أثار تعيين المتحدث السابق باسم حركة الشباب المجاهدين في الصومال، المصنفة إرهابياً، مختار روبو، وزيراً للأوقاف والشؤون الدينية في الحكومة الصومالية الجديدة، حالة من الصدمة لدى العديد من المراقبين، وقطاع غير قليل من الصوماليين، الذين عانوا من إرهاب الحركة، التي كان روبو أحد مؤسسيها وقادتها.
وتنقسم الآراء حول أسباب هذا التعيين، بين مرحّبين يأملون أن يؤدي تعيينه إلى استقطاب قادة من حركة الشباب للسلام مع الحكومة، وآخرين يرون أنّ الأمر لا يعدو كونه لعبة سياسية في إطار تثبيت الرئيس الجديد، حسن شيخ محمود، سلطته في مواجهة نفوذ الرئيس السابق، محمد عبد الله فرماجو، خاصة أنّ روبو ينحدر من ولاية جنوب الغرب التي ما تزال رئاستها تدين بالولاء لفرماجو.
من السجن إلى الوزارة
وكان مختار روبو، المعروف بـ "أبو منصور"، في السجن، ثم تحت الإقامة الجبرية منذ عام 2018 حتى الإفراج عنه بعد تنصيب الرئيس الصومالي الجديد، حسن شيخ محمود، في حزيران (يونيو) الماضي، بعد تعهّده بذلك خلال حملته الانتخابية.
وعيّن رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي، روبو وزيراً للأوقاف والشؤون الدينية، ضمن تشكيلة حكومته الجديدة التي من المنتظر أنّ تُعرض على مجلس الشعب الفيدرالي لنيل الثقة خلال الأيام المقبلة.
وكان روبو من ضمن مجموعة صومالية سافرت إلى أفغانستان، في تسعينيات القرن الماضي، حيث التقى بزعيم تنظيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن، وعقب عودته إلى الصومال شارك في نظام المحاكم الإسلامية، وقاتل ضدّ القوات الإثيوبية، وكان ضمن القادة المؤسسين لحركة الشباب المجاهدين، عام 2004، ووضعت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.
وعقب خلافات بين قادة الحركة انشقّ روبو، عام 2013، ولجأ إلى مسقط رأسه وعشيرته في ولاية جنوب الغرب، وخاض قتالاً ضدّ الحركة التي حاولت اغتياله، وعام 2017 تصالح مع الحكومة الفيدرالية، وحصل على العفو العام.
الولايات المتحدة رفعت اسم روبو من قوائم الإرهاب، بعد مفاوضات جرت عام 2017، وسحبت جائزة مالية قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات بشأنه
وأدّت طموحات روبو السياسية، بعد تأسيسه حزب الأمن والعدالة، وترشّحه على منصب رئاسة ولاية جنوب الغرب ضدّ رئيسها الحالي، الموالي للرئيس السابق، فرماجو، إلى اعتقاله وسجنه في مقديشو.
وحول تعيين روبو وزيراً، يقول المحلل السياسي الصومالي، بشير مالم: "خطوة هي الأولى من نوعها، ويبدو أنّ هذه سياسة الحكومة الجديدة لضمّ حركة الشباب إلى العملية السياسية، عبر تشجيع عمليات التفاوض المستقبلية".
وأضاف مالم لـ "حفريات": "قد تؤدي الخطوة إلى تعزيز قدرة الحكومة في مواجهة حركة الشباب، كون روبو يدرك تكتيكات وخفايا الحركة، وكذلك ستعزز مواجهة الفكر المتطرف؛ لأنّه يحظى بجمهور واسع، وهذه الخطوة قد تؤدي إلى حشدهم في مواجهة حركة الشباب".
ما هي مصلحة الرئيس؟
وبحسب الدستور الصومالي، يكلّف الرئيس شخصية بتشكيل الحكومة، وتحظى الأخيرة بالثقة عبر مجلس الشعب الفيدرالي، ولا يمكن للرئيس حلّ الحكومة دون طرحها لسحب الثقة أمام المجلس.
وبناءً على نظام الانتخاب العشائري في البلاد (4.5) فاز حسن شيخ محمود في الانتخابات التي جرت بالاقتراع السرّي بين أعضاء البرلمان؛ مجلس الشعب ومجلس الشيوخ، وحصل على أغلبية الأصوات في الانتخابات التي شهدت ثلاث جولات.
وجاء تشكيل الحكومة الجديدة بعد مخاض عسير؛ إذ طلب رئيسها مهلة أخرى من مجلس الشعب، قبل الخروج بتشكيلته التي استقبلها الرئيس بالترحاب.
وينطبق النظام العشائري السابق على تشكيلة الحكومة؛ إذ إنّ حصص الحكومة تُوزع على العشائر الأربع الكبرى في الصومال، وتأخذ بقية العشائر الصغرى نصف حصة؛ لهذا فإنّ هناك معايير تحكم عملية التشكيل، وليست الكفاءة أهمّها؛ حيث طالت الانتقادات عدداً كبيراً من الوزراء، لضعف مؤهلاتهم العلمية والخبرات، ومنهم وزير الدفاع.
ويرى الباحث السياسي الصومالي، عبد العزيز جوليد، أنّ سبب اختيار روبو وزيراً يعود إلى "رغبة الرئيس حسن شيخ محمود في حشد الدعم الشعبي؛ لأنّ مختار روبو يحظى بدعم من شريحة واسعة في ولاية جنوب الغرب، التي يحكمها اليوم عبد العزيز لفتاغرين، اليد اليمنى للرئيس السابق، فرماجو".
وأضاف جوليد: "من المحتمل أنّ حسن شيخ يمهّد الطريق أمام روبو ليعود من جديد إلى الساحة السياسية في ولاية جنوب الغرب، عبر الترشح لمنصب رئاسة الولاية في الانتخابات المقبلة، بما يخدم حسن شيخ بضمان أصوات نواب الولاية في الانتخابات الرئاسية المقبلة".
الباحث عبد العزيز جوليد لـ "حفريات": أسباب التعيين لعبة سياسية بحتة، وليس لديها بُعد لمحاربة الحركة، فهناك تفاهمات سرّية بين وزارات ومؤسسات مع الحركة، التي لها نفوذ كبير
ويعزز ما سبق مجموعة التعيينات التي أجراها الرئيس فور تنصيبه، ومنها تعيين المرشح الرئاسي السابق، السياسي عبد الرحمن عبد الشكور ورسمي، مبعوثاً للشؤون الإنسانية والاستجابة للجفاف، كما أنّ هناك أنباء عن تعيين الرئيس السابق، شريف شيخ أحمد، مبعوثاً خاصاً للمصالحة الوطنية، وهو ما يكشف سعي الرئيس حسن شيخ إلى خلق حاضنة سياسية قوية.
وبحسب النظام الانتخابي العشائري، وقياساً على التجربة الأخيرة للانتخابات في البلاد، بات لرؤساء الولايات الدور الأكبر في تحديد هوية الفائزين بالمقاعد في البرلمان الفيدرالي بغرفتيه، حتى على حساب رؤساء العشائر، الذين كان لهم سابقاً الدور الأكبر في اختيار المندوبين، الذين يختارون بدورهم النواب الفيدراليين، ولهذا سعى الرئيس السابق إلى ضمان وصول رؤساء ولايات موالين له إلى السلطة، وهو ما أدخله في صراعات كبيرة مع الولايات، التي رفضت هيمنته، وعلى رأسها جوبالاند وبونتلاند.
متطرف على رأس المساجد
وتتكوّن دولة الصومال الفيدرالية من ستّ ولايات؛ بونتلاند، وجوبالاند، وهرشبيلي، وغلمدوغ، وجنوب الغرب، بالإضافة إلى الإقليم المستقل من جانب واحد، صوماليلاند.
ويحظى الرئيس حسن شيخ محمود بدعم رؤساء ولايات؛ بونتلاند وجوبالاند وهرشبيلي، بينما يدين رئيسا ولايتي جنوب الغرب وغلمدوغ بالولاء للرئيس السابق، محمد عبد الله فرماجو.
وحظي تعيين مختار روبو وزيراً للأوقاف بإشادة من باحثين صوماليين؛ فهم يرون في الخطوة تعزيزاً للقدرات الحكومية في مواجهة حركة الشباب بالاستفادة من خبرات روبو، لكن ما فات هؤلاء أنّ روبو، وإن تخلى عن حركة الشباب والفكر الجهادي، فما تزال لديه قناعات متطرفة نحو قضايا اجتماعية وفكرية، ووضعه على رأس الوزارة التي تدير المساجد يهدد الخطاب الديني الأقرب للاعتدال، فضلاً عن ذلك لم يتطرق أحدٌ إلى تأثير هذا التعيين على التيار الصوفي الكبير في البلاد، والذي يكنّ العداء للفكر السلفي، الذي ارتكب جرائم كبرى بحقّ الصوفية.
ومن جانبه، لا يتفق الباحث عبد العزيز جوليد مع الطرح الذي يرى في التعيين فائدةً لقتال حركة الشباب أو التفاوض معها، ويقول: "أسباب التعيين لعبة سياسية بحتة، وليس لديها بُعد لمحاربة الحركة، والحياة السياسية تعجّ بساسة بارزين كانوا من قبل محسوبين على حركة الشباب والمحاكم الإسلامية، لا فعالية لهم في قتال حركة الشباب".
وأشار جوليد إلى أنّ "العلاقة بين حركة الشباب والحكومة لا تتخذ بُعد العداء فقط؛ فهناك تفاهمات سرّية بين وزارات ومؤسسات مع الحركة، التي لها نفوذ كبير داخل العاصمة، وهناك نواب في البرلمان يؤيدون حركة الشباب".
ويُذكر أنّ الولايات المتحدة رفعت اسم روبو من قوائم الإرهاب، بعد مفاوضات جرت عام 2017، وسحبت جائزة مالية قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات بشأنه، سلّم على إثرها نفسه إلى الحكومة الاتحادية، والتي منحته العفو العام.
مواضيع ذات صلة:
- تعرف إلى أبرز ملامح الخريطة الإسلاموية في الصومال