مصر تتقدّم على تركيا وقطر لوقف إطلاق النار في غزة

مصر تتقدّم على تركيا وقطر لوقف إطلاق النار في غزة


كاتب ومترجم فلسطيني‎
09/06/2021

أشاد إسرائيليون بتصدّر مصر الجهود المبذولة لتثبيت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، بعيداً عن أيّ وجود لدور تركي وقطري في المفاوضات الجارية، حيث تنظر إسرائيل لهذه الخطوة على أنّها تصبّ في مصلحتها ، خاصّة أنّ المعلومات المتواردة لإسرائيل تفيد بأنّ النظام المصري ما يزال يكره حماس، وتتعامل مصر بجهودها من خلال دوائرها الاستخباراتية وليست الدبلوماسية، وذلك لنزع الشرعية عن فصائل المقاومة.

ولعبت قطر دوراً خفياً بينما تراجع الدور التركي بشكل ملحوظ خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وذلك على غرار المواقف والجهود التي مارستها كلٌّ من تركيا وقطر خلال الحروب الإسرائيلية الثلاثة السابقة، خاصةً تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والتي لطالما شكلت إزعاجاً لإسرائيل.

ونجحت مصر بجهود أكثر وضوحاً وبروزاً مما كانت عليه في السنوات الماضية، في وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بعد 11 يوماً من التصعيد العسكري بين الجانبين، حيث تكللت جهود مصر بالتوصل إلى تهدئة في 20 أيار (مايو) الماضي، فيما لاقت الجهود المصرية إشادة دولية واقليمية واسعة، والتي ما تزال متواصلة من قبل جهاز المخابرات العامة، الذي يواصل جولاته المكوكية لتثبيت وقف إطلاق النار، ومناقشة القضايا الخلافية بين إسرائيل وحماس.

دور مصر الفاعل

ورأى إسرائيليون أنّ نجاح القاهرة في وقف إطلاق النار، يشكّل رافعة للدور المصري الإقليمي والدولي، فقد لقي الموقف المصري ترحيباً من الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وقد أجبر الدور المصري الفاعل الإدارة الأمريكية على الانتقال إلى العمل المشترك بين واشنطن ومصر من أجل استعادة الهدوء للمنطقة، وبالمقابل سيساعد هذا التعاون على محاباة الإرهاب والتطرف.

موقف مصر في تدخلها السريع لوقف إطلاق النار، شكّل طوق نجاة لإسرائيل، خاصة بعد أن منيت إسرائيل بدرجة عالية من القلق في المحيط العربي والدولي بعد العدوان

وقالت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، إنّ زيارة رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، لإسرائيل، تعدّ إنجازاً هائلاً وتمثل المشاركة الأكثر جوهرية بين مصر وإسرائيل على المسار الدبلوماسي، حيث عززت هذه الزيارة جهود الدولتين حول القضايا المتعلقة بالأمن والسياسة.

ورأت صحيفة "إيديعوت أحرونوت" العبرية، أنّ مصر هي المحور الرئيس لكلّ المحادثات الجارية، ومن دون ذلك لن يكون هناك تقدم حقيقي في القضايا العالقة، في حين تستفيد إسرائيل من دور مصر الفاعل، من خلال الضغط عليها لضمان منع تهريب الأسلحة إلى غزة عبر الحدود المصرية، والتي تعدّ المنفذ الوحيد أمام حماس لتهريب المال السلاح.

وقال الخبير العسكري الإسرائيلي، عيران ليرمان، إنّ إسرائيل لديها أسباب للترحيب بدور مصر وإعادة العلاقات بين القاهرة وواشنطن، ففي السنوات الأخيرة أقيمت علاقات أمنية واستخباراتية مهمة بين إسرائيل ومصر، يضاف إليها الصفقات الاقتصادية والشراكة في إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، وكذلك الانتماء السياسي الإستراتيجي المتزايد لليونان وقبرص والإمارات وفرنسا، في مواجهة سياسات الرئيس التركي أردوغان الطموحة والخطيرة في المنطقة.

اقرأ أيضاً: لماذا تربط إسرائيل التهدئة وإعمار غزة بإعادة أسراها؟

وأشار إلى أنّ إسرائيل ترى في القاهرة العنوان السياسي الوحيد الذي يمكن أن يقود جهود التوسط بين إسرائيل وحماس بعيداً عن تركيا وقطر، انطلاقاً من إدراك إسرائيل عمق الكراهية التي تسود بين نظام السيسي وحماس كذراع للإخوان المسلمين، والذي أطاح بـالجماعة، في (تموز) يوليو 2013، في ميدان رابعة، ما شكّل عقبة كبيرة في طريق وقف إطلاق النار خلال الحروب السابقة، لكن الأمور باتت مختلفة الآن.

ارتياح إسرائيلي

بدوره، بيّن الكاتب والمحلل السياسي، خالد صادق؛ أنّ" مصر كواحدة من دول الشرق الأوسط، لديها علاقات قوية ومهمة على الصعيد الدبلوماسي مع إسرائيل، لذلك بروز مصر في صدارة المفاوضات، منح ذلك الإسرائيليين درجة من الأمان والارتياح المبنية على التعاون المصري مع إسرائيل، لذلك إسرائيل ستحاول تعزيز موقف مصر خلال المفاوضات، وستعطيها بعض التنازلات للحفاظ على العلاقات الثنائية".

الكاتب والمحلل السياسي، خالد صادق

 وأشار صادق، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ "الإدارة الأمريكية عززت، منذ بدء الحرب دعم الدور المصري على حساب قطر كدولة ممولة وذلك لأسباب، منها؛ أنّ مصر لا تقيم تعاوناً دبلوماسياً مع حماس في غزة، وتعتبر السلطة الفلسطينية التي على خلاف قائم مع حماس هي الممثل الشرعي وهذه الخطوة في مصلحة إسرائيل، أما قطر وتركيا فلهما علاقات قوية ومباشرة مع حماس على حساب السلطة الفلسطينية، وتريان أنّ حماس هي صاحبة أيّ قرار، وهذا لا يخدم إسرائيل".

دور مصر الرقابي

وأضاف أنّ "إسرائيل ترى في تولي مصر إدارة إعمار غزة ضمن الاقتراحات التي قدمتها مؤخراً، خطوة ستنعكس بشكل إيجابي على إسرائيل"؛ لأنّ عملية الإعمار ستكون أكثر ليونة دون خلافات، كما حصل سابقاً، كما أنّ الدور الرقابي من قبل مصر على إدارة عملية الإعمار، سيحد من إمكانية استغلال حركات المقاومة مواد وأموال الإعمار لتعزيز قدراتها العسكرية".

المحلل الفلسطيني شاكر شبات لـ "حفريات": "إسرائيل تعي جيداً أنّ حلّ الأزمات مع غزة يتطلب تعاوناً مع مصر، لأنّها الوحيدة التي تستطيع فرض شروطها على حماس

وبسؤاله عن تراجع مواقف قطر وتركيا خلال جولة المفاوضات التي تجري بين حماس وإسرائيل، أجاب الكاتب والمحلل السياسي؛ أنّ "قطر لم يغيب دورها خلال جهود وقف إطلاق النار وقدمت منحة مالية للإعمار، لكنّها تلعب دوراً خفياً من خلال توجيه حماس سياسياً، أما عن عدم بروزها إعلامياً فقد جاء ذلك بطلب من إسرائيل، التي دعت قطر بالكف عن الدعم والترويج لحماس إعلامياً، أما عن غياب دور تركيا الاسنادي والسياسي، فهذا جاء من باب حرص تركيا على ترميم علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، لذلك تراجعت عن التنديد والشجب لضمان سير جهود ترميم العلاقات مع إسرائيل". 

اقرأ أيضاً: الإمارات تساند أهل غزة لتجاوز تداعيات العدوان الإسرائيلي

وبالرغم من الثقة والارتياح الواسع الذي تبديه إسرائيل من مواصلة مصر تثبيت وقف إطلاق النار والضغط على حماس في غزة، لمنعها من إطلاق النار نحو إسرائيل لضمان سير عملية إعادة الإعمار دون عوائق، عبرت إسرائيل عن بالغ قلقها إزاء ما يحدث على المعابر بين غزة ومصر، ففي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل منع إدخال العديد من السلع عبر معابرها مع غزة، تعمل مصر على نقل هذه السلع والبضائع من خلال معابرها إلى غزة.

تجاوز سياسات إسرائيل

في سياق ذلك، قال الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي، شاكر شبات، إنّ "خطوة مصر في إدخال البضائع الممنوعة إسرائيلياً إلى غزة، تأتي من باب حرص مصر على دفع المفاوضات الحالية إلى الأمام، وتجاوز السياسات الإسرائيلية التي تعيق فرص نجاح وتقدم المفاوضات".

الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي، شاكر شبات

وأضاف شبات، في حديثه لـ "حفريات": "إسرائيل تعي جيداً أنّ حلّ الأزمات مع غزة يتطلب تعاوناً كبيراً مع مصر، لأنّ مصر هي الدولة الوحيدة التي تستطيع فرض شروطها على حماس، على اعتبار أنّ مصر منفذ غزة الوحيد على العالم، لذلك المبادرات والوساطات المصرية تعدّ فرصة لإسرائيل حتى وإن كان لها ثمن سياسي".

وأكّد أنّ "مصر تعدّ دولة ذات ثقل سياسي كبير في المنطقة، ولها تأثيرها القومي والإقليمي، لذلك ترحيب إسرائيل بدورها في المفاوضات الجارية، يأتي على اعتبار أنّ مصر ترتبط بعلاقات قوية مع إسرائيل، وتنبذ مصر فكرة الكفاح المسلح في حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بالتالي، تعبّر إسرائيل عن ارتياحها لحرص مصر على حلّ القضايا العالقة سلمياً عبر المفاوضات".

طوق نجاة

وأوضح أنّ "موقف مصر في تدخلها السريع لوقف إطلاق النار، شكّل طوق نجاة لإسرائيل، خاصة بعد أن منيت إسرائيل بدرجة عالية من القلق في المحيط العربي والدولي خلال موجة التصعيد، وذلك بعد اتساع رقعة الاستنكار والتنديد والاحتجاجات العالمية، بعد مشاهدة صور الدمار والمجازر التي حلت بالفلسطينيين على الشاشات".

اقرأ أيضاً: هل يكون العدوان على غزة القشة التي قصمت ظهر نتنياهو؟

وتابع المختص في الشأن الإسرائيلي؛ بأنّ "تعزيز مصر موقعها في المنطقة يمثل فرصة عظيمة لإسرائيل لتقوية العلاقات مع القاهرة، لأنّه في السنوات الأخيرة ازدهرت العلاقات الأمنية بين البلدين، وتركزت بشكل أساسي على القضايا الأمنية، كما أنّ إنشاء منتدى غاز حوض شرق المتوسط في القاهرة الذي تشارك فيه إسرائيل والسلطة الفلسطينية، سيعزز دور إسرائيل في الحصول على المزيد من حقول الغاز في شرق المتوسط، تزامناً مع تزايد الأطماع التي تبديها تركيا في البحث المتواصل عن الغاز في المنطقة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية