مشكلة الوقود تطارد المواطن السوري الغارق في الأزمات

مشكلة الوقود تطارد المواطن السوري الغارق في الأزمات


19/09/2020

"يبدو الأمر كما لو أنّ المدن معطلة؛ الشوارع فارغة إلا من بعض الدراجات النارية، وكأنّ المدن تصير مهجورة، الحصول على مستحقات الوقود للسيارات اليوم أمر في غاية الصعوبة"؛ هذا ما قاله الشاب السوري هاني (اسم مستعار) لـ "حفريات"، في ظلّ تفاقم أزمة الوقود في سوريا، منذ مطلع شهر أيلول (سبتمبر) الحالي؛ إذ زاد الخناق على المواطنين السوريين، جراء الأزمة الأخيرة التي تضاف إلى أزمات عديدة تعاني منها البلاد، مثل أزمة الخبز وأسطوانات الغازات، التي حوّلت حياة السوريين إلى الوقوف في طوابير انتظار طويلة للحصول على ربطة خبز أو أسطوانة غاز، ومؤخراً بدأ السوريون يتناقلون على مواقع السوشيال ميديا صور طوابير السيارات التي تنتظر من مسافات بعيدة الوصول إلى محطة البنزين.

...

وكان موقع قناة "حلب اليوم" الفضائية قد نشر تقريراً، بتاريخ 5 أيلول (سبتمبر)، أشار فيه إلى أنّ صحيفة "الوطن"، الموالية للنظام السوري، قد نقلت على لسان مصدر مسؤول في وزارة النفط، بتاريخ 4 أيلول (سبتمبر)؛ أنّ الوزارة قرّرت تخفيض كمية تعبئة البنزين للسيارات الخاصة من 40 إلى 30 لتراً.

تقرير: عشرات المواطنين اعتصموا قرب ساحة "الخضر" في مدينة جرمانا بريف دمشق، مطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية، منددين بانقطاع الكهرباء المتكرر في أحياء المدينة

وبحسب المصدر؛ فإنّ الإجراء سيكون "مؤقتاً"، ريثما تتوفر كميات أكبر من البنزين؛ إذ إنه من المفترض أن "تصل توريدات جديدة خلال أيام قليلة"، مشيراً إلى المخصصات الشهرية للسيارات الخاصة لم يتم تخفيضها.

وبناء على القرار؛ ستتاح للسيارات الخاصة تعبئة 100 ليتر شهرياً بالسعر المدعوم، على أن تتمّ تعبئة 30 ليتراً كلّ أربعة أيام، كحدّ أدنى، بدلاً من 40 ليتراً.

خلاف وقع في محطة محروقات

ورصد "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، بتاريخ 6 أيلول (سبتمبر)؛ "إصابة 3 مواطنين بجروح متفاوتة نتيجة إطلاق نار، إثر خلاف وقع في محطة محروقات جنوب السويداء، أثناء اصطفاف المدنيين للحصول على دور لتعبئة البنزين".

اقرأ أيضاً: هل تتمخض الفوضى في سوريا عن نظام جديد؟

وفي تقرير آخر نشره المرصد، في 15 أيلول (سبتمبر)، رصد من خلاله: "ازدحاماً كبيراً تركز عند محطات الوقود في العاصمة دمشق وريفها، وبقية المحافظات السورية بوتيرة أقل، نتيجة قرارات الحكومة المتعلقة بتوزيع مادة البنزين عبر البطاقة الذكية؛ حيث وصل طول طابور السيارات والآليات إلى مئات الأمتار".

...

كما أفادت مصادر المرصد؛ بأنّ "خلافاً نشب أثناء انتظارهم على محطة وقود بمدينة حماه، ليتطور الخلاف بينهم لإشهار السلاح، وقيام أحد الأشخاص بقتل آخر بإطلاق النار عليه بشكل مباشر".

كما علم المرصد أيضاً أنّ عشرات المواطنين اعتصموا قرب ساحة "الخضر" في مدينة جرمانا بريف العاصمة دمشق، مطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية، وندّدوا بسوء الخدمات من انقطاع الكهرباء المتكرر في أحياء المدينة، مطالبين الجهات المسؤولة بتحسين الواقع الخدمي، في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة الذي تشهده البلاد".

هاني يروي معاناته

وفي هذا السياق، يحكي هاني قصة معاناته اليومية مع أزمة الوقود،: "أخذت سيارتي، أنا وأصدقائي، إلى إحدى المحطات، التي أخبرونا أنّها ستعبّئ اليوم، وكي لا تتوقف أعمالنا سينتظر كلّ واحد لساعات، بحسب وقته، ويهتم بالسيارات الأربع، وقد لا نحصل في النهاية على البنزين، وقد لا تأتي شحنة الوقود، الأمر رهن الحظ، في العادة تحصل السيدات على دور أسرع، لكن لا أحد يجرؤ على إرسال زوجته وأخته، "فالزعران" قد يتحرشون بهنّ، أو يفتعلون أيّة مشكلة؛ لأنّ دور السيدات قبل الرجال".

اقرأ أيضاً: سوريا.. هل ينهي التصعيد الروسي الأخير "هدنة إدلب" الحساسة؟

وأضاف: "كيلا أصرف ما تبقى لدي من بنزين، بتّ أستخدم دراجتي النارية بدل سيارتي، فمصروفها من الوقود أقل بكثير، وإن احتجنا أنا وعائلتي الذهاب إلى مكان بعيد نتفق نحن والأصدقاء، فنذهب جميعاً في سيارة واحدة ذاهبة مسبقاً إلى مكان ما".

...

الأمر صعب؛ يتابع هاني "فأنا لديّ رضيع حديث الولادة، ويجب أخذه إلى الطبيب، ولا أستطيع بالطبع أن آخذه على الدراجة النارية؛ لذلك اضطّر أحياناً إلى شراء البنزين الحرّ، وسعره أضعاف البنزين المدعوم، هكذا وقعت في مشكلة مادية إضافية أنا في غنى عنها".

القادم أسوأ

ويضيف: "المشكلة أنّنا نشعر أنّ القادم أسوأ، وكلّ الوعود التي نسمعها تذهب مع الرياح، كالعادة، وكأنّ الحكومة تريد لهذه الأزمات أن تطول، وأن يبقى الشعب يفكّر بأبسط احتياجاته، أنا اليوم، كما كثيرون، أخاف الوقوف على الطابور؛ لأنّه، وببساطة، قد يحدث إطلاق نار وأصاب بالخطأ، فالأمر لم يعد مجرد انتظار، خاصة في مدينتي السويداء، التي تعاني من انفلات أمني شديد، وانتشار للسلاح والمرتزقة، الذين لا تعنيهم حيوات الآخرين، وهذا ما حدث في الأسبوع الأخير؛ حيث حدث مرة إطلاق نار في أحد الطوابير، ومرة قام بعض الزعران بتكسير محطة وقود ليلاً؛ لأنّهم لم يحصلوا عليه".

الشابة سوزان خوري لـ "حفريات": نظام الأسد يتفنّن بصناعة الأزمات، التي تزيد في إذلال المواطنيين السوريين، وتحويلهم إلى وحوش يأكلون بعضهم، وتعميق ثقافة "القطيع"

ويختم هاني كلامه: "عندما أتساءل: "ما الحلّ؟" أجد الأمر معقداً؛ لأنّه لا يوجد شيء واضح في هذا البلد، والأمور دوماً تذهب نحو الأسوأ، وحقوقنا من الوقود تذهب لغيرنا، في الداخل والخارج، ولا نستطيع بالطبع أن نعترض، فالجميع يخاف هنا".

أما الشابة سوزان خوري (اسم مستعار)، فقالت لـ "حفريات": "هذا النظام يتفنّن بصناعة الأزمات، التي تزيد في إذلال المواطنيين السوريين، وتحويلهم إلى وحوش يأكلون بعضهم، وتعميق ثقافة "القطيع"، كما بات مصطلح "طابور" في سوريا يرمز إلى شكل الحياة الكابوسية التي نعيشها بشكل يومي".

في كلّ فترة تنفجر أزمة

وأضافت سوزان: "في كلّ فترة تنفجر أزمة ما في وجهنا؛ فإما أن تنقطع الكهرباء لساعات طويلة، ونحن في فصل الصيف، والحرارة تتجاوز الـ 40 درجة مئوية، أو قد يمضي علينا ثلاثة أيام لا نأكل رغيف خبز واحد، بسبب أزمة الخبز التي حصلت مؤخراً، ووقوف الناس بالساعات ينتظرون أمام أفران الخبز.

...

أما أزمة أسطوانات الغاز فكانت الأكثر بؤساً؛ فقد تتعطل حياة الناس لعدة أيام متتالية، بسبب انتظارهم أمام مركز توزيع أسطوانات الغاز من الصباح الباكر".

وتتابع سوزان كلامها: "رجال ونساء وشباب، من كلّ الأعمار، وكبار في السنّ، قد لا ينامون في بيوتهم، ويقضون الليل أمام مركز التوزيع، كي يحصلوا على أسطوانة غاز، ولا يضطرون للوقوف تحت أشعة الشمس الحارقة لساعات".

اقرأ أيضاً: تركيا وإيران تنظمان اقتسامهما لمناطق النفوذ من العراق إلى سوريا ولبنان

وتضيف سوزان: "اليوم تأتي أزمة الوقود كي تزيد حياتنا البائسة بؤساً إضافياً، أنا اليوم خائفة على نفسي من الذهاب والانتظار في طابور السيارات أمام محطة الوقود، فقد كثرت المشكلات بين الناس بسبب هذه الأزمة، وحتى حالات التحرش بالنساء زادت في الآونة الأخيرة، سواء كنت أقف في طابور أمام فرن للخبز، أو أمام مركز لتوزيع أسطوانات الغاز، وحتى وأنا في سيارتي أمام محطة الوقود".

وتختم سوزان كلامها: "لا نعرف ماذا سينتج عن أزمة الوقود هذه، ففصل الشتاء قادم، وأنا أتوقع، للأسف، أنّه سيكون هناك أزمات إضافية فيما يخصّ المحروقات، وتحديداً المازوت".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية