منة شلبي في مصيدة الترند... والحلويات "المنكهة"!

منة شلبي في مصيدة الترند... والحلويات "المنكهة"!

منة شلبي في مصيدة الترند... والحلويات "المنكهة"!


27/11/2022

شريف صالح

فجأة نسي الجمهور العربي فوز السعودية على الأرجنتين وإيران على ويلز، وكل ما يجري في مونديال قطر وأصبحت منة شلبي هي "الترند". تغريدات بالآلاف انتشرت خلال دقائق بشأن القبض عليها في مطار القاهرة بـ "مواد مخدرة". أقاويل ما بين التعاطف والإدانة... إلى أن صدر بيان النيابة بإخلاء سبيلها بكفالة. فما سر الهوس بالخبر؟ وكيف تفاعل معه الجمهور؟

جوع دائم

ما الترند إلا حيوان خرافي جائع ومتربص في انتظار فريسة جديدة يلعقها بألف لسان ويغرس فيها ألف ناب وألف مخلب. ومهما حاول الإنسان- سواء أكان مغموراً أو مشهوراً- أن يحجب حياته ويعزلها عن "السوشيال ميديا" فلن يكون بمأمن لأن "الترند" سوف يقتحمه في أية لحظة.

إنه جوع دائم لعيون مسمرة على شاشات الهواتف لكل غريب وصادم وغير متوقع وتافه. ولأصابع مستعدة على الكيبورد للإدانة وإطلاق الأحكام. وهذا ما يفسر سرعة الاستجابة لخبر القبض على منة.

تسريب وتشهير

لا تخلو طريقة نشر الخبر من خبث. قلة من المواقع اكتفت بالقول: "القبض على فنانة مشهورة في المطار"، وفي هذا ما يكفي من الإثارة. ثم أعقبتها أخبار متسارعة في المواقع و"السوشيال ميديا" تُسمي الفنانة "منة شلبي". كل هذا قبل أن يصدر أي بيان رسمي بل ترك الأمر للقيل والقال و"الهري".

فهناك من اعتبر الأمر حملة تشهير وقتل معنوي. بدليل وضع صورة للأغراض بجوار صورة جواز سفرها توضح رقمه واسمها بالكامل، وعنوانها، وتاريخ ميلادها.

لذلك أعربت نقابة المهن التمثيلية في بيان عن أسفها لتداول أخبار تنال من منة شلبي عضو النقابة وتستبق تحقيقات النيابة وتمثل خرقاً لكل الضمانات التي كفلها القانون لأي شخص أمام القضاء. ودعت النقابة إلى "احترام خصوصية أعضائها وعدم الخوض في أعراضهم".

يثير البيان مشكلتين: الأولى تتعلق بعدم احترام جمهور "السوشيال ميديا" للمسار القانوني والتقيد به. والثانية عن احترام خصوصية أي شخص ـوليس المشاهير فقط ـ حتى لو كان متهماً، لأنه في نهاية الأمر "إنسان" ولديه أسرة تتأثر بما يكتب عنه. حتى لو كان مداناً لا تسقط عنه "حقوقه الآدمية". ما يجرنا لعدم الانضباط الإعلامي في التعاطي مع المتهمين، مثل وضع لاصق على صورهم أو الاكتفاء بحروف من أسمائهم، أو انتظار بيان رسمي.

كل هذا غاب مع منة، وبدا أن هناك "تعمداً" أو رعونة... فهل من الطبيعي أن تصور الأوراق الخاصة لأي متهم وتنشر في السوشيال ميديا؟

جنس ومخدرات

ثمة ارتباط شرطي بين الفنانين والمشاهير والأثرياء والحياة اللاهية الحافلة بالجنس والمخدرات. ومن النادر أن تخلو مسيرة فنان أو فنانة من "سقطة" و"قصة" إما مرتبطة بالجنس أو المخدرات.

هذا يبدو مفهوماً مع وفرة الفلوس والحرية، والشعور الوهمي بأن الشهرة تمنح حصانة فوق القانون أحياناً. لكنّ الملاحظة الأكثر أهمية في تتبع تلك القضايا، أن الجمهور لا يتعامل معها بمسطرة واحدة، بل هناك تمييز جنساني يتساهل مع الرجل إذا ارتكب إحدى الجريمتين، ولا يتساهل مع المرأة.

مثلًا في واقعة المخرج خالد يوسف المتعلقة بتسريبات إباحية، عاد الرجل للأضواء، بعد فترة، ويصور حالياً مسلسلاً لشهر رمضان، بينما وقع الضرر الأكبر على الممثلات وقضى على سمعتهن وربما مسيرتهن فنية.

كذلك هناك تمييز إيجابي لمصلحة قضايا المخدرات على أنها حرية شخصية أو "مزاج" لا يُضايق أحداً، مقارنة مع التجريم والتحريم والتجريس في ما يتعلق بالقضايا الجنسية لأنها "وصمة عار" وليست حرية شخصية.

لذلك لم تنل منّة "الإدانة" ولا "التجريس" مثلما نالته الراقصة دينا عند تسريب مقطع إباحي لها منذ سنوات بعيدة.

كما تثير نبرة التعاطف المعلن والمضمر معها سؤالاً حول ازدواجية المعايير، هل يقبل الآباء والأمهات المتعاطفون، لأولادهم وبناتهم تدخين "الحشيش" أو حتى السجائر؟ هل سيعتبرون ذلك "حرية شخصية"؟

خمسة مكاييل

في أحد البرامج ظهر ذات مرة الملحن حلمي بكر واتهم معظم الفنانين بتعاطي المخدرات. لكن الوقائع -المثبتة على الأقل- تشير إلى نسبة بسيطة جداً لا تختلف عن أي مجال آخر، فلدينا قصص نشرت عن فنانين مثل ماجدة الخطيب وسعيد صالح وفاروق الفيشاوي وحاتم ذو الفقار ومجدي وهبة وعماد عبد الحليم وجورج وسوف وأصالة وأحمد عزمي ودينا الشربيني وأحدثهم شيرين. وتفاوتت نهايات قصصهم ما بين البراءة والسجن والعلاج من الإدمان أو الموت بسببه؟

لكنّ هناك شعوراً جمعياً بأن الأمور لا تُدار بمكيال واحد، بل بمكيالين وثلاثة وخمسة... فسبق لشيرين ـ مثلاً ـ أن ضُبطت بأدوية مدرجة في جدول المخدرات وتم الإفراج عنها سريعًا بحجة صفة طبية.

وفي التعليقات هناك من أشاد برجال الجمارك وحرصهم على تطبيق القانون، وعدم التهاون في إجراءات التفتيش... ومن اعتبر القضية كلها "مفبركة" بغرض الإساءة إلى منة و "قرص ودنها"! وكأنها تُعاقب على شيء آخر لا نعلمه. ما دفع البعض إلى تخمين أنها التقت في أميركا بشخصيات "غير مرغوبة" للحكومة!

ما يذكرنا بسجن سعيد صالح في تهمة مخدرات، وقيل حينها إن السبب الحقيقي كان عقابه على نكتة سياسية! كلها حكايات تشتغل على وعي جمعي يدرك ـ حتى من الأفلام والمسلسلات ـ أن أسهل طريقة لعقاب خصمك، هو تلفيق قضية مخدرات له.

وتوقع كثيرون أن تنتهي القضية سريعاً، لما تتمتع به منة من شهرة. وبالفعل أخلت النيابة سبيلها بكفالة خمسين ألف جنيه، مع عرض الأحراز على الطب الشرعي واستكمال التحقيق.

وتساءل البعض: إذا كانت منة متهمة بالتعاطي لماذا لم تعرض هي نفسها للفحص وليس المضبوطات فقط؟

تعاطف واسع

في تعامل "السوشيال ميديا" كان الموقف الأكثر بروزاً التعاطف معها. فهي فنانة جميلة ومحبوبة ارتبطت في الذاكرة منذ أكثر من عشرين سنة حين قدمت فيلم "الساحر" مع محمود عبد العزيز. وتملك حضوراً يجعل البعض يعتبرها "أهم ممثلة مصرية" حالياً.

بسبب الحب الكبير لها نشرت آلاف التغريدات الداعمة التي تطلب احترام خصوصيتها، وتشكك في "الأحراز" بزعم أنها أنواع من "الشوكولاتة" أو غير مجرمة في البلد المصدر، أو أنها لا تعرف ماهية ما بحوزتها!

هذا "التعاطف" يُعطي حصانة مزيفة، وأن الناس نفسها لا تقر بالمساواة أمام القانون، بل تمارس نوعاً من الضغط المسبق على قرارات النيابة والقضاء.

فالمحاولات المستميتة في التهوين من الأحراز، تتجاهل قرائن أخرى مذكورة في بيان الجمارك منها "وجود سيجارتين يحويان نبات الماريغوانا المخدر" و"شيش إلكترونية"!

فلماذا نتجاهل بعض المضبوطات ولا نشير إليها؟ ولماذا الإصرار على اختلاق قصة "غامضة" لعقاب منة مع أننا أمام قضية تحدث في كل مطارات العالم، ودلائل واضحة على تهمة التعاطي؟!

إدانة أخلاقية

منذ بداياتها كانت منة على رادار التيار المحافظ وأتباع الإسلام السياسي بدءاً من تقديمها لمشاهد جريئة وانتهاء بآخر أعمالها مسلسل "بطلوع الروح" الذي فتح ملف "داعش".

فكان من الطبيعي أن يشمت الموالون لهذا التيار، المشغول بضم المزيد من القصص إلى سجله عن انحلال وفساد الفنانين وسوء أخلاقهم، وأنهم للأسف لا يصلحون قدوة للشباب ومثلاً أعلى.

وزادت الشماتة بالتعريض بحياة منة الأسرية وأنها ليست متزوجة، وأمها كانت "راقصة" معروفة في السبعينات من القرن الماضي.

هكذا نصب هؤلاء محكمة تفتيش عنيفة لمجرد "تهمة" لم يُصدر فيها قرار إدانة بعد! ما يكشف "دعشنة" الوعي لدى شريحة لا يستهان بها من الناس. تنظر إلى الرقص والتمثيل وسائر الفنون بوصفها "حراماً" وتحتقر كل من يعمل في تلك المجالات، ولا تتردد في قتله معنوياً.

النكتة المصرية

كل ما يجري في مصر لا بد أن يمر بجهاز "النكتة" الشعبية، وهو جهاز أكثر حساسية من ذلك الذي مرت عليه أمتعة منة في المطار.

ممثلة متهمة بحيازة وتعاطي مواد مخدرة، فجأة تحولت إلى ترند، قابل لتمرير كل الإسقاطات الاجتماعية والسياسية ونشر "الكوميكس" والنكات والتعليقات الساخرة واللاذعة.

فبحكم صداقة منة الشديدة للمطربة شيرين، نشر الكثيرون صورة تجمعهما وتوحي بأنهما في حالة انتشاء وضحك مع تعليقات من عينة "أفضل ممثلة وأفضل مطربة في مصر خلال لقاء مع الديلر". وهناك من علق "أكيد جايبة الحاجات دي هدية لشيرين" في إشارة إلى إعلان المطربة قبل فترة خضوعها للعلاج من الإدمان.

عدد غير قليل من صور الكوميكس والتعليقات عبّر عن فكرة "بص العصفورة" وأنه الترند مقصود لشغل وإلهاء الناس عن قضايا حياتية أكثر أهمية. ومن أكثر التعليقات طرافة بعيداً من الحمولة السياسية أو الإدانة: خايف أكتب سطرين تشدهم منة أو شيرين"... "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجرين"!.

عن "النهار العربي"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية