مسلسل Mo: عن الحقّ والحُمّص والإبداع

مسلسل Mo: عن الحقّ والحُمّص والإبداع


01/09/2022

موسى برهومة

المرافعة العميقة والذكيّة التي قدّمها مسلسل "مو" تضاهي، بل تتفوّق على كثير من الأدبيّات والشعارات التي تحدثت وأيّدت الحقّ الفلسطينيّ، وهو حقّ، وهذا استطراد ضروريّ، لا يهرم ولا يتآكل، ولا يتقادم مع الزمن. المسلسل، جزء من "القوّة الناعمة" أو (Soft Power) حيث نجح، باقتدار، في تجديد صورة فلسطين؛ الحلم والضمير؛ من خلال أداء خلّاب للممثل محمد عامر (مو عامر- Mo Amer) الذي يصرّ على تعريف نفسه بأنه أمريكيّ فلسطينيّ، وأنه اقتلع من أرض أبيه وأجداده، وأنه عاين آلامهم في الهجرة الاضطراريّة إلى الكويت 1990، ثم الهجرة الأكثر اضطراريّة في أعقاب حرب الخليج، ثم اللجوء مرة أخرى إلى أمريكا، ومكابدة آلام التمييز، والتجاهل الحقوقيّ، والانتظار عشرين عاماً حتى الحصول على الجنسية. من وحي هذه المعاناة، جاء المسلسل الذي نُفّذ بمهارة، من خلال نص بديع متقن وابن للحياة (كتبه محمد عامر والممثل الأمريكيّ المصريّ رامي يوسف) وأداء مبهر (خصوصاً الفنانة فرح بسيسو)، وإخراج ماهرٍ أشرف عليه الأمريكيّ من أصول جزائريّة سوليفان "سليك" نعيم. المسلسل بروفايل شخصيّ عن ألم مو وعائلته، لكنه، بدا وكأنه ألم كل فلسطينيّ، وكل مهاجر، وكل لاجىء اقتلع من الجغرافيا، لكنه لم يقتلع من التاريخ. هل أبصرتَ كيف يتوهّج الزيتُ والزيتون، ويلتحمان بالأسطورة؟ "نتفليكس"، وهذا ليس عهدها (!!)، تتعاطف مع المأساة الفلسطينية، وتجرؤ على انتقاد الاحتلال الإسرائيليّ، وتعرية اشتراطات الهجرة وإجراءاتها القاسية في الولايات المتّحدة. وما يجعل "نتفليكس" مستحقةً للثناء، ليس المسلسل بحلقاته الثماني فحسب، بل ثمة أيضاً حلقتان (كل واحدة ساعة) من "ستاند كوميدي" قدّمه محمد عامر، وتجلّت من خلاله قدرته الإبداعيّة، ومواهبة الفريدة، ومواقفه المشرّفة من أصوله، حيث يجري تصوير زيارته لقريته بورين في نابلس بفلسطين، وإقامته الأذان في مسجد القرية التي زوّده والده بالنظام الصوتيّ. أما حديث عامر عن الحمّص، وأنه ابتكار فلسطيني محض، فتلك حكاية أخرى عن قدرة الكوميديا على اختراق الوعي، وتبديد الأكاذيب وتسريب الحقائق، بخفّة، وبلا ادّعاء، أو بهرجة أو فرقعة إعلاميّة. ثمة حق لا يبلى. هذا ما قاله المسلسل والحلقتان المرفقتان التي أدّاهما عامر في ولاية تكساس، وحضرهما جمهور متنوّع الأعراق استمتع بالقدرة الهائلة لهذا الممثل المدهش الذي أتقن أداءه، وقدّم مرافعة ما أحوجنا إليها كل يوم، وما أحوجنا إلى الطرق الإبداعيّة لتقديم الأفكار؛ كي تظل محلّقةً مزهوّةً بأنفاس الحرية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية