مخاتلة اللغة السياسية "وحدة جبهات المقاومة ضد إسرائيل نموذجاً"

مخاتلة اللغة السياسية "وحدة جبهات المقاومة ضد إسرائيل نموذجاً"

مخاتلة اللغة السياسية "وحدة جبهات المقاومة ضد إسرائيل نموذجاً"


08/05/2023

تطفو على السطح منذ أسابيع مقاربة سياسية، حقلها وميدانها "الصراع/النزاع" العربي ـ الإسلامي مع إسرائيل، ويتم تغليفها بمخاتلة لغوية، تجسّد أعماق المسكوت عنه عند أطراف الصراع الدائر بين ما يُعرف بالمقاومة والممانعة العربية الإسلامية من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، وهي مقاربة ربما تكشف مَدارات قراءتها بمرجعيات العلاقات الجدلية والعلائقية بين اللغة والسياسة أنّ هناك توظيفاً لهذه المقاربة، تكشفه سياقات ومقاصد الفاعلين من قبل طرفي الصراع، لا سيّما أنّ اللغة تحولت إلى سُلطة خفيّة "قاهرة" توجّه السلوك عند المتلقي، وتعزز اعتقاده أو تعدّله أو تهدمه وتبنيه وتجعله يبني اعتقادات جديدة.

وحدة جبهات المقاومة عنوان برّاق وجاذب، يتجاوز في مستوياته اللغوية الوظيفة التعبيرية والتواصلية، وينفذ سريعاً إلى المتلقي وبُناه النفسانيّة، نظراً لما يستبطنه من سرديات كبرى وصغرى، وأنساق مضمرة، تعبّر عن أماني قارّة عند جبهة الممانعة، بالتزامن مع مخاوف غائرة عند غالبية الجمهور الإسرائيلي والجبهات والقوى الداعمة لإسرائيل، وهو ما يمكن معه تفسير التداول المكثف لهذه المقاربة بصيغتها اللغوية التي تحولت إلى عنوان "وحدة جبهات المقاومة ضد إسرائيل" لدى الطرفين، فكيف يمكن تفسير هذا الاستخدام المزدوج لهذه المقاربة؟ ومن المستفيد منها؟ ولماذا تُستخدم من الجانبين على السواء؟ وهل فعلاً هناك وحدة جديدة في جبهات الممانعة، وأصبحت تهدد إسرائيل؟ ولماذا يتوسع ساسة إسرائيل في إبقاء هذه المقاربة قائمة، عابرة للخطابات إلى جانب "قنبلة إيران النووية"؟.

وحدة جبهات المقاومة عنوان برّاق وجاذب، يتجاوز في مستوياته اللغوية الوظيفة التعبيرية والتواصلية، وينفذ سريعاً إلى المتلقي وبُناه النفسانية

مؤكد، بما أنّه يتم استخدام هذه المقاربة -وبتوسع وتكرار مقصود منه تثبيت دلالاتها- من قبل طرفي الصراع، فإنّ الطرفين يقصدان ذلك، وأنّها تحقق لهما مقاصدهما، وتحديداً تجاه الرأي العام المستهدف من الخطابين، فبالنسبة إلى الممانعة، بقيادة إيران، لا يمكن عزل السياقات التي تعيشها القيادة الإيرانية بالتزامن مع هذه المقاربة؛ وأبرزها: "مخاوف من إقدام إسرائيل على شن عملية عسكرية واسعة ضد إيران، وتعثر مفاوضات النووي الإيراني، واستمرار الانتفاضة الداخلية في إيران، وبصورة جديدة تهدد بقاء النظام الإيراني واستمراره، والحرج الذي تتعرض له جبهة الممانعة بعدم ردّها على الضربات الإسرائيلية المتزايدة والتي تشمل التواجد الإيراني في سوريا، والعمليات الاستخباراتية الواسعة ضد أهداف تشمل منشآت وقيادات داخل إيران".

وبالتزامن، فإنّ سياقات مقاربة "وحدة الجبهات ضد إسرائيل" تبدو معها إسرائيل ليست بأفضل حالاً من إيران، فإسرائيل "تعيش أوضاعاً داخلية صعبة لم تشهدها منذ إقامتها، ترتبط بتعديلات تستهدف شكل ومضمون دولة إسرائيل بتعديلات قضائية مرفوضة، هدفها إخضاع سلطة القضاء للسلطة التشريعية، وحكومة يمينية متطرفة عملت على توتير العلاقات بين إسرائيل والدول المطبّعة معها، وجاء اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران، وما تضمّنه من رسائل فهمتها إسرائيل، بأنّ مشاريع تشكيل تحالف إسرائيلي ـ عربي "سُنّي" ضد إيران لم يعد قائماً، لا سيّما بعد إجراءات أحادية وعقوبات جماعية ضد الفلسطينيين، وضرب أسس عملية السلام، وبالتزامن ولأسباب عديدة، فإنّ علاقات إسرائيل مع حلفائها الدوليين، وتحديداً مع أمريكا والدول الأوروبية، تشهد توترات غير مسبوقة".

واضح أنّ الطرفين يراهنان على "التفاعلات النفسانية" عند الإسرائيليين، وجمهور الممانعة العربية والإسلامية وما توحي به العبارة من سحر، فهي بالنسبة إلى الإسرائيليين أحد الأنساق المضمرة المستقرة في "الوعي واللّاوعي الجمعي"، وتُعدّ هاجساً بسيناريو مفترض بأن تتوحد الجيوش وأشباه الجيوش العربية والإسلامية، وتشنّ هجوماً شاملاً ضد إسرائيل، ينتج عنه القضاء على دولة إسرائيل ومحوها من على الخارطة.

أمّا جمهور الممانعة، فإنّ "وحدة الجبهات" ضد إسرائيل تشكّل هي الأخرى نسقاً مضمراً وقارّاً في "الوعي الجمعي" لهذا الجمهور، وربما بصورة أعمق ممّا هي عليه عند الجمهور الإسرائيلي، ويستدعي مقارنات، "دون الإشارة إليها مباشرة"، ذات دلالة مهمّة بالنسبة إلى القيادة الإيرانية، تذكّر بفشل وحدة "الجيوش/ الجبهات العربية"، وهزيمتها أمام إسرائيل عام 1967، حينما احتلت في (6) أيام "الضفة الغربية، وسيناء، وهضبة الجولان"، في حين أنّ وحدة الجبهات "الحالية" بقيادة إيران، وحلفائها في العراق وسوريا ولبنان، بالإضافة إلى غزة واليمن، أكثر قدرة على تهديد إسرائيل وجودياً، وهو ما تؤكده القيادات الإسرائيلية.

وحدة جبهات المقاومة مقولة تتضمن "خداعاً" يخدم إسرائيل وإيران، فلا إسرائيل ولا إيران بوارد شنّ حرب في هذه المرحلة

وحدة جبهات المقاومة مقولة تتضمن "خداعاً" يخدم إسرائيل وإيران، فلا إسرائيل ولا إيران بوارد شنّ حرب في هذه المرحلة، بل تمارسان تبادل الرسائل المشفرة والمفتوحة؛ فإيران ترسل رسالة بمرجعية مخاوف من هجوم إسرائيلي، بقدرتها على فتح جبهات "الجحيم" على إسرائيل، وهو ما عبّرت عنه زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى لبنان ووقوفه على بعد (15) كيلومتراً من حدود إسرائيل مع لبنان، في أعقاب إطلاق صواريخ على شمال إسرائيل قيل إنّ عددها (34) صاروخاً، أو (100) صاروخ، لم تقتل أيّ إسرائيلي، "وقد نفى حزب الله كما نفت حماس مسؤوليتهما عن العملية، وجاء رد الفعل الإسرائيلي بضرب مناطق في الجنوب اللبناني عبر ضربات "قاصمة" لم تقتل أو تجرح أيّ لبناني أو فلسطيني في لبنان، غير أنّ الأهم هو أنّ القاسم المشترك في سياقات كل العمليات التي شنها حزب الله ضد إسرائيل، كانت بمرجعيات خدمة أهداف إيرانية، لا علاقة لها لا بفلسطين ولا بالمسجد الأقصى ولا بحماس ولا بالجهاد الإسلامي، فقد تعرّضت غزة لأكثر من (6) حروب من إسرائيل، لم يحرك فيها حزب الله ساكناً، ما عدا التضامن الإعلامي.

إسرائيل من جانبها، وفي ظل الحكومة اليمينية الحالية، تريد من الإسرائيليين التوقف عن الخروج في مظاهرات "سبتية"، فالجبهات توحدت والخطر أكبر من قضية تعديلات، وإسرائيل أمام سؤال اليوم تبقى أو لا تبقى؟ وهي مقاربة قد تجد آذاناً تصغي لها في واشنطن وعواصم أوروبية، وبما يجعل دعم إسرائيل وضمانات بقائها أهمّ من الخلافات والمناكفات الإسرائيلية.

مواضيع ذات صلة:

تصعيد مدروس بين إيران وإسرائيل في الإقليم يكشف أزمات تل أبيب وطهران العميقة

اتفاق الغاز اللبناني ـ الإسرائيلي بمقاييس الممانعة

الاتفاق النووي بين ضمانات طهران لإسرائيل والعرب



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية