"إنستغرام" حكمت الحاج: الشِّعر في عصر السوشيال ميديا

"إنستغرام" حكمت الحاج: الشِّعر في عصر السوشيال ميديا


02/01/2019

يثبت الشاعر والكاتب، حكمت الحاج، صاحب "بغدادات"، ديوانه الأول، أنّه مختلفٌ في كل بصمةٍ أدبية وثقافية له. وجديده الشعري "إنستغرام- قصائد نثر إنستغرامية"، وهو ديوان بنسختين؛ رقمية وورقية، يؤكد هذا المعنى.

اقرأ أيضاً: النثر والشعر.. التوأمان اللدودان
والعنوان هنا ليس مجرد استعارة خارجية لضمان إثارة الانتباه والاهتمام، لما لـ "إنستغرام" من وقعٍ بين متابعي هذا الموقع في السوشيال ميديا وسطوة حضور الصورة فيه، بل هو تأكيد لمسعى شخصي للشاعر العراقي، المقيم حالياً في لندن، كان قد بدأه قبل نحو عامين عبر نشر نصوصه على الموقع عبر "تكييف الشعر وتحويله إلى تجربة بصرية بحتة: خطوط الآلة الكاتبة، خلفيات من الورق المصفر أو أبيض عادي، والرسوم المرافقة في بعض الأحيان"، كما ينوه الحاج في آخر ديوانه الصادر عن دار "مومنت".

اقرأ أيضاً: فكرة المختارات تجوز في الشعر ولا تجوز في النثر
إنّك لتجد اتصالاً بين روح الشعر وفضاء التعبير في وسائط التواصل الاجتماعي، كما في المقطع التالي مما كتبه الحاج، الذي أقام فترة طويلة في تونس قبل انتقاله إلى بريطانيا للعمل والإقامة فيها: "لبنان عاد مجدداً، وبيروت تبنى من جديد، وأما حرب عينيك، فلا نهاية لها"، فثمة المفارقة بمقابل تعبيرات العاطفة الرائجة في ثقافة السوشيال ميديا، أو تلك الغرائبية المحببة، كما في المقطع "فما لدينا من العمر، أقل بكثير مما لدى ذبابة".

"إنستغرام- قصائد نثر إنستغرامية"، وهو ديوان بنسختين؛ رقمية وورقية
والحاج حين يمنح هذه اللعبة "الإنستغرامية" سطوةً في نصوصه، كما في: "كنْ شفيفاً كهمسة، وواضحاً مثل سيف، إن أحببت فأوغلْ، وإن هجرت فاذبحْ"، إلا إنّه يسحب الخيطَ منها ليحيل القارئ إلى روحية ناقدة للثقافة (العراقية) والحياة المعاصرة، ويقدم السخريةَ بوصفها حكمةً: "ذهبوا إلى مقاعد الدرس، لا ليصبحوا تلاميذ ويدرسوا علماً، بل ليقتصوا من أحلامهم، فذهب رعد عبدالقادر ليقتص من لوركا، وذهب مالك المطلبي ليقتص من تشومسكي، وذهب خزعل الماجدي ليقتص من حقي الشبلي، وذهب خالد علي مصطفى ليقتص من إسحق سنجر، وذهب عبدالزهرة زكي ليقتص من إليوت، وذهب هشام عودة ليقتص من مسيرة التسوية، وذهب خالد مطلك ليقتص من النقد والنقاد .وذهب وذهب وذهب، قائمة طويلة من الذاهبين إلى قصاصهم، ونحن جلسنا إلى المقهى القديم وقلنا: لكم في القصاص حياة يا أولي الأقلام، اذهبوا وقاتلوا ونحن قاعدون هاهنا، وها قد مر علينا زمنٌ طويل، وتلاميذنا لم يرجعوا لنا بأي درس ينفعنا بقية العمر على الإطلاق".

إن البصمة الخاصة لصاحب ديوان "العاصفة تمر وتبقى الصحراء" تتجسد في قدرته على تطويع عنصر السرد في نصوص تبدو عسيرة

والبصمةُ الخاصة لصاحب ديوان "العاصفة تمر وتبقى الصحراء"، تتجسد في قدرته على تطويع عنصر السرد في نصوص تبدو في نسيجها الخام عسيرةً بل جافة، ففي ديوانه الجديد، أصوات مغاربية، فثمة تونس كثيراً وثمة المغرب بل حتى ليبيا، لا تسمع كاستعارات لغوية بل حضور الأمكنة والبشر بطريقة حية حتى تكاد أمواجُ البحر التي تصطدم بالموانئ تضربُ وجهكَ وأنت تقرأ الكلمات وترسم الصور وتسمع الإيقاعات أيضاً.

اقرأ أيضاً: زوجات الشعراء والكتاب

ومن لغة السوشيال ميديا يأخذ الشاعر مفردةً شائعة هي "أشتاقك" بدلاً من "أشتاق إليك"، ليجعلها حاضرةً في نص وجداني بعنوان "من تكونين": "أشتاقك عدد نوارس البحر في جرجيس، أشتاقك عدد حبات الرمل في تطاوين، أشتاقك عدد الأرقام في كتاب الحساب، أشتاقك عدد الحارقين في بحار الله، أشتاقك عدد الله في أفئدة المؤمنين، أشتاقك أنت وأنت من تكونين"؟

ديوان "العاصفة تمر وتبقى الصحراء"

"سيلفي" شعري

وبمقابل "إنستغرام" ثمة "سيلفي" كما في العنوان "سيلفي لفتاة جميلة يظهر فيه وجه شاعر هرم"، وهنا حضور للمفارقة القصدية (سيلفي-هرم)، فالأولى جملة تتصل كلياً بلحظة راهنة تتدفق عنفواناً حد الفوضى، بمقابل المفردة الثانية المتصلة بالشيخوخة والوهن، مثلما جاء متنُ النص كلاسيكياً في مقاربة العشق ولغته: "انهضي من نومك فقد أينع النخل، وهبت ريح على مدائننا، أنت يا من اسمك موجة ويا من اسمك بسمة ويا من اسمك سراب"، ثم في مقطعٍ تالٍ نقرأ "هيا انهضي، واقرئي سورة الغافيات على قبور أهلينا، أنت يا من اسمك موجة، ويا من اسمك جمرة، ويا من اسمك خراب".

اقرأ أيضاً: أشهر 10 شعراء مديح في التاريخ الإسلامي

لكنه يأخذ هذه اللغة إلى أسئلةٍ ومعارف ومعالم ونقائض فكرية ونفسانية كما في نص في "روليت روسي" وفيه: " لقد لعبت الروليت الروسي مرةً واحدة فقط في حياتي بالمسدس، لكني ما زلت ألعب الروليت الروسي كل يوم، بلا مسدس بل بروحي ضد كل تفاهة العالم ضد البلاهة، والقبح والغباوة والجهل وظلام الروح".

 

 

الشعر في المشهد اللاشعري

في نصٍ من الدارجة العراقية "الشعر الشعبي" كتبه الراحل غازي ثجيل، وشرح له من الشاعر حكمت الحاج يبين كيف صار لسنوات عنوان "بقايا الليل" البرنامج الإذاعي الكويتي الساهر الذي كانت تقدمه منى طالب بـ "صوتها العجيب"، نتعرف على حال من الشجن والحنين والسخرية المضمرة تضج بالشعر وإن كانت تتشكل من مشهد يبدو غير شعري، كالذي حضر مرة أخرى في نص "طريق داخل حسن"، الذي يعيد كلمات أغنية مطرب الريف العراقي الشهير، ومنها يعبر إلى مقهى في شارع الحبوبي بالناصرية (مدينة المطرب) حيث تجلس المطربة عفاف راضي بانتظار سيارة تأخذها إلى سوق الشيوخ في عمق الجنوب العراقي!

اقرأ أيضاً: قاسم حداد شاعر أقام ورشة للأمل فضاؤها الشعر

هنا فكرةٌ مهمة يتوصل إليها الحاج، فليس بالضرورة أن تكون لغةُ الشعر.. شاعريةً، فهنا لغة الحياة المتداولة هي الحاضرة لكن بناء المشهد بمفارقاته وبما يثيره من انفعالات هو الشعري.

الصفحة الرئيسية