"جزء من معركة أكبر ضد الاستبداد الديني"... تفاقم أزمة الحجاب الإلزامي في إيران

"جزء من معركة أكبر ضد الاستبداد الديني"... تفاقم أزمة الحجاب الإلزامي في إيران

"جزء من معركة أكبر ضد الاستبداد الديني"... تفاقم أزمة الحجاب الإلزامي في إيران


11/03/2025

بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف 8 آذار (مارس)، برزت ثنائية الحرية والقمع وما تعانيه المرأة في إيران؛ نتيجة التمييز بحقهن، والقوانين المتعسفة والإجراءات المتشددة لجهة تقييد وتصفية امتيازاتهن الاجتماعية والسياسية. وقد باغتت السلطات الإيرانية صحافيات شاركن في حفل تكريم يوم الخميس الماضي، بدعوى قضائية بحقهن، نتيجة ظهورهن بغير الحجاب الإجباري. 

وتقول وكالة (ميزان) الإخبارية التابعة للسلطة القضائية في إيران: إنّه جرى اتخاذ إجراءات قضائية ضد منظمي هذا التكريم والمشاركات فيه، خاصة اللواتي لم يلتزمن بالحجاب الإلزامي والقسري، والتهمة هي "التصرف المنافي للأخلاق العامة". ولا يُعدّ هذا الإجراء القضائي الأول من نوعه، بل له سوابق عديدة، حيث تباشر طهران حملاتها ضد النساء بوسائل شتى، سواء من خلال قوانينها المتعسفة أو شرطة الأخلاق أو رجال الدين المتشددين. كما تم توقيف المغنية الإيرانية الكردية هيوا سيفي زاده نهاية شباط (فبراير) الماضي، وذلك على خلفية حفل شاركت فيه بالغناء. 

جدل قانون العفاف والحجاب

بحسب منصة "إيران إنترناشيونال"، ففي بداية كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي وقّع أكثر من (140) صحافياً في إيران بياناً أعربوا فيه عن معارضتهم للقانون المسمّى "العفاف والحجاب"، ووصفوه بأنّه "أداة لفرض الرقابة على الصحافيين، وإنكار كرامة المواطنين الإيرانيين، وأنّه مخالف للدستور"، محذّرين من تفاقم الأزمات الاجتماعية. وأشارت تقارير، في الأيام الماضية، إلى زيادة إرسال رسائل نصية تتعلق بانتهاكات الحجاب الإجباري، ممّا أدى إلى فتح ملفات قضائية ضد المواطنين في إيران. ويتم إرسال هذه الرسائل النصية من قِبل مؤسسات مختلفة تابعة للنظام الإيراني، بما في ذلك السلطة القضائية.

تباشر طهران حملاتها ضد النساء بوسائل شتى، سواء من خلال قوانينها المتعسفة أو شرطة الأخلاق أو رجال الدين المتشددين

ومع اتساع المعارضة السياسية والمجتمعية لمحاولات تعميم الحجاب القسري في إيران، فإنّ عدة أصوات في دوائر رسمية ما تزال تتجه نحو حلحلة الوضع وتخفيف حدته، وقد عبّرت صحيفة (خراسان) عن رفضها تكرار الأخطاء السابقة والامتثال لنواب البرلمان الإيراني المتشددين بتنفيذ قانون الحجاب الإجباري، مشددة على أنّ الإدارة الحكيمة و"العقل السليم" لإدارة البلاد يتوجب معها ضرورة معالجة الأولويات الناجمة عن "الجروح الاقتصادية والاجتماعية" وعدم الذهاب إلى قرارات تفاقم الأزمات التي تؤدي إلى انفجار الوضع وتأزيمه أكثر فأكثر، بل "تزيد الطين بلة" حسب تعبيرها.

وتابعت: "الضغوط الاقتصادية المتراكمة جعلت مستوى تحمل الشعب منخفضاً جداً، وأيّ إجراء من هذا القبيل قد يكون شرارة تفجر النيران الكامنة، ولا يمكن التكهن بتبعات مثل هذه الأحداث. والأعداء في الخارج أيضاً يتربصون بإيران، ويعملون على استغلال أيّ توتر اجتماعي لتحقيق أهدافهم ومآربهم المشؤومة".

وأصدرت (30) منظمة حقوقية بياناً مشتركاً طالبت فيه بإنهاء التمييز ضد النساء والأقليات في إيران، وذلك بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة، الذي يوافق 8 آذار (مارس) من كل عام. وذكر موقع (هرانا)، المعني بحقوق الإنسان في إيران، قائمة بـ (127) سجينة سياسية و(18) شخصية بارزة متورطة في انتهاك حقوق النساء  خلال العام الماضي. وفي البيان ذاته أكدت المنظمات الحقوقية الإيرانية والدولية أهمية الاعتراف بسرد قصص النساء اللاتي سُجِنّ في ظل الأنظمة العنصرية والطبقية.

ووصفت هذه المنظمات عقوبة الإعدام بأنّها تعسفية وغير إنسانية تستهدف الأقليات بشكل غير عادل وتمييزي، وطالبت بإلغائها. وأشارت إلى استمرار انتهاكات حقوق النساء والأقليات الجندرية في إيران، وأكدت أنّ الحفاظ على الوحدة في هذا النضال أصبح أكثر أهمية من أيّ وقت مضى. ومن بين الموقّعين على البيان: "مجموعات نشطاء حقوق الإنسان في إيران"، و"مركز عبد الرحمن برومند لحقوق الإنسان في إيران"، و"شبكة آسيا ضد عقوبة الإعدام"، و"مركز كورنيل لعقوبة الإعدام في العالم"، و"التحالف العالمي ضد عقوبة الإعدام"، و"منظمة حقوق الإنسان الإيرانية".

وضع حقوقي مأزوم

في حديثه لـ (حفريات) يوضح المعارض الإيراني علي رضا أنّ أزمة الحجاب القسري في إيران هي انعكاس للوضع الحقوقي المأزوم في ظل سلطة وحكومة دينية لها قيمها التي تفرضها لغايات سياسية خفية تتصل بفرض نموذجها الإيديولوجي وإدامة عملية التمكين في الحكم. كما أنّها تعكس حجم التوترات والصراع بين السلطات الدينية والمجتمع المدني الساعي إلى الحريات وحلحلة هذه الأنماط القديمة والبدائية. فالأزمة بدأت منذ الثورة الخمينية عام 1979 بمجرد فرض الخميني الحجاب كقانون إلزامي على جميع النساء، بغضّ النظر عن خلفياتهن الدينية أو الثقافية، وقد تحول الأمر إلى صراع يتجاوز جانبه الفئوي إلى نموذج عن الحريات الشخصية وحقوق المرأة في إيران.

مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمرشد الأعلي للثورة الإسلامية: آية الله الخميني

وبحسب المعارض الإيراني، فإنّه قبل الثورة الخمينية كانت إيران تتمتع بحرية نسبية في فترة الشاه، وقد اكتسبت المرأة جملة من الحقوق والامتيازات السياسية والقانونية، في ظل سياسات تحديثية نجحت في زيادة مشاركة النساء في المجال العام. ثم ما لبثت قوانين "الجمهور الإسلامية" المتشددة أن هضمت حقوق المرأة، و"عادت بها إلى الوراء"، بداية من تحديد نمط محدد في اللبس وفرض الحجاب القسري، وتشكيل قيود على مشاركة المرأة في المجال العام، حتى في ما يتصل بحقوق لها علاقة بالأحوال الشخصية مثل سن الزواج.

وتفاقمت الأمور مع ظهور شرطة الأخلاق، وفق المصدر ذاته، المتورطة في انتهاكات وجرائم جمة، أبرزها مقتل الفتاة الكردية الإيرانية مهسا/ زينة أميني. ويقول: "يقوم هذا الجهاز الأمني بمراقبة النساء بطريقة عنيفة، ويشن حملات قمع متشددة، ويفرض عقوبات تشمل الغرامات والاعتقال، فضلاً عن الضرب والاعتداءات التي تتسبب في القتل ناهيك عن الإهانات اللفظية المشينة". 

لكن رغم القمع الشديد لم تتوقف النساء الإيرانيات عن تحدي الحجاب القسري، والاستمرار في احتجاجات متصاعدة على مدار العقود الماضية. ومن أبرز هذه الاحتجاجات "الأربعاء البيضاء"، التي بدأت عام 2017، حيث ترتدي النساء ملابس بيضاء أو يخلعن حجابهن علانية للتعبير عن رفضهن للحجاب الإلزامي. وقبل (3) أعوام اندلعت موجة غضب غير مسبوقة، إثر مقتل أميني على يد قوات شرطة الأخلاق بالشارع، فخرجت احتجاجات واسعة في كافة المدن الإيرانية تقريباً، مطالبة بإنهاء القوانين القمعية، وقد سجلت هذه الاحتجاجات تحولاً نوعياً في تكتيكاتها لمقاومة السلطة، وكانت رمزية إلى حد كبير، مثل الإطاحة بعمائم رجال الدين في الشوارع.

في المحصلة؛ يصف المعارض الإيراني أزمة الحجاب الإلزامي في إيران بأنّها جزء من معركة أكبر هي "ضدّ الاستبداد الديني". 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية