تصعيد مدروس بين إيران وإسرائيل في الإقليم يكشف أزمات تل أبيب وطهران العميقة

تصعيد مدروس بين إيران وإسرائيل في الإقليم يكشف أزمات تل أبيب وطهران العميقة

تصعيد مدروس بين إيران وإسرائيل في الإقليم يكشف أزمات تل أبيب وطهران العميقة


01/04/2023

يطرح التصعيد في العمليات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل و"محور المقاومة" العربية والإسلامية، وشمول هذا التصعيد جبهتي لبنان والجولان السوري المحتل، عبر عمليات إطلاق الصواريخ المتبادلة بين إسرائيل وهذا المحور، يطرح جملة من التساؤلات حول توقيتات هذا التصعيد، وأهدافه ومآلاته بالنسبة إلى طرفيه المفترضين، وهما "إسرائيل، وإيران عبر أدواتها"، لا سيّما أنّه من الواضح أنّه تصعيد "منضبط"، أظهر حرص الطرفين على قناعات بضرورة عدم الذهاب إلى حرب شاملة ومعارك مفتوحة، فكيف يمكن تفسير ما يجري؟

إسرائيل

تتعدد مستويات وعمق الأزمات التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو، ما بين أزمات داخلية وأخرى خارجية، متشابكة ومعقدة، يرتبط الداخلي منها بانقلابات على شكل ومضمون دولة إسرائيل، ومبدأ فصل السلطات بإخضاع القضاء لسلطة البرلمان، وتأسيس حرس ثوري إسرائيلي على غرار الحرس الثوري الإيراني، بقيادة "بن غفير" الذي أصبحت "رقبة" نتنياهو بين يديه، والفشل في تقدير ردود الفعل الإسرائيلية، ليس من قبل المعارضة فقط، بل ومن قبل المؤيدين لنتنياهو، بمن فيهم قيادات في حزب "الليكود"، ولعل ما ينبغي تأكيده هنا أنّ القضية الفلسطينية واستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بمرجعية "أوسلو" وحلّ الدولتين، ليست موضع خلاف بين المعسكرين الإسرائيليين، إلا بحدود الكيفيات، وبتوافق يتضمن رفض الدولتين، وطرح بدائل يتم اختزالها في عنوان "أقلّ من دولة وأعلى من حكم ذاتي" وبعناوين: الاقتصاد مقابل السلام، وليس السلام مقابل الأرض.

من الواضح أنّه تصعيد "منضبط" أظهر حرص الطرفين على قناعات بضرورة عدم الذهاب إلى حرب شاملة ومعارك مفتوحة

أمّا الأزمات الخارجية، فحكومة نتنياهو، منذ إعلان تشكيلها، تواجه أزمة علاقات وشكوك من قبل الولايات المتحدة، برغم مفردات القاموس المتبادل بين واشنطن وتل أبيب حول "العلاقات الاستراتيجية"، تلك الشكوك لا تتوقف عند واشنطن، بل تشمل كثيراً من دول الاتحاد الأوروبي، المنهمكة باحتواء تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، والتي أظهرت "محدودية" القدرات الأوروبية السياسية والاقتصادية، ولم تجد وسائل "تحصين" إلا بتعزيز التحالف مع واشنطن، ناهيك عن شكوك أعمق من قبل روسيا بالإضافة إلى الصين، وخاصة من قبل موسكو التي تتهم تل أبيب بالوقوف إلى جانب أوكرانيا، علاوة على أنّ التطورات المتسارعة تشي بالتشكلات الجديدة للنظام العالمي الجديد، الذي تتم بلورته على هامش غزو روسيا لأوكرانيا، ويتوقع أن يكون أحد أبرز مخرجاتها ونتائجها.

إقليمياً، تلقت حكومة نتنياهو ضربات متلاحقة، فبعد أن بدأ مشواره الجديد بالترويج لتحالف في المنطقة ضد إيران، وتوسيع اتفاقات التطبيع مع دول عربية وإسلامية جديدة، والإشارات الصريحة لقرب إعلان اتفاق تطبيع مع السعودية، ذهبت الرياض لإنجاز اتفاق "مصالحة" تاريخي مع طهران، وبالتزامن تذهب الدول العربية ومعها تركيا بخطوات "تطبيع" مع القيادة السورية، المتحالفة مع طهران، فيما "تشنجت" علاقات تل أبيب مع دول السلام الأقدم "مصر والأردن" والسلام الإبراهيمي، على خلفية اعتداءات جديدة وغير مسبوقة على الأماكن الإسلامية المقدّسة، والتصعيد ضد الفلسطينيين بحجج ومبررات غير مقنعة، تتزامن مع انسداد الأفق لاستكمال عملية سلام، ومواصلة وشرعنة الاستيطان، والانقلاب حتى على اتفاقات أوسلو وضرب حلّ الدولتين، وهي مواقف إسرائيلية لا تستطيع معها أيّ حكومة عربية أو إسلامية إلا إدانتها ورفضها، وهو ما عبّرت عنه تركيا التي أعادت علاقتها مع تل أبيب في العام الماضي.

إيران ووكلاؤها في الإقليم

تعيش إيران أزمات معقدة ومركّبة داخلياً وفي علاقاتها الإقليمية والدولية، لا تتوقف عند الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في الداخل الإيراني، ولا عند  تعثر المفاوضات النووية بما فيها انتقال الوسيط الأوروبي لتبنّي مقاربات أصبحت أكثر قرباً من المواقف الأمريكية، إلا أنّ المتغير النوعي هو تلك التسريبات المتضمنة أنّ استخدام الخيار العسكري ضد طهران أصبح خياراً يتجاوز التلويح، وأنّه يقترب من خيارات تنفيذية، بمعزل عن سيناريوهات التنفيذ، سواء كانت من قبل إسرائيل وحدها أو بالاشتراك مع واشنطن ودول أخرى.

لعل الجديد في هذا التصعيد، بعيداً عن القصف الصاروخي المتكرر بين حماس وإسرائيل بحدود قطاع غزة، هو انطلاق صواريخ ضد إسرائيل من مناطق في جنوب لبنان، يفترض أنّها تخضع لسيطرة حزب الله، الحليف الأبرز لإيران في المنطقة، وقد أسهم عدم تبنّي حزب الله أو حماس لإطلاق تلك الصواريخ، بل والإعلان الصريح والسريع من حزب الله بعدم مسؤوليته عن العملية، في تعزيز الشكوك بالعملية برمتها، لا سيّما أنّ الرد الإسرائيلي كان مماثلاً قياساً بالخسائر جراء إطلاق صواريخ استهدفت مناطق خالية من السكان.

حزب الله يعيش جملة أزمات معقدة لا تقلّ عن أزمات إيران، فالحزب متهم لبنانياً بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، بالإضافة إلى انهيار الوضع الاقتصادي اللبناني، الذي انعكس على موارد الحزب المالية وتراجع شعبيته، وحالة عدم اليقين من كيفية انعكاس الاتفاق السعودي- الإيراني عليه داخل لبنان وفي الإقليم، وبالتزامن فإنّ حركة حماس تعيش أزمات تنظيمية وسياسية لا تقلّ عن أزمة حزب الله، في إطار صناعة القرار بين الداخل والخارج، وتداعيات الحصار المفروض على غزة من قبل إسرائيل .

إذن لماذا التصعيد بهذا التوقيت؟

واضح أنّ تصعيداً محدوداً ومدروساً من قبل إسرائيل وإيران يحقق للطرفين مصالحهما التكتيكية، فإيران أرادت تذكير إسرائيل بما لديها من أوراق ذاتية وإقليمية في مناطق نفوذها، وهو ما يفسر عناوين الرسالة الإعلامية الإيرانية بعد هذا التصعيد بالتأكيد على عنوان "وحدة محور المقاومة" في فلسطين وخارجها، وباستثمار التصعيد الإسرائيلي ضد المسجد الأقصى، ولعل ما يؤكد ذلك أنّ الأقصى وغزة تعرّضا لـ (6) حروب شنتها إسرائيل بين "2008-2022" ولم تشارك بها إيران ولا حزب الله، رغم أنّ "القدس" حاضرة في الرسائل الإعلامية لهما.

إيران أرادت تذكير إسرائيل بما لديها من أوراق ذاتية وإقليمية في مناطق نفوذها

وبذلك فإنّ القيادة الإيرانية أرادت تحقيق هدفين؛ وهما، الأوّل: رسالة تحذيرية أنّه في حال توجيه ضربة لطهران، فإنّ جبهات المقاومة التابعة لإيران ستفتح بالتزامن ضد إسرائيل، والثاني: شعور إيران ومحور المقاومة بالحرج بسبب عدم الرد على الضربات الصاروخية المتكررة التي تنفذها إسرائيل في سوريا ضد إيران وحزب الله، وآخرها مقتل قيادات من الحرس الثوري الإيراني في دمشق.

من جانبها، فإنّ الحكومة الإسرائيلية، وبمقاربة السياقات الداخلية والإقليمية والدولية، التي تمت الإشارة إليها، فإنّ أيّ تصعيد عسكري ضد إسرائيل في فلسطين أو من غزة ولبنان ومن سوريا، يحقق للحكومة الحالية بقيادة نتنياهو "طوق نجاة" بشكل مؤقت للإفلات من الضغوط التي تواجهها، باستثمار حساسية الإسرائيليين والهاجس الأمني، وهو ما يفسّر صياغة التصعيد من قبل حلفاء نتنياهو بـ "توحد إيران وحلفائها ضد إسرائيل"، وبما ينتج "سياقاً جديداً" يحرف الأنظار عن التعديلات القضائية وانتهاكات اليمين المتطرف في الأقصى، ويجعل الإسرائيليين تحت خطر داهم ودائم.

غير أنّ الأهم في تفسير سياقات هذا التصعيد أنّه يتزامن مع الاتفاق السعودي- الإيراني، وانفتاح النظام العربي على القيادة السورية، وهو ما شكّل ضربة لجهود إسرائيلية حثيثة بعد إنجاز اتفاقيات السلام الإبراهيمي، واعتقاد الحكومة الإسرائيلية بأنّها أنجزت تحالفاً بمشاركة  كثير من دول المنطقة ضد إيران، لا سيّما أنّ نتنياهو قدّم إسرائيل في مراحل سابقة بوصفها دولة ضمن تحالف سنّي واسع لمواجهة إيران، فإسرائيل عبر هذا التصعيد تسائل "الجميع" عن دورها وموقعها في الاتفاقات والتحولات التي تشهدها المنطقة، وفي مقدمتها الملف السوري والوجود والدور الإيراني بهذا الملف.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية