مزاعم "الواشنطن بوست": أبعاد مخطط الضغط على مصر لتغيير أولوياتها الاستراتيجية

مزاعم الواشنطن بوست: أبعاد مخطط الضغط على مصر لتغيير أولوياتها الاستراتيجية

مزاعم "الواشنطن بوست": أبعاد مخطط الضغط على مصر لتغيير أولوياتها الاستراتيجية


12/04/2023

زعمت صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية، نقلاً عن وثيقة استخباراتية قالت إنّها مسربة، أنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمر مؤخراً بإنتاج ما يصل إلى (40) ألف صاروخ؛ ليتم شحنها سراً إلى روسيا. وبحسب المزاعم، فإنّ الوثيقة المؤرخة بتاريخ 17 شباط (فبراير) الماضي تلخص محادثات مزعومة بين السيسي وكبار المسؤولين العسكريين المصريين، وتشير إلى خطط لتزويد روسيا بقذائف المدفعية والبارود، بشكل سري؛ لتجنب المشاكل مع الغرب.

صحيفة "الواشنطن بوست" ادّعت أنّها حصلت على الوثيقة، ضمن مجموعة من صور الملفات السرّية التي تمّ تسريبها في شهري شباط (فبراير) وآذار (مارس) الماضيين، على تطبيق (Discord).

نفي مصري/ روسي وتحفظ أمريكي

وردّاً على تساؤلات حول الوثيقة، قال السفير أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية: إنّ موقف مصر منذ البداية يقوم على عدم التدخل في هذه الأزمة، والالتزام بالمحافظة على مسافة متساوية مع الطرفين. مع التأكيد على دعم مصر لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكداً أنّ القاهرة تواصل حث الطرفين على وقف الأعمال العدائية، والتوصل إلى حل سياسي من خلال المفاوضات.

وعلى الجانب الآخر، قالت "الواشنطن بوست": إنّ مسؤولاً في الحكومة الأمريكية، لم يكشف عن هويته، قال: "لسنا على علم بأيّ تنفيذ لتلك الخطة"، في إشارة إلى أنباء تصدير الصواريخ المصرية إلى روسيا.

شبكة "سي إن إن" الأمريكية قالت: إنّها لم تطّلع على الوثيقة التي استشهدت بها صحيفة "الواشنطن بوست"، وإنّها لا يمكنها تأكيد صحتها، مؤكدة نفي مسؤول مصري كبير صحة ما ورد فيها.

المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية: موقف مصر يقوم على عدم التدخل في الأزمة والالتزام بالمحافظة على مسافة واحدة مع الطرفين

وقالت قناة القاهرة الإخبارية: إنّ مسؤلاً أمنياً رفيع المستوى، لم تسمّه، وصف تقرير "الواشنطن بوست" بأنّه "عبث إعلامي". وقال: إنّ مصر تتبع سياسة متوازنة مع جميع الأطراف الدولية. وتمّ نشر محتوى هذا البيان من قبل عدة وسائل إخبارية مصرية تابعة للدولة.

بدوره، رفض جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، التطرق إلى محتوى الوثيقة المزعومة، لكنّه قال: إنّ "مصر تظل شريكاً أمنياً مهماً للولايات المتحدة". مضيفاً في تصريحات صحفية أمس الثلاثاء: "لم نرَ أيّ مؤشر على أنّ مصر تقدم أسلحة ذات قدرات فتاكة لروسيا". وأضاف: "للجيش الأمريكي علاقة دفاعية طويلة الأمد مع مصر، تعود إلى أعوام عديدة".

من جهتها، كشفت المتحدثة باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، أنّ وزارة العدل الأمريكية فتحت تحقيقاً حول مزاعم تسريب وثائق سرّية. بينما نفى البيت الأبيض أن يكون لديه ما يشير إلى أنّ مصر تزود روسيا بالأسلحة.

نفي روسي

على الجانب الآخر، وصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف المعلومات المتواترة بأنّها خدعة جديدة يوجد الكثير منها الآن. وسخر بيسكوف من هذه الادعاءات، ردّاً على سؤال من أحد المراسلين. وأضاف: "هذه هي الطريقة التي يجب أن تتعامل بها مع مثل هذه المنشورات".

من قبل، أعربت مصر علناً عن معارضتها للغزو الروسي لأوكرانيا، وأيدت قرارات الأمم المتحدة التي تدين الحرب، ووجهت القاهرة دعوة إلى موسكو لتنفيذ سحب فوري وكامل وغير مشروط لجميع قواتها العسكرية من الأراضي الأوكرانية، ودعت إلى وقف الأعمال العدائية.

إنّ إثبات كذب هذه الوثائق يعني وجود نوايا حقيقية لاستهداف القاهرة من قبل أطراف في الداخل الأمريكي

جدير بالذكر أنّ حسابات القاهرة الدقيقة تتناقض كليّاً مع مزاعم الوثيقة المزعومة، ذلك أنّها، وعلى الرغم من علاقاتها الجيدة مع موسكو، ما تزال تستثمر بعمق في شراكتها مع الولايات المتحدة. ولا تذكر الوثيقة صراحة سبب اهتمام روسيا بالحصول على الصواريخ المصرية، لكنّ "الواشنطن بوست" لفتت إلى أنّ الجيش الروسي يستهلك كميات هائلة من الذخيرة في الحرب. وكانت واشنطن قد وجهت اتهامات لكوريا الشمالية بتزويد روسيا سرّاً بقذائف مدفعية، كما زعمت أنّ الصين تفكر في ذلك أيضاً.

افتراضات تضع الجميع في حرج

هناك جملة من الافتراضات التي يفرضها محتوى الوثائق المسربة، ربما تضع الجميع في حرج، فإذا ما أقرت واشنطن بصحة ما ورد فيها، فإنّ ذلك يكشف ضمنياً عن الكيفية التي تتجسس من خلالها الولايات المتحدة على الحلفاء والأعداء على حد سواء، بحسب "الواشنطن بوست"، ممّا يمثل تهديداً للمصادر الحساسة، بل ويقوض كل حسابات واشنطن الأمنية حول العالم، ويهدد كذلك علاقاتها الخارجية؛ خاصّة أنّ العديد من هذه الوثائق المزعومة يحتوي على علامات تشير إلى أنّها صادرة عن ذراع استخبارات هيئة الأركان المشتركة، والمعروفة باسم (J2)؛ الأمر الذي يضع الأمن القومي الأمريكي على المحك.

 المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: المعلومات المتواترة خدعة جديدة يوجد الكثير منها الآن

من جهة أخرى، فإنّ إثبات كذب هذه الوثائق يعني وجود نوايا حقيقية لاستهداف القاهرة من قبل أطراف في الداخل الأمريكي، ومع ربط ذلك بما أفادت به صحيفة "وول ستريت جورنال" حول فشل وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة في آذار (مارس) الماضي، في إقناع القادة المصريين بتزويد أوكرانيا بذخيرة مدفعية، يمكن رؤية الصورة كاملة، والتماس أبعاد الموقف برمته، كمحاولة جديدة للضغط على مصر، التي حاولت البقاء على هامش المواجهة بين الدول الغربية وروسيا بشأن أوكرانيا لضمان أمنها الاقتصادي والعسكري.

ويُعدّ السيناتور الديموقراطي كريس مورفي، عضو لجان العلاقات الخارجية والمخصصات بمجلس الشيوخ، أبرز عناصر الضغط على مصر في هذا السياق، فقد قال معلقاً على الأزمة: "إذا كان صحيحاً أنّ السيسي يصنع الصواريخ سراً لروسيا، فنحن بحاجة إلى حساب جاد بشأن حالة علاقتنا". وبالمثل طالبت سارة مارجون، مديرة السياسة الخارجية الأمريكية في مؤسسات المجتمع المدني، ومرشحة إدارة بايدن لمرة واحدة لمنصب حقوق الإنسان الأعلى بوزارة الخارجية.

القاهرة، في ظل أزمتها الاقتصادية الحادة، قررت التخفف من أعباء التحالف الاستراتيجي مع واشنطن، والسعي تجاه تطوير التعاون الاقتصادي مع روسيا

وربما تأتي الضغوط الأمريكية رداً على استقبال الرئيس السيسي لوفد روسي رفيع المستوى يوم 19 آذار (مارس) الماضي، ضمّ كلا من دينيس مانتوروف نائب رئيس الوزراء، وزير التجارة والصناعة الروسي، وميخائيل بوجدانوف الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتن، بالإضافة إلى نائب وزير التجارة والصناعة الروسي، ونائب رئيس البنك المركزي الروسي، وسفير روسيا بالقاهرة. وركز الاجتماع، بحسب المتحدث باسم الرئاسة المصرية، على العلاقات الاقتصادية المصرية الروسية، وتوفير الآليات الثنائية للتعاون بين البلدين؛ عبر تفعيل عمل اللجنة المصرية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني، والتي عقدت دورتها الـ (14) في القاهرة.

كما تناول الاجتماع الاستثمارات الروسية والمشروعات المشتركة في مصر، خاصّة فيما يتعلق بإنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية، وكذلك إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية في قناة السويس، حيث تهدف المنطقة الاقتصادية الروسية إلى تمهيد الطريق لبدء مشاريع التصنيع المشترك بين البلدين، وتوطين الصناعة والتصدير لأسواق العديد من الدول في مناطق جغرافية مختلفة، إلى جانب مناقشة التعاون في مجال الحبوب والأغذية.

ربما تأتي الضغوط الأمريكية رداً على استقبال الرئيس السيسي لوفد روسي رفيع المستوى يوم 19 آذار الماضي

ويمكن القول: إنّ القاهرة، في ظل أزمتها الاقتصادية الحادة، قررت التخفف من أعباء التحالف الاستراتيجي مع واشنطن، والسعي تجاه تطوير التعاون الاقتصادي مع روسيا؛ لتوفير احتياجات مصر من السلع الغذائية، حيث تضرر اقتصاد البلاد بشكل كبير بسبب الحرب، نظراً لأنّ مصر تعتمد بشكل كبير على صادرات الحبوب من البلدين، وعلى رأسها الغلال.

وعليه، وفي ظل استمرار الحرب، واستغراق الغرب في التخطيط للتعامل مع سيناريوهاتها طويلة الأمد، ومع غياب أيّ تقدير للمعاناة التي تئن تحت وطأتها الأسواق الناشئة، وعلى رأسها مصر، يصبح التعاون الاقتصادي مع روسيا أمراً لا يعيب القاهرة بأيّ حال، خاصّة وقد نفض الحليف الأمريكي المفترض يديه، وارتضى بدور تاجر الحرب. 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية