منفصلون وغير متساوين

منفصلون وغير متساوين


15/04/2020

بعدما ألغيت العبودية بالولايات المتحدة، نشأ الفصل العنصري بين السود والبيض. وهو ما أضفت عليه المحكمة العليا، وقتها، طابعا دستوريا. ففي حكمها الشهير الذي أصدرته في أواخر القرن التاسع عشر، أرست المحكمة مبدأ «منفصلون ولكن متساوون». فهى قالت إن الفصل العنصرى لا يتناقض مع الدستور طالما أن المنفصلين متساوون، كل في عالمه. وبالطبع لم يكن ذلك الفصل تصاحبه المساواة على الإطلاق. فمدارس السود لم تكن بأى حال مساوية لمدارس البيض من حيث مواردها وإمكاناتها المادية والتعليمية. والرعاية الصحية والسكن وكل مرافق السود وغيرها، لم تكن متساوية مع تلك الخاصة بالبيض. لذلك، كان من أهم إنجازات حركة الحقوق المدنية أن ألغت الفصل العنصرى الذى كان قانونيا قبلها. إلا أن ذلك الإنجاز لم يمتد بالقطع ليشمل الفصل العنصرى الذى كان قائما في الواقع وبحكم الممارسات الاجتماعية بل الحكومية، فتم مأسسة العنصرية التى صارت ذا طابع هيكلي كان له تداعياته الخطيرة خصوصا في مستويات الدخل والسكن، بل الأهم، في مجال الرعاية الصحية. وقد كشفت جائحة كورونا عن كل ذلك بشكل فاضح. فقد أثبتت البيانات الحكومية أن السود هم الأكثر إصابة ووفاة بفيروس كورونا بما لا يقارن بالبيض، بل بالمقارنة بالأقليات الأخرى. فقد تبين أن مدينة ديترويت، مثلا، التى يشكل السود 80% من سكانها هى أكثر المدن المضارة من الفيروس، بين كل مدن ولاية متشجان. وعدد الوفيات بها يمثل 40% من الوفيات بالولايات المتحدة. ويصدق الشىء نفسه على مدن أخرى ذات أغلبية سوداء مثل مدينتى شيكاغو بولاية إلينوى، ونيو أوليانز بولاية لويزيانا. ففي شيكاغو، مثلت الوفيات بين السود 100% من كل الوفيات بالمدينة. وفي ولاية لويزيانا، التي يمثل فيها السود 32% من السكان، فإنهم يمثلون 70% من الوفيات بفيروس كورونا. أما في نيويورك، بؤرة تفشى المرض، أعطيت الأولوية في توفير اختبار المرض للذين سافروا للخارج، الأمر الذى كان يعنى ضمنيا توفيره لمناطق البيض ذوى الدخول المرتفعة، القادرين على السفر للخارج، وحرمان المناطق ذات الغالبية السوداء مثل بروكلين من الخضوع لذلك الاختبار. والأسباب لتلك الفجوة الهائلة متعددة وموثقة في آن معا. أما بالنسبة للوفيات، فهى ترتبط بدرجة أكبر، كما يقول العلماء، بمن يعانون أمراضا مزمنة، وهى الأعلى بين السود. فكفاءة الرعاية الصحية ومواردها في مناطق سكن السود أقل بكثير منها في مناطق سكن البيض. ولأن دخول السود وثرواتهم أقل بما لا يقارن بما هو الحال بين البيض، ولأن الكثيرين منهم يعملون بوظائف لا توفر لهم تأمينا صحيا، فإنهم غير قادرين على البحث عن رعاية صحية أفضل في مناطق أخرى من جيوبهم الخاصة. حتى التوسع في برنامج الرعاية الطبية للفقراء، الذى قننه قانون أوباما للرعاية الصحية، فإن ولايات الجنوب المحافظة، التى يتمركز فيها أعداد معتبرة من السود، لم تشترك أصلا في ذلك التوسع لأن حكومات ولاياتها من الجمهوريين كانت ترفض القانون بالمطلق وأطلقوا عليه تعبير «أوباما كير» سخرية منه، بل سعوا مرات عديدة لإلغائه أصلا عبر الكونجرس، في أثناء ولاية أوباما وبعد انتهائها. ولعل ما قاله حاكم ولاية إلينوى، يحكى في عبارات قليلة جوهر المشكلة. فهو بعد أن اعترف بأن العنصرية لعبت دورا في رد فعل الولاية لتفشى الفيروس، أضاف أنه «من الصعب أن تعالج عدم المساواة في توفير الرعاية الصحية لغير البيض بعد أن ظلت قائمة لعقود وربما لقرون».

المصدر: المصري اليوم


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية