لماذا يشكك الخبراء بقدرة إسرائيل على إغراق أنفاق غزة؟

لماذا يشكك الخبراء بقدرة إسرائيل على إغراق أنفاق غزة؟

لماذا يشكك الخبراء بقدرة إسرائيل على إغراق أنفاق غزة؟


24/12/2023

منذ أن أعلنت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية الواسعة الانتشار والتأثير، أنّ الإسرائيليين ماضون في خطتهم لإغراق أنفاق غزة، لم تكف وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والمختصون في العالم عن الحديث حول هذا الأمر ومخاطره على البيئة، وأيضاً على جدواه العسكرية بالنسبة إلى إسرائيل.

 وصرح مسؤول أمريكي لشبكة CNN في 12 من الشهر الجاري بأنّ إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة أنها بدأت بإجراء اختبارات محدودة لإغراق بعض الأنفاق في قطاع غزة بمياه البحر لمعرفة ما إذا كان ذلك سيُغرق شبكة الأنفاق بشكل أكبر.

وكانت "وول ستريت جورنال" أفادت أيضاً، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، أنّ الجيش الإسرائيلي بدأ فعلياً في ضخ مياه البحر في أنفاق غزة بعدما انتهى من تركيب خمس مضخات كبيرة لمياه البحر على بعد ميل شمال مخيم الشاطئ للاجئين منتصف شهر نوفمبر الماضي. ويمكن لكل مضخة سحب المياه من البحر المتوسط ونقل آلاف الأمتار المكعبة من المياه في الساعة إلى الأنفاق، مما يؤدي إلى إغراقها في غضون أسابيع.

بيْد أنّ عملية إغراق الأنفاق بمياه البحر عبر أنابيب ممتدة من شواطئ غزة على البحر الأبيض المتوسط لا تزال قيد التقييم من قبل إسرائيل، نظراً لطول الأنفاق التي تمتد لحوالي 300 ميل (نحو 482 كيلومتراً) وتتضمن أبواباً سميكة ومتاهات تحت الأرض.

إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة أنها بدأت بإجراء اختبارات محدودة لإغراق بعض الأنفاق في قطاع غزة بمياه البحر

وجاء في موقع "سكاي نيوز" أنه على شاطئ بمدينة غزة شمالي القطاع، أظهرت صور الأقمار الصناعية يوم 30 نوفمبر الماضي، أنابيب تعمل من البحر بين أكوام من الرمال، في حين لم يكن هناك أنابيب أو أكوام من الرمال في صورة مماثلة التقطت في الموقع نفسه يوم 8 أكتوبر، بعد يوم واحد من هجوم حماس المباغت على إسرائيل في إطار عملية "طوفان الأقصى".

كما أظهرت صورة نشرها الجيش الإسرائيلي في 3 ديسمبر الجاري أيضاً وجود القوات الإسرائيلية على الشاطئ في اليوم السابق، جنباً إلى جنب مع أنابيب طويلة.

وأثار الكشف عن إقامة إسرائيل لهذا النظام الكبير من المضخات على سواحل القطاع تساؤلات كثيرة حول إمكانية تنفيذ إسرائيل خطتها بإغراق أنفاق غزة دون التسبّب بأضرار كبيرة، قد تحول شمال قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة نظراً لتلوث المياه الجوفية، والتخريب الذي سيقع على الأرض وتحت الأرض.

هل تنجح إسرائيل؟

ولكن، هل تنجح إسرائيل في غمر أنفاق غزة بمياه البحر؟ وما هي الأضرار البيئية لمثل عملية كهذه؟

في محاولته الإجابة عن هذا السؤال، أكد خبير الجيولوجيا المصري عباس شراقي، أنّ حماس أنشأت أكبر شبكة أنفاق في العالم لمقاومة الاحتلال الذي لم يستطع تدميرها جواً أو براً حتى الآن، ويلوح حالياً باستخدام مياه البحر لغمرها.

وأشار شراقي في تصريحات لـ (RT) إلى أنه "طبقاً لبيانات حماس فإنّ عدد الأنفاق حوالي 500 نفق، بإجمالي أطوال حوالي 1300 كم، وتتنوع الأنفاق بين هجومي لاختراق الحدود، ومنها الدفاعي لإطلاق صواريخ والاختباء وغيره، ومنها اللوجستي الذي يستخدم في الاختباء ومكان للقيادة وتخزين الأسلحة والعتاد، وهندسياً توجد الأنفاق المبطنة بخرسانة، وأخرى حفرت في الصخور دون تبطين مع وجود دعامات".

 

خبير بيئي فلسطيني: إسرائيل بحاجة إلى 40 يوماً لإغراق الأنفاق التي يصل طولها بحسب ما هو متعارف عليه إلى 450 كلم

 

وتابع شراقي: "طبيعة الأرض في غزة ليست مستوية تماماً، بل عبارة عن نطاقات طولية صخرية مرتفعة بينها مناطق منخفضة موازية لشاطئ البحر بطول حوالي 42 كم، تكونت في الماضي من أمواج البحر وتتكون من صخور رملية ورملية جيرية، كما تحتوي طبقات غزة على خزانات مياه جوفية يتراوح عمقها في المتوسط حوالي 60 م".

ويعتقد الخبير العسكري المصري أنه "من الصعب إغراق كل الأنفاق مرة واحدة لاختلاف التضاريس وارتفاعها وانخفاضها بالنسبة لسطح البحر، وعدم معرفة أماكنها. غرق الأنفاق المسلحة لن يضر الخزان الجوفي لعدم امكانية تسرب المياه، عكس الأنفاق الصخرية غير المبطنة التي سوف تزيد ملوحة المياه الجوفية، كما أنّ تغطية سطح الأرض بمياه البحر سوف يقضي على المحاصيل الزراعية، ويزيد من ملوحة التربة مما يؤثر على الإنتاجية الزراعية فيما بعد. كما أنّ ملء الأنفاق بالمياه لن يؤثر كثيراً في إحداث زلازل، حيث إنّ الأنفاق قريبة من سطح الأرض".

حرب نفسية

وفي سياق متصل، هناك كثيرون يعتقدون بتعذر إمكانية إغراق الأنفاق، وأنّ ما يتم تداوله إعلامياً وترويجه إسرائيلياً يصب في إطار الحرب النفسية، بحسب اللواء أركان حرب، محمد الشهاوي، مستشار كلية القادة والأركان، الذي صرح لصحيفة "المصري اليوم" بأنّ الحديث عن إغراق الأنفاق "يدخل في إطار الحرب النفسية ضد رجال المقاومة الفلسطينية لتحسين شروط التفاوض للإفراج عن الأسرى المحتجزين لدى حماس"، مؤكداً: "الخطة غير واقعية ولن تؤثر على الأنفاق"، مشدداً على أنّ "الجيش الإسرائيلي لم يستطع اكتشاف أو تدمير الأنفاق، لأنّ الممرات أسفل سطح الأرض التي حفرها رجال المقاومة الفلسطينية على عمق 15-35 متراً تقريباً، لذا القنابل ليس بإمكانها الوصول إليها أو التأثير عليها حتى الآن".

ما هي الأضرار البيئية لمثل عملية كهذه؟

في المقابل، أوضح الدكتور مصطفى محمود سليمان، أستاذ الجيولوجيا بقسم هندسة البترول وتكنولوجيا الغاز بالجامعة البريطانية بالقاهرة، أنّ "إغراق الأنفاق ليس له تأثير على البنية التحتية لقطاع غزة في حالة تنفيذه، ولكن إسرائيل لم تصل إلى الأنفاق حتى وقتنا الحالي واكتشاف الأنفاق ليس بالأمر اليسير". وأردف: "ليس هناك تأثير جيولوجي على طبقات الأرض أو السطح الخارجي لقطاع غزة في حالة تنفيذ فكرة ضح المياه في الأنفاق".

وقال سليمان: "ليس هناك معرفة بالطبقات وتفاصيل الأنفاق والمواد الأسمنتية والبنائية المستخدمة في بناء الأنفاق أسفل سطح الأرض" متفقاً مع الشهاوي بأنّ ما يجري "حرب نفسية لا يجب إعارتها أي اهتمام".

كوارث بيئية متعددة 

وعن تأثير إغراق أنفاق غزة بمياه البحر، وعن الآثار البيئية لهذه الخطوة في حال تمت، اعتبر خبير بيئي فلسطيني أنّ إغراق إسرائيل أنفاقاً للمقاومة في غزة بمياه البحر "سيجعل من القطاع منطقة غير قابلة للعيش حتى 100 عام".

وقال عبد الرحمن التميمي، مدير مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين (أكبر منظمة غير حكومية تعمل على رصد التلوث بالأراضي الفلسطينية)، لوكالة "الأناضول" إنّ "الحديث عن إغراق شبكة الأنفاق صعب، ولكنه غير مستحيل".

وأضاف: "الحديث عن إغراق شبكة الأنفاق يواجه تحديات أولها هل هي متصلة؟ وهل أرضيتها رملية أم أسمنتية؟ وهل المقاومة حفرت آباراً لتسريب مياه الأمطار أو أي محاولة لإغراق الأنفاق؟ كل هذه تحديات وتشير إلى أنّ الأمر ليس سهلاً، بل معقد ولكنه في الوقت نفسه غير مستحيل".

وتابع الخبير البيئي الفلسطيني أنّ "إسرائيل بحاجة إلى 40 يوماً لإغراق الأنفاق التي يصل طولها بحسب ما هو متعارف عليه إلى 450 كلم".

 

خبير عسكري مصري: الخطة غير واقعية ولن تؤثر على الأنفاق وتأتي في إطار الحرب النفسية لتحسين شروط التفاوض للإفراج عن الأسرى المحتجزين 

 

وعن آثار إغراق الأنفاق أوضح أنه "إذا نجحت إسرائيل في مخططها فسيؤدي ذلك إلى كوارث بيئية متعددة أولها تلوث المياه الجوفية الملوثة أصلاً، وسيؤدي تراكم الملح إلى قتل التربة بشكل كبير ويتسبب بذوبانها، الأمر الذي يؤدي إلى انهيارات في التربة ما يعني هدم آلاف المنازل الفلسطينية في القطاع المكتظ بالسكان".

وأردف التميمي: "إذا تلوثت المياه والتربة فسيصبح الإنسان حبيس التلوث بكل أشكاله من مياه الشرب، ومنتجات زراعية تؤدي إلى آثار بيئية على الصحة". وأكمل: "سيصبح قطاع غزة منطقة طاردة للسكن، وبحاجة إلى نحو 100 عام للتخلص من الآثار البيئية لهذه الحرب".

وزاد التميمي، أنّ "إسرائيل تقتل البيئة في قطاع غزة"، لافتاً إلى أنّ الحرب المستمرة على غزة منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي، لها آثار قاتلة على البيئة، فـ"كثير من المعادن الناتجة عن المخلفات الصلبة، والأخرى الناتجة عن القنابل الفوسفورية والقنابل المتفجرة التي تلقيها إسرائيل على قطاع غزة تتحلل وتلتحم مع معادن أخرى لتصبح أكثر خطورة على البيئة والإنسان والمياه في غزة".

وذكر الخبير البيئي بأنّ "الوضع المائي في قطاع غزة قبل الحرب متدهور، فحوالي 90 بالمئة من مصادر المياه غير صالحة للشرب، والآن الأوضاع أكثر سوءاً إذ إنّ 99 بالمئة من المياه لا تصلح للشرب".

مواضيع ذات صلة:

غارديان: إغراق الأنفاق "إبادة جماعية" لقطاع غزة

هل تستطيع إسرائيل إغراق الأنفاق فعلاً؟

إغراق أنفاق حماس.. تداعيات كارثية ستستمر لأجيال




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية