
المبادئ الـ10 هي عبارة عن (10) مكوّنات تشرح العلم قبل أن نستكشفه ونتعمّق في دهاليزه ونستغرق في تفصيلاته، وهذا المصطلح يحظى بشعبية كبيرة بين الطلاب الشرعيين، خاصة بإندونيسيا حيث يعنون في البداية بدراسة المبادئ العامّة لعلم ما، قبل الشروع في تعلم فروعه التفصيلية.
وتتشكّل المكونات الـ10 العامّة لمعرفة العلم من: تعريف، واسم آخر للعلم، وصياغة أو مبادر للعلم إلى جانب خلفية الواضع، وموضوع المناقشة، وحكم دراسته، وفوائد دراسته، ومصدر المناقشة، والمشكلات ذات الصلة بهذا العلم، والعلوم ذات الصلة به، وأخيراً فضائل العلم المستهدف تعلمه.
قد يكون علم الفلسفة الاستخباراتية مصطلحاً جديداً، أو على الأقل غير رائج، ولتعريف "الفلسفة الاستخباراتية" بشكل مبسّط للقارئ الذي لم يطلع على مواد مقروءة بهذا الخصوص، فهي فلسفة تعمل في مجال الاستخبارات، وتهدف إلى بناء الإبداع الفكري من أجل التمكن من اختيار الاستراتيجية الأنسب من بين البدائل المختلفة في تنفيذ المهام والوظائف الرئيسية في المخابرات.
إنّ إعداد علم الفلسفة الاستخباراتية بصرف النظر عن بناء الإبداع الفكري في عالم المخابرات، له دور مهم وحيوي أيضاً في تنفيذ النقد الفكري لأنشطة الاستخبارات
ومن خلال هذا التعريف، نجد أنّ هناك اسماً آخر أكثر دقة عندما نتحدث عن فلسفة استخباراتية، وهو فلسفة استراتيجية المخابرات، ذلك لكونها مرتبطة باستراتيجية وتخطيط وتوزيع مهام وأدوار ووضع برامج لكلّ النشاطات والعمليات الاستخبارية.
الرجل الذي وضع مبادئ علم الفلسفة الاستخباراتية حديثاً في إندونيسيا هو الفريق أول المتقاعد الأستاذ الدكتور عبد الله محمود هندروبريونو، الذي كان رئيساً لهيئة مخابرات الدولة بجمهورية إندونيسيا من 2001 إلى 2004، وهو مؤسّس المعهد العالي لمخابرات الدولة.
يعمل الدكتور هيندروبريونو حالياً أستاذاً للفلسفة الاستخباراتية في المعهد العالي لمخابرات الدولة والمعهد العالي للقانون العسكري.
إنّ إعداد علم الفلسفة الاستخباراتية، بصرف النظر عن بناء الإبداع الفكري في عالم المخابرات، له دور مهم وحيوي أيضاً في تنفيذ النقد الفكري لأنشطة الاستخبارات؛ وبالتالي فهو أساس علمي وفكري يستند إلى خبرات ممتدة لخدمة مسارات التحقيقات والأمن والتعبئة التي تكون عرضة للتسلل إلى الفكر الليبرالي اليساري الجديد، وتسييس الدين ومفهوم الاستبداد.
وبالتالي، فإنّ موضوع المناقشة الرئيسي في علم الفلسفة الاستخباراتية يهدف لتطوير الظروف البشرية على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والدولية، وكذلك تعظيم الأنشطة الاستخباراتية وجودتها.
ومن هذا يمكننا استخلاص القانون الذي يجعل دراسة علم الفلسفة الاستخباراتية لقوات الأمن واجباً، وكذلك لعامّة الناس، حيث إنّه من الضروري دراسة واجبات قوات الأمن، وإن لم تكن متعمقة، وهذا راجع إلى فوائد دراسة علم الفلسفة الاستخباراتية من أجل منع التهديدات واتخاذ إجراءات وقائية ضد التهديدات والمخاطر والوقوف على البرامج والخطط العملية التي تساعد في تجنب تلك التهديدات، وأيضاً الوقوف على حجم التهديد ومداه لتحديد مستويات القوة والقدرة التي نواجهه بها، بدون الوقوع في استفزاز مضلل نتيجة معلومات مغلوطة أو الوقوع في أسر تهويل نتيجة ترويج حجم مبالغ به للأعداء التي ستهدد بها جهة ما.
وفي الوقت نفسه، فإنّ مصدر الدراسة في علم الفلسفة الاستخباراتية هو تطوير ظروف المجتمع وكلّ من التهديدات والتحديات والعقبات والاضطرابات من أجل التوصل إلى مستوى مرونة الدولة وحيويتها وسرعتها المنجزة في مواجهة التحديات والمخاطر؛ وبالتالي ترسيخ كلّ ما من شأنه تحقيق أمنها وسلام الناس.
لذلك، فإنّ المشاكل المتعلقة بالمناقشة في علم الفلسفة الاستخباراتية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضايا الأمنية والدفاع والسياسة والاقتصاد والثقافة الاجتماعية والدين والعلوم والتطورات التكنولوجية.
وعند دراسة علم الفلسفة الاستخباراتية من الضروري جداً فهم العلوم الرئيسية الـ3، وهي: علم القانون، وعلم الفلسفة، وعلم الاستخبارات.
وقد شرح الأستاذ هندروبريونو في كتابه المرتقب الذي سيصدر قريباً، وسنعمل على ترجمته للغة العربية، وعنوانه الفلسفة الاستخباراتية، أنّ هذا العلم المهم والحيوي الذي يدخل في صلب أمن الدول والمجتمعات واستقرارها يجمع بين علم القانون وعلم الفلسفة وعلم الاستخبارات في تخصص العلم المعيّن، وهو علم الفلسفة الاستخباراتية.
بالإضافة إلى هذه التخصصات الـ3 في دراسة علم الفلسفة الاستخباراتية، من الضروري أيضاً دراسة العلوم العسكرية والعلوم السياسية والاقتصاد وعلم الاجتماع والمنطق وعلم الاتصال كداعم ورافد مهم لا غنى عنه، ولا يَستبعِد علوماً أخرى مثل الطب والأحياء والكيمياء والفيزياء والتطورات التكنولوجية، حسب المشكلات التي يواجهها كلّ قطاع في المجتمع والمطلوب تطويرها وتحصينها.
علم الفلسفة الاستخباراتية هو علم نبيل؛ لأنّه يخلق وعياً ويقظة لدى الجمهور، وخاصة مسؤولي الدولة، فيما يتصل بجميع أشكال الخطر التي تهدده، سواء التهديدات الجسدية أو غير الجسدية
من هذا يمكننا أن نستنتج أنّ علم الفلسفة الاستخباراتية هو علم نبيل؛ لأنّه يخلق وعياً ويقظة لدى الجمهور، وخاصة مسؤولي الدولة، فيما يتصل بجميع أشكال الخطر التي تهدده، سواء التهديدات الجسدية أو غير الجسدية.
على وجه الخصوص هناك مغالطة منطقية في عصر مجتمع الذكاء الاصطناعي الذي تم التحقق منه بسبب إساءة استخدام التكنولوجيا السيبرانية كسلاح حرب نفسية، في الفضاء السيبراني من خلال خدع مختلفة تؤدي إلى أعمال شغب في العالم الحقيقي وعلى أرض الواقع، وهذا يشير إلى ميزة أخرى لدراسة علم الفلسفة الاستخباراتية، حيث يسهم في تنمية وتقوية المواطنة ومواجهة الشائعات وتحجيم تداعيات الحرب النفسية، كما يكرّس وحدة الوطن والأمّة والدولة.
ومن الواجب التذكير بأنّه جرى تدمير عدد من البلدان بسبب انتشار الخدع التي حرضت الناس، وخلقت حرباً أهلية لا نهاية لها، علاوة على ذلك تفاقم الانقسام بسبب الخطابات الدينية التي يساء فهمها ويساء استخدامها، ولتفادي تلك المخاطر الفادحة تُعدّ دراسة علم الفلسفة الاستخباراتية مهمّة جداً لجميع عناصر أبناء الأمّة، خاصة للطلاب والطلاب الشرعيين.
* خبير في شؤون الحركات الإرهابية بإندونيسيا
مواضيع ذات صلة:
- الإخوان المسلمون في أندونيسيا: تمثلات الجغرافيا السياسية وتداعيات الاستراتيجية الجديدة
- كيف اخترق الإخوان أندونيسيا.. وماذا تريد تركيا؟
- بعد حزب التحرير.. أندونيسيا تحلّ جبهة المدافعين عن الإسلام