر الأعياد على الصلوات

وأشار حنا إلى أنّ أعداد المسيحيين في فلسطين في "تراجع دراماتيكي بسبب إجراءات الاحتلال والظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، ونسبتهم لا تتجاوز 1%، مؤكداً أنّ "المسيحيين الباقين رغم الآلام والسياسات الاحتلالية الطاردة متمسّكون بانتمائهم إلى فلسطين وإيمانهم ورسالتهم من الأرض المقدسة"، مضيفاً أنّ "هذه العنصرية لن تؤثر علينا وعلى صمودنا، هم يسعون لمضايقتنا، لكننا باقون وجذورنا عميقة في تربة الأرض، ولن يتمكن أحد من اقتلاعنا".

وحول أوضاع المسيحيين في غزة يقول حنا: إنّ "نزيف غزة هو نزيفنا، وآلام غزة هي آلامنا، إذ كلنا مستهدفون في غزة والضفة والقدس، وما يجري ليس حرباً ضد مدينة أو فصيل، وإنّما يستهدف كل الشعب الفلسطيني بكل مكوّناته، ولذلك فإنّ رسالة الكنائس هي إلى كل المرجعيات الدينية المسيحية والكنائس حول العالم للالتفات إلى فلسطين وغزة، وأن يتذكروا أنّ أرض الميلاد هي فلسطين، وأن يرفعوا الصوت عالياً لكي تتوقف الحرب".

 

لم يكتفِ المسيحيون بإلغاء الاحتفالات بالأعياد، بل وجّهوا مراسلات إلى جميع المرجعيات الدينية والحقوقية في العالم بضرورة العمل لوقف الحرب على غزة

 

ويشير إلى أنّ "عدد المسيحيين في غزة يصل إلى نحو (1000) شخص، بعدما تراجع بشكل كبير خلال الأعوام الماضية، في ظل الحروب المتلاحقة على القطاع، والحصار المفروض منذ (17) عاماً والظروف الصعبة والمأساوية"، لافتاً إلى أنّ "كل المسيحيين في غزة متواجدون في الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية، التي لم تنجُ من الاعتداءات التي ارتقى خلالها العديد من الشهداء".

وكانت البطريركية ورؤساء كنائس مدينة القدس قد أعلنوا جميعاً إلغاء الاحتفالات كافة بأعياد الميلاد للطوائف المسيحية هذا العام، مع الإبقاء على الصلوات والشعائر الدينية، في مشهد هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقدين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.

وفي سياق متصل، قالت صحيفة (لاكروا) الفرنسية في تقرير لها: إنّ المئات من المسيحيين الذين يقطنون في غزة لم يغادروا كنائسهم الواقعة شمال القطاع رغم أوامر الإخلاء الإسرائيلية، وهم يعيشون تضامناً مع الفئات الأكثر ضعفاً هناك تحت القصف، وهم يفتقرون إلى كل شيء.

البطريركية ورؤساء كنائس مدينة القدس أعلنوا إلغاء الاحتفالات كافة بأعياد الميلاد

وأضافت الصحيفة أنّه لجأ ما يقرب من (500) مسيحي فلسطيني، يمثلون نصف مسيحيي غزة، إلى مجمع الرعية اللاتينية، ويقول رئيس بعثة التبشيرية الخيرية بالقدس بييرباتيستا بيتزابالا، الذي يخصص مكالمة لمدة (10) دقائق يومياً لرعية اللاتين في غزة: إنّ "أخواتنا في غزة يذهلنني، دائماً ما تكون البسمة في أصواتهن، رغم القنابل ونقص كل شيء".

وتلقت أبرشيات اللاتين والروم الأرثوذكس الواقعة في شمال القطاع مثل غيرها إنذاراً للإخلاء إلى الجزء الجنوبي من القطاع، في ضوء هجوم وشيك من الجيش الإسرائيلي، إلا أنّ "الجميع عملياً اختاروا البقاء، معتبرين أنّ ذلك أكثر أماناً؛ لأنّ الوضع أصبح حساساً بشكل متزايد في كل مكان".

هذا، واستذكرت صحيفة (الإندبندت) حادثة استهداف الكنائس والمسيحيين في غزة، ومقتل ناهدة أنطون التي كانت تحاول الانتقال من مبنى كنيسة العائلة المقدسة والتوجه إلى مجمع الرعية الموجود في حرم دير اللاتين، الذي يقع شرق مدينة غزة، عندما أطلق عليها قناص إسرائيلي رصاصة صوّبها نحو قلبها، أودت بحياتها على الفور.

 

عطا الله حنا: ما يتعرّض له المسيحيون هو ذاته الذي يتعرض له كل الشعب الفلسطيني الذي يعاني الاحتلال والاستهداف والقمع والظلم، فالاحتلال لا يميز بين مسيحي ومسلم

 

من بعيد شاهدت ابنتها سمر المشهد، وأسرعت إلى ساحة مجمع دير اللاتين محاولةً إنقاذ أمها ناهدة، لكنّها هي الأخرى كان ينتظرها المصير نفسه، فقد أطلق جندي إسرائيلي صوبها رصاصة، وسقطت ضحية.

على الفور عمّت الفوضى في الدير المسيحي، وحاول النازحون الذين يحتمون في المكان التدخل لإنقاذ السيدتين، إذ إنّ بعض الشباب شكلوا درعاً لحماية الآخرين، لكنّ القناص أطلق الرصاص صوبهم، وتسبب في إصابة (10) آخرين.

وأطلقت دبابة إسرائيلية (3) قذائف على دير اللاتين، وتسببت في أضرار كبيرة، ونتج عنها اشتعال النيران وتصاعد عمود دخان أسود كثيف، وتدمير سقف كنيسة العائلة المقدسة.

ويقع دير اللاتين شرق غزة، وهو مجمع مسيحي يتبع للطائفة الكاثوليكية، له أسوار غير مرتفعة، ومبني منذ ستينيات القرن الماضي من الحجر الجيري، ويضم داخل حرمه كنيسة العائلة المقدسة، ومدرستين ابتدائية وثانوية، وكذلك بيت راهبات الأم تريزا، ومجمع الرعية، وعيادة طبية متكاملة.

 استهداف الكنائس والمسيحيين في غزة

وتُعدّ كنيسة العائلة المقدسة هي الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في قطاع غزة، وتديرها بشكل مباشر البطريركية اللاتينية في القدس، وينتسب إليها نحو (600) كاثوليكي، ويشكّل هؤلاء آخر الطوائف المسيحية المتبقية في الأراضي الفلسطينية.

أمّا مجمع الرعية، فهو موطن للمبشرين الخيريين، وهي جماعة أسستها الأم تيريزا مخصصة لخدمة المرضى والمعاقين، وفي ذلك المكان يعيش (54) شخصاً من ذوي الإعاقة، تقوم على رعايتهم راهبات من مختلف الجنسيات.

وبحسب كاهن كنيسة دير اللاتين الأب غابرييل رومانيلي، فإنّ أول قذيفة أطلقتها الدبابة أصابت مجمع الرعية ودمرت أجزاء منه، لكن من دون أن يصاب أحد من ذوي الإعاقة الذين اضطروا إلى المغادرة، وهذا حرمهم من أجهزة التنفس التي يحتاج إليها بعضهم للبقاء على قيد الحياة.

 

صحيفة (لاكروا) الفرنسية: المئات من المسيحيين الذين يقطنون في غزة لم يغادروا كنائسهم الواقعة شمال القطاع رغم أوامر الإخلاء الإسرائيلية

 

ويقول رومانيلي: "دمرت قذيفة أخرى خزان الوقود والمولد الكهربائي، وقد لحقت أضرار بالدير نتيجة الانفجار والحريق الهائل، واستهدفت قذيفة ثالثة الدير، وجعلته غير صالح لأيّ شيء، وبسببها تطايرت الشظايا ودمرت الألواح الشمسية وخزانات المياه، التي لا غنى عنها للعيش".

ويوضح رومانيلي الذي يتحدث اللغة العربية بطلاقة أنّ النار اشتعلت في جميع أرجاء دير اللاتين، وتصاعد عمود دخان أسود من المكان، وانهار سقف كنيسة العائلة المقدسة وبيت راهبات الأم تريزا، وبسبب هذه المشاهد أصيب النازحون في المكان بالذعر.

ويضمّ دير اللاتين نحو (600) نازح، وهؤلاء يشكلون نصف أعداد المسيحيين في غزة البالغ (1200) شخص، ويحتمي (300) في جمعية الشبان المسيحية، ومثلهم في كنيسة الروم الأرثوذكس.

هذا، وتعرضت جمعية الشبان المسيحية في 16 كانون الأول (ديسمبر) الجاري لقصف عنيف؛ وبسببه ارتقى (6) من بين النازحين، وفي 19 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي  استهدفت المقاتلات الإسرائيلية كنيسة الروم الأرثوذكس وسقط (18) فلسطينياً.

وبحسب بطريركية اللاتين، فإنّ الجيش الإسرائيلي ما زال يحاصر الدير، وطلب من بطريرك القدس إخراج العائلات اللاجئة من كنيسة العائلة المقدسة، لكنّ بيتسابالا رفض الأمر العسكري الإسرائيلي، لأنّ الخروج ليس آمناً وكذلك البقاء.

ويوضح بيتسابالا أنّ أفراد العائلات فضلوا الموت في الكنيسة على الموت في الشارع، لافتاً إلى أنّ البطريركية ستستمر بالقيام بدورها الإنساني والأخلاقي بإيواء جميع المدنين في كنائسها والمؤسسات التابعة لها في غزة، على الرغم من الضغوط التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية من أجل تفريغ هذه الملاجئ.

وحظي ما حدث في كنيسة العائلة المقدسة باهتمام دولي، وقد عقّب بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس على ذلك الحدث بالقول: "تل أبيب تستخدم أساليب "الإرهاب" في قطاع غزة، لقد حان الوقت لإنهاء هذا الصراع العقيم".

وأضاف البابا فرنسيس: "ما زلت أتلقى أخباراً خطرة ومحزنة للغاية في شأن غزة، فالمدنيون العزّل هم أهداف للقنابل وإطلاق النار، البعض يقول إنّها الحرب، نعم، إنّها الحرب والإرهاب في الوقت نفسه".

من جهته، قال منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي: "كل وفاة بين المدنيين هي مأساة، لقد كنا واضحين للغاية في أننا نعتقد أنّه يجب بذل كل جهد ممكن لمنع سقوط ضحايا من المدنيين، للأسف، يبدو ما حدث في كنيسة العائلة المقدسة محزناً، لا يوجد أيّ مبرر لحدوث ذلك قطعاً".

ومن المفترض أن يحتفل المسيحيون الذين يعتمدون التقويم الغربي (من بينها الكاثوليك) بعيد الميلاد في 25 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، بينما يحتفل الذين يعتمدون التقويم الشرقي (بينها الأرثوذكس) بالعيد يوم 7 كانون الثاني (يناير).

مواضيع ذات صلة:

لماذا يشكك الخبراء بقدرة إسرائيل على إغراق أنفاق غزة؟

بالدبلوماسية والإغاثة تداوي الإمارات آلام غزة وتحشد لوقف الحرب

ما حدود الخلافات بين أمريكا وإسرائيل حول الحرب في غزة؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية