
للعام الثاني على التوالي تختفي مظاهر الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية من مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، بسبب استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة وتدهور الأوضاع الأمنية في مختلف مناطق الضفة الغربية، فقد أعلنت كنائس القدس وبيت لحم إلغاء كافة الاحتفالات لهذا العام، والاكتفاء بأداء الصلوات والطقوس الدينية داخل الكنائس، فيما يخيم الحزن على وجوه المسيحيين الفلسطينيين الذين يتعرضون لموجة حادة من العنف والقتل.
وقد نُصبت شجرة الميلاد هذا العام في كل مكان من العالم، إلا أنّها لم تنصب في مكانها الأصلي ساحة المهد وسط مدينة بيت لحم، حيث يضيء مسيحيو العالم شجرة الميلاد، بينما بقيت الاحتفالات في مدينة بيت لحم غائبة، حتى أنّ الزائرين من حول العالم لم يأتوا هذا العام لإضاءة الشجرة، والاحتفال بالأعياد وإقامة الطقوس الدينية، وفي مقابل ذلك أبدى المسيحيون حول العالم تضامنهم مع فلسطين التي تُحرم للعام الثاني من الاحتفال بأعياد الميلاد.
وتُعتبر مدينة بيت لحم مهد السيد المسيح نقطة انطلاق أعياد الطوائف المسيحية، حيث يتوافد بالعادة المسيحيون من كافة بقاع الأرض لإضاءة شجرة الميلاد في ساحة كنيسة المهد، إيذاناً ببدء الاحتفال بالعام الميلادي المجيد، وتبدأ احتفالات الطوائف المسيحية التي تعتمد على التقويم الغربي بقداس 24/25 كانون الأول (ديسمبر)، بينما تحتفل الطوائف التي تعتمد على التقويم الشرقي في 7 كانون الثاني (يناير)، وبهذه المناسبة تقام الصلوات في كنيسة المهد، التي يعتقد أنّها بنيت فوق المغارة التي ولد فيها سيدنا عيسى عليه السلام.
وفي مقابل ذلك، يتعرض التجار والباعة في مدينة الميلاد، وحتى مدينة القدس التي توجد فيها كنيسة القيامة، لخسائر مادية كبيرة، على إثر توقف الحركة المرتبطة بضعف توافد المسيحيين من حول العالم، ويعتبر التجار هذا الموسم من كل عام بمثابة طوق نجاة لهم، فهم ينشطون في بيع الملابس والتحف والهدايا، ويهتم الزوار من حول العالم بشراء الملابس والمقتنيات والمجسمات الخشبية من محلات المدينة.
يقول محافظ مدينة بيت لحم محمد أبو عليا: في "ظل استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة، تم إلغاء كافة احتفالات أعياد الميلاد من الشوارع وساحة المهد، مع اقتصار ذلك فقط على أداء الشعائر الدينية داخل كنيسة المهد وباقي الكنائس الموجودة في الضفة الغربية، ويأتي هذا الإلغاء تضامناً مع الأشقاء في قطاع غزة، حيث يتعرضون لأبشع مجازر الإبادة التي لا تفرق بين المسلمين والمسيحيين".
وأوضح أبو عليا في حديثه لـ (حفريات) أنّ "مدينة السلام بيت لحم اعتادت في الأعوام الماضية على استقبال كافة سياح العالم، واستضافتهم للاحتفال بأعياد الميلاد، وعلى مدار الأعوام الماضية ظلت مدينة بيت لحم ترسل إلى العالم أنّ فلسطين بلد التسامح والإنسانية، لكنّ الاحتلال الإسرائيلي اعتاد في كل عام التضييق على المسيحيين خلال احتفالهم في المدينة، من خلال نصب الحواجز وتضييق حرية تنقل المسيحيين لوصولهم إلى مدينة بيت لحم".
وبيّن أنّ "الأحداث الأمنية التي أثرت على موسم الأعياد أفرزت حالة من اليأس والحزن على الإخوة المسيحيين، فهم ينتظرون تلك الأعياد في نهاية كل عام لمشاركة أقاربهم وأصدقائهم، خاصة الذين يأتون من قطاع غزة المحاصر لزيارة أقاربهم، ويضيق الاحتلال عليهم الخروج إلى الضفة الغربية ويفرض شروطاً على حركة تنقلهم".
ولفت إلى أنّ "الإجراءات الإسرائيلية المشددة والحروب الإسرائيلية المتكررة على غزة والضفة الغربية دفعت بأعداد كبيرة من المسيحيين إلى الهجرة نحو أوروبا بحثاً عن واقع وحياة أفضل، لا سيّما من مسيحيي غزة الذين كان يُقدّر عددهم بالآلاف قبل أعوام، ولكن في ظل استمرار الحروب بقي بضع مئات منهم داخل غزة".
في سياق ذلك يقول وسيم عياد مواطن مسيحي مقيم في غزة: "نحن مضطهدون داخل قطاع غزة على وجه الخصوص، بفعل إجراءات الاحتلال الإسرائيلي المتعمدة، فحتى قبل هذه الحرب كان الاحتلال يرفض منح التنسيق لكثير من العائلات للخروج إلى الضفة الغربية، ومشاركة مسيحيي العالم باحتفالات أعياد الميلاد، ومن ضمن الإجراءات العقابية السماح لبعض أفراد العائلات بالخروج، والبعض الآخر يرفض منحهم إذن خروج".
ولفت عياد في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ "مدينة بيت لحم تشتهر في كل عام باستقبال زوار العالم للاحتفال بأعياد الميلاد، وبدون بيت لحم لا يوجد طعم للأعياد، كون المدينة تمثل رمزية كبيرة للمسيحيين، باعتبارها مهد سيدنا المسيح عيسى عليه السلام".
ويأمل أن "تدخل الهدنة الإنسانية ضمن صفقة تبادل الأسرى حيز التنفيذ قبل نهاية العام الحالي، على أمل أن يؤدي المسيحيون في قطاع غزة، رغم ما أصابهم من ألم، الصلوات والشعائر الدينية داخل ما تبقى من كنائس في منطقة غزة القديمة، على الأقل يتبادلون الزيارات الأسرية فيما بينهم، بعدما تقطعت بهم السبل بسبب الحرب".
ويواصل الجيش الإسرائيلي حربه المستعرة على قطاع غزة منذ أكثر من عام، ولا يُفرّق بين المسلمين والمسيحيين، ويتعمد الاحتلال خلال الحرب تدمير الكنائس وقتل المسيحيين، وهذا ما جرى في أشهر الحرب الأولى، عندما قصف الجيش كنيسة الروم الأرثوذكس وسط مدينة غزة، وقتل على إثر ذلك عدداً من المسيحيين النازحين داخل الكنيسة.