مكافحة التطرف العنيف في بنغلاديش

مكافحة التطرف العنيف في بنغلاديش

مكافحة التطرف العنيف في بنغلاديش


18/03/2023

شافي مصطفى

في سبتمبر 2022، كشفت كتيبة التدخل السريع، وحدة نخبة لمكافحة الإرهاب تابعة لشرطة بنجلاديش، عن ظهور منظمةٍ متشددة جديدة، تدعى جماعة الأنصار في الهند الشرقية. وأكدت الشرطة أن هذه الجماعة تشكّلت في عام 2019. جاء أعضاؤها من صفوف “جماعة المجاهدين في بنجلاديش”، و”أنصار الإسلام”، و”حركة الجهاد الإسلامي في بنجلاديش”. ومنذ ذلك الحين، تعمل سرًا لتوسيع شبكتها وجمع التمويل.

تؤكد هذه التصريحات ما توقعته في عام 2020. أولًا، توقعتُ أنه منذ عام 2018، كان التشدد في بنجلاديش في مرحلة كمون بغرض التجنيد وجمع الأموال. السبب الذي طرحته هو أن العمليات الأمنية بعد هجوم مقهى “هولي آرتسان” في عام 2016، الذي أسفر عن مقتل حوالي 100 مسلح، واعتقال 500 آخرين، وجهت ضربة قوية لقدرة الجماعة على العمل، لكنها لم تثبط عزيمتها على الانضمام إلى الجماعات المتطرفة.

الشيء الثاني الذي توقعته هو أن تنظيم داعش فقد أساسه الأيديولوجي الذي يجذب الشباب، بسبب وفاة الخليفة البغدادي، وزوال الخلافة، الأرض التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا. لذلك، سيحل تنظيم القاعدة محل داعش في بنجلاديش بسبب أيديولوجيته المصممة خصيصًا لشباب شبه القارة الهندية المهتمين بما يُطلق عليه “غزوة الهند” أو الحرب المقدسة في هندوستان. كما أدّت سياسة حكومة حزب بهاراتيا جاناتا المعادية للمسلمين إلى تبرير أيديولوجية تنظيم القاعدة للشباب المسلم.

يشير ظهور جماعة الأنصار في الهند الشرقية، واعتقال قرابة 50 مسلحًا مرتبطين بها إلى أنهم استغلوا السنوات الخمس من الكمون لتجهيز أنفسهم بقاعدة صلبة لتوسيع شبكتهم. وتشير التقارير أيضًا إلى انتمائها إلى تنظيم القاعدة. هذا هو السبب في أن استراتيجيات مكافحة الإرهاب التي اعتمدتها الحكومة فشلت في معالجة قضايا التطرف في بنجلاديش.

هوية وطنية مشوشة

تكافح بنجلاديش كدولة قومية حديثة منذ فترة طويلة منذ استقلالها في عام 1971 للاستقرار على هوية وطنية، تتأرجح بين العلمانية والإسلام. من الواضح أن هذا النقاش قسّم الأمة إلى معسكرين. أحدهما ينافح عن الإسلام، والآخر يُركّز على العلمانية. ويتضح هذا التذبذب عند النظر إلى دستور الدولة، الذي يحيل العلمانية إلى سياسة الدولة، لكنه يُبقي الإسلام دين الدولة. هذه الهوية الوطنية المشوشة تسهم في حالة الانقسام هذه

طالبت مجموعة من المدونين بعقوبة الإعدام للزعماء الإسلامويين المتهمين بارتكاب جرائم حرب، كما طالبت بحظر السياسة القائمة على الدين. كانت هذه الحركة مدعومة من قِبل عددٍ كبير من سكان الدولة، وفي مرحلةٍ ما، وافق البرلمان أيضًا على مطالبها. وقد أدّى ذلك إلى رد فعل عنيف بين الجماعات الإسلاموية. وعلى هذا النحو، توافدوا أيضًا إلى دكا بأعدادٍ كبيرة للمطالبة بميثاق يتكون من 13 نقطة، بما في ذلك عقوبة الإعدام للمدونين الملحدين. وقد عزّز هذا الانقسام التعصب في المجتمع.

أصبحت السياسة الحزبية والانتقام السياسي بين رابطة عوامي والحزب الوطني البنجالي (BNP) ظاهرة شائعة. وعليه، تُعطى الأولوية لاستراتيجية “العين بالعين” لتحقيق الأهداف الحزبية على حساب الاهتمامات الوطنية. لم تؤدِّ هذه السياسة الحزبية إلى تسييس المؤسسات الاجتماعية والسياسية فحسب، بل أيضًا إلى تسييس الجهاز الحكومي برمته من خلال تعيين أهل الثقة على حساب أهل الجدارة. إن الحكم السيئ والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان أمور شائعة في بنجلاديش، ما يثير استياء خطير في أوساط الشباب.

ثلاثة أجيال من المسلحين

أنتجت ثلاثة حروب في الشرق الأوسط ثلاثة أجيال من المسلحين في بنجلاديش. استلهم الجيل الأول من المقاتلين من النضال الفلسطيني من أجل الاستقلال، الذي شكّل في نهاية المطاف جماعة “ميلات باهيني الإسلامية” في عام 1986. وتشير التقارير إلى أن أكثر من 8,000 مقاتل بنغالي سافروا إلى لبنان للقتال من أجل الفلسطينيين. توفي قرابة 100 شخص، وسافر بعضهم إلى أوروبا، واختار آخرون البقاء في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فلا يزال عدد العائدين إلى ديارهم غير معروف.

من الواضح أن الجيل الثاني متأثر بأيديولوجية طالبان التي قاتلت ضد السوفييت في التسعينيات، وشكّل عددًا لا يُحصى من الجماعات المسلحة في بنجلاديش في أواخر الفترة ذاتها، بما في ذلك “جماعة المجاهدين في بنجلاديش”، و”الصحوة الإسلامية في بنجلاديش”، وحركة “الجهاد الإسلامي في بنجلاديش”. ففي تلك الفترة، عاد ألف من قدامى المحاربين الأفغان إلى ديارهم بأيديولوجية واتصالات طالبان المتطرفة.

تأثّر الجيل الثالث من المسلحين بشدة بالأحداث في العراق وسوريا وأفغانستان، التي عزّزت نمو جماعة المجاهدين في بنجلاديش الجديدة التابعة لتنظيم داعش، وجماعة أنصار الإسلام التابعة لتنظيم القاعدة في بنجلاديش. هذا الجيل من المتشددين هم في الغالب متطرفون عبر الإنترنت. معظمهم من عائلات ثرية ذات خلفيات علمانية حضرية.

وهكذا، يبدو أن أيديولوجية مظلومية المسلمين، ودعم قضية الأمة أو الإخوان المسلمين، والخلافة، والجهاد تحفّز التطرف الإسلاموي في بنجلاديش.

حدث كاشف

لقد كان هجوم مقهى هولي أرتيسان في عام 2016 فصلًا سيئ السمعة، وكاشفًا في تاريخ بنجلاديش، حيث أسفر عن مقتل أكثر من 20 مدنيًا من بينهم أجانب في المنطقة الدبلوماسية. لم يكن يوجد في حقبة ما قبل عام 2016 أو حقبة “هولي أرتيسان” استراتيجيات لمنع التطرف العنيف أو مكافحته باستثناء صياغة قانون مكافحة الإرهاب لعام 2009 وتشكيلات وحدة مكافحة الإرهاب والجريمة عبر الوطنية التابعة لشرطة العاصمة دكا في فبراير 2016 برئاسة نائب المفتش العام.

لقد وضع قانون مكافحة الإرهاب لعام 2009 لمقاضاة مرتكبي الأنشطة الإرهابية والمؤسسات المالية التي يستخدمها الإرهابيون على وجه التحديد. ثم عُدِّل هذا القانون في عامي 2012 و2013. وأدخلت عقوبة الإعدام على جرائم محددة وأعُيد النظر في قانون الأدلة، حيث سمح باستخدام فيسبوك أو سكايب أو تويتر أو واتساب أو الرسائل أو الاتصالات عبر الإنترنت كأدلة في المحاكم.

وفقًا لذلك، تعتبر الصور ومقاطع الفيديو أدلة مقبولة قانونيًا. كما حدد التعديل مهلة زمنية للتحقيق. الآن، يتعين الانتهاء من أي قضية مرفوعة بموجب هذا القانون، يحقق فيها أي ضابط شرطة، في غضون 60 يومًا من تاريخ تلقي المعلومات أو تسجيلها بموجب المادة 154 من قانون الإجراءات الجنائية.

صممت وحدة مكافحة الإرهاب والجريمة عبر الوطنية لمساعدة الوحدات الأخرى في توفير المعلومات الاستخباراتية، ومراقبة الإرهابيين المشتبه بهم، والمسائل ذات الصلة اللازمة لمكافحة التطرف. وتشمل المهام الأخرى لهذه الوحدة: منع الهجمات الإرهابية من خلال الشرطة التي تقودها الاستخبارات، ومنع الأفراد من أن يصبحوا إرهابيين أو يدعموهم، وضمان التحقيق المهني في الحوادث الإرهابية والجرائم السيبرانية والجرائم المنظمة عبر الوطنية. وقال رئيسها آنذاك، منير الإسلام، لوسائل الإعلام إن “الوحدة ستعمل بشكلٍ أساسي على مكافحة الجرائم الإلكترونية، وتمويل الإرهاب والجرائم المتعلقة بالخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول”.

خطط منع الإرهاب

ومع ذلك، فإن استراتيجيات مكافحة التطرف العنيف بعد هجوم “هولي أرتيسان” لا تزال غير منهجية وتعتمد بشكلٍ كبير على الاستجابات الأمنية. وبعد دراسة خطورة التحديات ذات الصلة من المتشددين الإسلامويين، وافقت الحكومة على تنفيذ مشروع تبلغ قيمته حوالي 35 مليون دولار، في عام 2018، لبناء “مركز مكافحة الإرهاب ومنع الجريمة الدولية”، على مدار خمس سنوات.

في إطار هذا المشروع، وبصرف النظر عن بناء مبنى مكون من 13 طابقًا في العاصمة لهذا المركز، وشراء اللوازم اللوجستية لمكافحة الإرهاب، بدأت شرطة العاصمة في دكا استراتيجية من 4 مستويات لمكافحة التطرف العنيف.

عن "عين أوروبية على التطرف"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية