مصير الناشط سجاد العراقي يؤجج الصراع بين الحكومة وحراك "تشرين"

مصير الناشط سجاد العراقي يؤجج الصراع بين الحكومة وحراك "تشرين"


10/02/2021

احتدمت المواجهات، مجدداً، بين المحتجين العراقيين والقوى الأمنية، في مدينة الناصرية، جنوب بغداد، على خلفية استئناف تظاهراتهم للمطالبة بالكشف عن مصير الناشط العراقي، سجاد العراقي، والذي جرى اختطافه، منتصف سبتمبر (أيلول) العام الماضي، بينما اتهم الناشطون في الحراك السياسي المندلع، منذ تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، الميلشيات المدعومة من طهران، وتحديداً ميليشيا بدر، بالوقوف وراء تنفيذ عملية الإخفاء القسري للناشط العراقي، لاسيما وأنّ عدداً كبيراً من الناشطين والكتاب تعرضوا للقتل بواسطة عناصر من التنظيمات الولائية، من بينهم الخبير الأمني، هشام الهاشمي، والطبيبة العراقية، ريهام يعقوب، وقد قتل نحو 600 شخص، و30 ألف قتيل.

معضلة السلاح "غير الشرعي" في العراق

ولذلك؛ عمد رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى الضغط من أجل وضع حدّ للسلاح المنفلت بيد الفصائل والميليشيات المدعومة من إيران، وهاجم حوادث القتل والاعتداء المختلفة التي جرت بحق المتظاهرين؛ فأصدر قراراً، في أعقاب الأحداث الدموية التي شهدتها التظاهرات في جنوب العراق، يقضي بحظر سفر مدير خلية الأزمة، الفريق جميل الشمري، المكلف بالتعامل مع الاحتجاجات والاضطرابات الأمنية، في محافظة ذي قار، بعد الاتهامات بتورطه في قتل متظاهرين بالناصرية.

إذ إنّه بعد يومين من تكليف مدير خلية الأزمة بمعالجة التداعيات المترتبة على التظاهرات الشعبية، نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، نفذت القوات الأمنية حملة قمعية واسعة النطاق، وصفها ناشطون بـ"المجزرة"؛ حيث سقط 70 قتيلاً، وأكثر من 225 جريحاً، ما تسبب في إقالة الشمري ومنعه من السفر.

وقال الناطق الرسمي بلسان رئيس الوزراء، أحمد ملا طلال، إنّ "القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي وجه بإصدار قرار منع سفر بحق الفريق جميل الشمري، لتورطه في قضايا قتل المتظاهرين في الناصرية"، وتابع: "إنّ القرار جاء إثر منح الفريق إجازة وهمية للعلاج خارج العراق".

حذّر الكثير من المراقبين والإعلاميين من خطورة زج العشائر الشيعية لمواجهة الدولة وأجهزتها الأمنية، وضرورة التراجع عن التلاعب بها، من أجل المصالح الضيقة

كما قام الكاظمي بزيارات مباغتة للسجون العراقية، في ذروة الاحتجاجات، واستهداف الناشطين، لضمان عدم وجود موقوفين من حراك "تشرين"، وفي المقابل، صعدت ميليشيات عصائب أهل الحق، برئاسة قيس الخزعلي، حدة المواجهات والملاسنات مع رئيس الحكومة، خاصة بعد توجيهات الأخير إلى قوات مكافحة الإرهاب، في مدينة الناصرية، بضرورة ملاحقة خاطفي سجاد العراقي؛ فتحركت قوة أمنية خاصة، مدعومة بمروحيات تابعة للجيش العراقي، للبحث عن الناشط العراقي المختطف.

هل تحاصر الميلشيات الدولة؟

حاصرت القوات العسكرية والأمنية، لمدة يومين متتاليين، مجموعة من المنازل المشتبه في استخدامها كسجون سرية للمنظمات التابعة للحشد، وتحديداً منظمة "بدر"، برئاسة هادي العامري، والمتهمة على نحو مباشر بتنفيذ اختطاف سجاد.

اقرأ أيضاً: أزمة الكهرباء العراقية تتفاقم... ما علاقة إيران؟ وما أسباب تأخر الربط الخليجي؟

وغرد القيادي في عصائب أهل الحق، جواد الطليباوي، عبر حسابه الرسمي، على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "لولا تضحيات عشائر ذي قار لما تحقق النصر، ولما كانت هناك هيبة للدولة. لذلك من المعيب استعراض الكاظمي بجهاز مكافحة الإرهاب على أبناء عشائرنا في ذي قار، واستخدامه لترويعهم، بذريعة وجود شخص مخطوف".

التغريدة، التي نشرها القيادي في عصائب أهل الحق، حملت تعبئة صريحة ضد الحكومة العراقية، ومحاولة لتأليب القبائل وتحريض العشائر على الدولة، والدفع بالصدام المباشر بينهما، الأمر الذي أعاق، بصورة كبيرة، نجاح مهمة القوى الأمنية بخصوص تحرير الناشط العراقي، حتى الآن.

اقرأ أيضاً: إيران الأولى والعراق الثانية في أعداد الوفيات بكورونا في الشرق الأوسط... تفاصيل

ويرى الباحث العراقي، الدكتور محمد نعناع، أنّ خروج التظاهرات الأخيرة للمطالبة بالكشف عن مصير الناشط العراقي وتحريره، جاء بعد أن "استبد اليأس برفاق سجاد العراقي من الجهود الحكومية، فصعدوا ميدانياً، وقاموا بعدة احتجاجات، ولكنّها ستبقى احتجاجات ضعيفة وغير مؤثرة، خصوصاً بعد قيام الكاظمي بتنفيذ مذكرات إلقاء قبض بحق الناشطين، وليس ضد من يقوم باستهدافهم".

لماذا سجاد العراقي؟

ما ساهم في استمرار اختطاف سجاد العراقي، بحسب نعناع، هو "تنصل التيار الصدري، وزعيمه مقتدى الصدر، من دعم القوات الأمنية في مواجهة الميليشيات، وتراجعهم عن تطبيق مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، وذلك بالاصطفاف طائفياً مع التنظيمات الولائية، إثر مقتل القائدين في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وأبي مهدي المهندس، فلم يدعموا الدور الذي يقوم به جهاز مكافحة الإرهاب، مما زاد من توحش الميليشيات وجسارتهم على مواجهة القوات الأمنية، وبالتبعية، فشل جهود تحرير الناشط سجاد العراقي".

الباحث العراقي د. محمد نعناع

ويضيف الباحث العراقي لـ"حفريات": "استطاع الناشط العراقي تكوين روابط واسعة داخل الحركة الاحتجاجية، كما أقنع الكثير من الشباب من أجل عمل منظم، يركز من خلاله على خطاب مباشر مفاده أنّ الذي يحمي الفاسدين هم الميليشيات الذين يستفيدون من بقاء الفساد وضعف الدولة، لذلك قررت هذه الميليشيات إسكاته بواسطة اختطافه، فضلاً عن استجوابه لمعرفة من يحركه، ويموله، ويرسم له الخطط، التي يدير بها الروابط داخل الحركة الاحتجاجية".

الباحث العراقي محمد نعناع لـ"حفريات": تبنى سجاد العراقي خطاباً مباشراً مفاده أنّ الذي يحمي الفاسدين هم الميليشيات، لذلك تقرر إسكاته بواسطة اختطافه

منذ مطلع الأسبوع، لم تخفت وتيرة الاحتجاجات، في ساحة الحبوبي، وسط الناصرية، للضغط على الحكومة بهدف تحرير الناشط العراقي، وإطلاق سراحه، كما تجمعت عناصر مكافحة الشغب، بالإضافة إلى قوات الجيش العراقي، للحد من التصعيد من قبل المحتجين، واللافت أنّ المظاهرات الأخيرة تتزامن والمعلومات المتضاربة التي انتشرت بشأن انتقال "العراقي" إلى سجن مطار المثنى، في العاصمة العراقية، بغداد، وقد نفى ذلك مصدر أمني لوسائل الإعلام المحلية العراقية؛ إذ قال إنّ "سجاد العراقي نقل من قضاء سيد دخيل إلى أقصى جنوبي قضاء سوق الشيوخ، عند إحدى العشائر، بعد محاولته الهرب من الجهة التي كانت تحتجزه في سيد دخيل"، ويضيف: "كادت حملة التفتيش أن تفجر نزاعاً مسلحاً مع أبناء العشائر، بسبب تفتيش قوات الأمن لمنازل وجهاء وشيوخ عشائر، وفي النهاية لم تنجح الحملة في الوصول إلى مكان الناشط".

الميلشيات وتوظيف الصراع العشائري

وتشير وكالة أنباء الإعلام العراقي، إلى أنّ المتظاهرين أغلقوا دوائر حكومية وطرقاً في المحافظة الواقعة جنوب العراق، بالإضافة إلى بعض الدوائر والطرق الرئيسية، في محافظة واسط، وقد طالبوا بإسقاط الحكومة المحلية في المدينة، وأضافت: "عاود متظاهرو ذي قار، جنوبي العراق، قطع جسر الحضارات وسط مدينة الناصرية مركز المحافظة".

وأبلغ نعناع "حفريات" بأنّ الناشط العراقي "تمّ احتجازه في إحدى المزارع في أطراف الناصرية، وهذه المزرعة تحيط بها عشائر موالية لكتائب حزب الله، وكذلك يتواجد فيها بيوت لقادة في الحشد الشعبي، مما ساعد في إيقاف التحركات التي قام بها جهاز مكافحة الإرهاب لتحرير الناشط المخطوف (سجاد العراقي)، وهذا ما دعا الكثير من المراقبين والإعلاميين إلى الحديث عن خطورة زج العشائر الشيعية لمواجهة الدولة وأجهزتها الأمنية، وضرورة التراجع عن التلاعب بها، من أجل المصالح الضيقة التي ترتبط بأجندات خارجية، وذلك في إشارة إلى إيران".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية