من الشّيوعية إلى الشّيعية... حلم الخميني المنتظر!

من الشّيوعية إلى الشّيعية... حلم الخميني المنتظر!


05/09/2022

يوسف بدر

اهتمام واضح داخل إيران بالحديث عن رحيل رئيس الاتحاد السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف الذي وافته المنية يوم الثلثاء 30 آب (أغسطس) 2022. 

لم يكن اهتماماً فحسب تجاه رجل دعا إلى إعادة البناء (بيريسترويكا) للسياسة السوفياتية تجاه نظام الدولة وحريات المواطنين، والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية، والتعاون مع الغربيين لإنهاء الحرب الباردة، أو كما سماه الإعلام الإيراني بالإصلاحي الأخير للعهد الشيوعي، بل كان اهتماماً يتعلق بميلاد الجمهورية الإسلامية في إيران ونظام ولاية الفقيه ومرشد الجمهورية الأول، روح الله الخميني، فما القصة؟

في الأول من كانون الثاني (يناير) 1989، ذهب وفد برئاسة عبد الله جوادي آملي ومحمد جواد لاريجاني ومرضية حديدتشي دباغ، إلى روسيا برسالة بعثها الخميني إلى الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، آخر زعماء الحزب الشيوعي والاتحاد السوفياتي.

وكانت هذه الرسالة أشبه برسائل الأنبياء إلى قادة الشعوب؛ إذ قال الخميني في جزء من رسالته مخاطباً غورباتشوف: "لا بد من مواجهة الحقيقة، إن مشكلة بلدكم الرئيسة لا تكمن في قضايا المِلكية والاقتصاد والحرية؛ بل في عدم الإيمان الحقيقي بالله".

وخلال رسالته، أكد الخميني أفول الشيوعية والماركسية؛ لأنها مذاهب مادية قضت على الجانب المعنوي من حياة الإنسان، وبالتالي لم تنجح في إنقاذ البشرية.

وبعد ثمانية أسابيع، أجاب الزعيم السوفياتي على رسالة نظيره الإيراني، برسالة حملها إدوارد شيفردنادزه، وزير خارجية الاتحاد السوفياتي آنذاك، الذي التقى الخميني، وأكد له أن غورباتشوف وأعضاء المجلس الرئاسي للاتحاد السوفياتي قد اطلعوا على رسالته. 

لكن رد غورباتشوف كان دبلوماسياً؛ إذ لم يتطرق إلى الجوانب المعنوية والنقاشات العقلية التي طرحها الخميني في رسالته؛ بل اكتفى بتأكيد عمق رسالة الخميني وأهمية العلاقات بين البلدين، والترحيب بالثورة الإيرانية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

لذلك، أعاد الخميني الكرّة وأكد للمبعوث الروسي أن ينقل لغورباتشوف "إن عالم ما بعد الموت والجانب المعنوي من الإنسان وأفول المادية هو المحور الأساسي من رسالتي".   

مشروع إمبريالي

إن توقيت الرسالة التي بعثها الخميني إلى الزعيم السوفياتي، يكشف أن الرسالة كانت من أجل إيران الخميني وليست من أجل الاتحاد السوفياتي. إذ كان الخميني يطرح مشروعه الإسلامي كمشروع إمبريالي للهيمنة العابرة للأقطار، على غرار كل الأيديولوجيات العابرة كالشيوعية، ولكنه مشروع في ضدية معها. ولذلك، اختار الخميني التوقيت الصحيح الذي يعلن فيه ميلاد مشروعه المنافس للقوى الفكرية الموجودة والمهيمنة على الساحة.

وجاءت رسالة الخميني بعد ثماني سنوات من الحرب التي انتصر فيها ضد صدام حسين في ما عُرف بحرب الخليج الأولى، أو حرب الدفاع المقدس كما يسميها الإيرانيون. وهي أطول نزاع عسكري دام في القرن العشرين، فقد نشبت الحرب بين العراق وإيران من أيلول (سبتمبر) 1980 حتى آب (أغسطس) 1988. 

وكان الخميني يعتبرها حرباً لوأد نظامه الإسلامي الوليد، ولكنها فشلت في القضاء على الثورة التي جاءت بهذا النظام، بخاصة أن الاتحاد السوفياتي الذي قلق من أسلمة الثورة في إيران، كان داعماً لصدام حسين في هذه الحرب؛ من أجل الحفاظ على مجال نفوذ الروس، ومن أجل احتواء الثورة الإسلامية التي قضت على الاشتراكيين والشيوعيين في إيران. كما أن الاتحاد السوفياتي لعب دوراً في إقناع إيران بإنهاء هذه الحرب من أجل الحفاظ على نظام البعث الموالي.

أيضاً، جاءت هذه الرسالة بعد مؤشرات لهزيمة السوفيات في أفغانستان، الذين تدخلوا لمناصرة حزب الشعب الديموقراطي الأفغاني المدعوم من موسكو، في 24 كانون الأول (ديسمبر) 1979، وانسحبوا بالكامل في شباط (فبراير) 1989. 

وكانت إيران واحدة من القوى الإسلامية التي دعمت المجاهدين لمحاربة الوجود السوفياتي. وكان خروج السوفيات انتصاراً يضاف إلى إيران الجمهورية الإسلامية ومبادئ ثورتها، بخاصة أن المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي اختار دعم الحكومة الموالية في أفغانستان خوفاً من تمدد نظام الجمهورية الإسلامية إلى داخل أفغانستان، ومن ثم إلى باقي جمهوريات الاتحاد السوفياتي في آسيا الوسطى.

وفي داخل الاتحاد السوفياتي، كانت سياسة الانفتاح (غلاسنوست) وسياسة إعادة الهيكلة (بيريسترويكا) اللتان أعلنهما غورباتشوف، بمثابة إقرار منه بفشل السياسة الشيوعية القديمة للاتحاد السوفياتي. 

وبينما سمحت سياسات غورباتشوف الجديدة للجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز بالعودة مرة أخرى للتنفس بحرية والتعبير عن معتقداتها الإسلامية؛ حيث سُمح لها برفع الأذان بعد 70 عاماً من سياسة صارمة تحظر الشعائر الدينية، كانت الجمهورية الإسلامية تعتبر أن ذلك هو من بركات الثورة الإسلامية وتعاليمها التي حرّكت الشعوب الإسلامية لنيل حقوقها.

من الشيوعية إلى الشيعية.. حلم الخميني المنتظر!  لأن الخميني كانت لديه مخاوف من أن ينفتح السوفيات على الرأسمالية الغربية بعدما سمحوا للأجانب بالاستثمار وبنقل الخبرات الغربية إلى الاتحاد السوفياتي. 

وهذا الأمر كان يُقلق الخميني من أن تتحول هزيمة الشيوعية إلى انتصار للرأسمالية والقوى الغربية ومحاصرة المشروع الإيراني الإسلامي الثوري.

ولذلك قال الخميني في رسالته: "إن كنتم تبحثون عن حلول لمعضلات الاقتصاد الاشتراكي والشيوعي المستعصية، من خلال اللجوء إلى مركز الرأسمالية الغربية؛ فإنكم لن تجدوا الحل؛ لأن العالم الغربي مبتل أيضاً بما ابتُليت به الماركسية".

إلى جانب ذلك، كان الخميني يخاف من عودة روسيا إلى قوة مسيحية، بعدما استفاد غورباتشوف من المسيحية كمشترك بين أوروبا والاتحاد السوفياتي، إذ احتفل عام 1988 بالذكرى الألفية لدخول المسيحية إلى روسيا. وهو ما ينذر بعودة تقليدية للصراع بين الإسلام والمسيحية بتحريك من القوى السياسية.

نبوءة الخميني

رغم أن أسلمة الثورة في إيران وصعود رجال الدين إلى السلطة هو جزء من مشروع "الحزام الأخضر الإسلامي" الذي صاغه الأميركيان هنري كيسينجر وزبيغنيو بريجنسكي، لمحاصرة الاتحاد السوفياتي، من خلال استخدام الإسلاميين ونشر دعواتهم لإقامة الشريعة والدولة الإسلامية، استفاد العقل الغربي والأميركي من قوانين المادية الماركسية ذاتها في هدم النظام الشيوعي؛ إذ كانت ثورات الشعوب الإسلامية ضد الحكم السوفياتي والأحزاب الموالية له، تأتي في إطار التضاد وحركة التاريخ ضد الأنظمة التي فشلت في أن تحقق التنمية الاقتصادية والحريات والرفاه الاجتماعي.

لكن النظام الإسلامي في إيران الذي زرع في نفوس المؤمنين به، أنه جاء بنصرة من السماء وبتأييد الإمام المهدي الغائب؛ لم يتعامل مع حقائق سقوط الاتحاد السوفياتي وأسبابها في إطارها من البراهين والمؤشرات المنطقية؛ بل قدمها إلى جمهوره بصورة نبوءة للخميني وكرامة لتعاليمه الإسلامية التي أسس عليها جمهوريته الإسلامية في إيران. 

فقبل عودة الخميني إلى طهران أثناء اندلاع ثورة 1979، أشاع رجال الدين عدداً من الشائعات بين الناس، في إطار الحرب النفسية ضد الشاه، وفي إطار إظهارهم الخميني بصورة الرجل المؤيد من السماء القادم لمواجهة الشاه فرعون عصره، منها: أن صورة الخميني قد ظهرت على وجه القمر، أو أن هناك رؤية حلم للشاه يخسر فيه عرشه.

وحتى يومنا هذا، يتعامل المهووسون بالخميني وكأن رسالته إلى غورباتشوف بمثابة نبوءة ورسالة إلهية تنبأت بسقوط الاتحاد السوفياتي، بخاصة أنه قد تفكك بعد أقل من أربع سنوات من هذه الرسالة. فضلاً عن التصريحات المنسوبة إلى الزعيم السوفياتي التي يعبّر فيها عن تأسفه لعدم انتباهه لتحذيرات الإمام الخميني.

المحصّلة

إن رسالة الخميني إلى الزعيم السوفياتي غورباتشوف، كانت تعبر عن مخاوف النظام الإيراني من سقوط النظام السوفياتي بصورة تترك فراغاً لمصلحة القوى الغربية والمسيحية. وإن طموح الخميني قد ذهب بعيداً، بحيث تصور أن إيران الثورة هي النموذج الذي يجب أن تحتذيه الدولة السوفياتية، أي تكون الإسلامية بديلاً للشيوعية.

 ما زال جهاز الدعاية للنظام في إيران يستغل رسالة الخميني هذه وتحذيره فيها من سقوط الاتحاد السوفياتي، لتأكيد أصالة التشيع ونظام ولاية الفقيه والبصيرة الإلهية التي يتمتع بها الإمام الخميني، ومن بعده المرشد الثاني، علي خامنئي، الذي لا يتوقف هو أيضاً عن إرسال الرسائل إلى القادة والشباب الغربيين.

إن فهم حقيقة أهداف رسالة الخميني هذه يُساعدنا على فهم الدعم والتعاون الذي يقدمه حالياً النظام الإيراني والمحافظون لروسيا وزعيمها بوتين، إذ تدعم إيران بوتين في حربه الاقتصادية ضد الغرب وتساعده على تخطي العقوبات، وتساند قواته ونفوذه في سوريا وأوكرانيا وأفريقيا؛ فهناك تخوف من سقوط روسيا وتمدد النفوذ الغربي والمسيحي إلى حدود إيران الشمالية ومحاصرة الأيديولوجيا التي قام عليها نظامها.

تدل مساعي الإصلاحيين داخل إيران ومحاولاتهم إحداث تغيير في بنية النظام السياسية والاقتصادية والثقافية ـ من أجل القدرة على مواكبة التحولات والتغيرات في المنطقة والعالم - إلى أن إيران الحالية هي الأولَى برسالة النصح والتحذير قبل فوات الأوان وسقوط نظامها.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية