محاكمة رياض سلامة أم الطبقة السياسية في لبنان؟

محاكمة رياض سلامة أم الطبقة السياسية في لبنان؟

محاكمة رياض سلامة أم الطبقة السياسية في لبنان؟


21/03/2023

محطة مفصلية تنتظر محافظ المصرف المركزي في لبنان، رياض سلامة، بعد أنّ ادعى القضاء اللبناني عليه في تهمة تبييض أموال. أمضى سلامة 30 عاماً في موقعه كمحافظ لمصرف لبنان، بات فيها واحداً من أرباب الطبقة السياسية، التي تتحكم بمفاصل البلاد.

لهذا يعتبر المسار الذي ستتخذه قضية رياض سلامة مهماً للوضع السياسي في لبنان، خاصة أنّ سلامة يشغل واحداً من المناصب المارونية الكبرى، وبغيابه يتولى نائبه الشيعي المنصب حتى اختيار حاكم جديد، في عملية لن تحدث قبل الانتخابات الرئاسية.

التحقيقات مع سلامة

فُتحت التحقيقات بشأن رياض سلامة في دول أوروبية منذ العام 2020. بدأت بتحقيق سويسري فيما إذا كان سلامة وشقيقه رجا قد حصلا بشكل غير قانوني على أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي بين عامي (2002 - 2015). تبع ذلك تحقيقات من سلطات فرنسا وألمانيا ولوكسمبورج. وبناءً على طلب من القضاء الأوروبي خصص القضاء اللبناني جلسة استماع للمحققين الأوروبيين مع سلامة، على أنّ يطرح الجانب اللبناني الأسئلة.

ولم تفلح محاولات سلامة القانونية للامتناع عن حضور جلسات الاستماع، ليتلقى ضربة أخرى بعدما أعلنت الدولة ممثلة في هيلانة إسكندر، رئيسة هيئة قضايا الدولة في وزارة العدل الادعاء بحق كل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وشقيقه رجا، وماريان مجيد الحويك وكل مَن يظهره التحقيق. وذلك في جرائم الرشوة والتزوير واستعمال المزوّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي.

وطلبت القاضية هيلانة إسكندر توقيفهم وحجز أملاكهم العقارية وتجميد حساباتهم المصرفية وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين لمنعهم من التصرّف بها حفاظاً على حقوق الدولة اللبنانية، وإصدار القرار الظني في حقهم تمهيداً لمحاكمتهم أمام محكمة الجنايات في بيروت لإنزال أشد العقوبات في حقهم لخطورة الجرائم المدّعى بها في حقهم، محتفظةً بحقق تحديد التعويضات الشخصية أمام محكمة الأساس.

القاضية هيلانة إسكندر: توقيف كل مَن يظهره التحقيق

أنهى المحققون الأوروبيون اجتماعاتهم مع سلامة، على أنّ يعودوا خلال شهر لإكمال التحقيق. وبحسب ما نقلته وسائل إعلام لبنانية، هناك ثقة أوروبية بتورط سلامة في الجرائم المنسوبة إليه. ومن المنتظر بعد خطوة الادعاء على سلامة أنّ يبدأ التحقيق المحلي، الذي يقوده قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة، شربل أبو سمرا.

من جانبه، استمر سلامة على موقفه في نفي التهم الموجهة إليه، وكذلك فعل شقيقه. وصرح سلامة عن التحقيقات الأخيرة بأنّها تأتي في إطار حملة لتقديمه كبش فداء للمسؤولين عن الانهيار المالي عام 2019.

التحقيق اللبناني

وبحسب قانون "النقد والتسليف" لعام 1963، لا يمكن عزل حاكم مصرف لبنان. ويجرى تعيينه بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء.

يقول رئيس مركز "ليبرتي للدراسات القانونية والدستورية" الأكاديمي والمحامي اللبناني محمد زكور، حول الإجراءات القانونية بحق سلامة، بأنّ القانون اللبناني حدد جرم اسمه تبييض الأموال - حُدث نص القانون - وفي حالة الادعاء على سلامة بتلك التهمة، يُفترض أنّ ذلك بُني على جريمة سابقة أو أنّ تكون الأموال المراد تبييضها مصدرها غير شرعي كرشوة أو استغلال نفوذ.

وأوضح القانوني اللبناني، بأنّه لا يمكن إدانة شخص بجريمة تبييض الأموال دون ارتباطها بجريمة أو مصدر كسب غير مشروع.

واحد من ملفات الخلاف بين التيار الوطني الحر (العونيين) وحزب الله، هو الموقف من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، المدعوم من رئيس مجلس النواب نبيه بري

لتحقيق الشروط اللازمة لاكتمال جرم تبييض الأموال، حضرت القاضية هيلانة إسكندر جلسة الاستماع الثانية لرياض سلامة أمام القاضي أبو سمرا، بناءً على طلب أوروبي. أرادت القاضية الاستفادة مما قيل في التحقيق لتدعيم القضية التي تبنيها ضد رياض سلامة وشقيقه ومساعدته.

وكان تحرك القضاء اللبناني أثار سجالاً حول توقيته، وانقسمت الآراء؛ بين من يرونه انتصاراً، وآخرون يرونه وضع يد القضاء على ملف التحقيقات الأوروبي لمساعدة سلامة على الإفلات من العقاب.

يوضح الأكاديمي والمحامي، محمد زكور، بأنّه حسب اتفاقية مكافحة الفساد الدولية التي وقع عليها لبنان، تمّ التحقيق مع سلامة. وتابع بأنّ الاتفاقية تمنح الأولوية بالتحقيق للقضاء اللبناني، وبالتالي الشهر الماضي عندما أتت الوفود الأوروبية للاستماع والتحقيق مع سلامة، تحرك القضاء اللبناني بقدرة قادر ليدعي على سلامة وأخيه، وبهذه الحالة يصبح التحقيق للقضاء اللبناني والأوروبيون مستمعون.

ويتساءل زكور عن توقيت التحرك، وهل يهدف إلى تهريب سلامة من التحقيقات الأوروبية الجادة. مقابل ذلك يرى آخرون أنّ خصومة سياسية تقف وراء الإدعاء على سلامة؛ لأنّ أشد تيار سياسي معارض لسلامة هو التيار الوطني الحر بقيادة ميشال عون وجبران باسيل، بما لهم من نفوذ كبير في مؤسسات الدولة.

محمد زكور: هناك تخوف من تدخل الطبقة السياسية

وعن الإجراءات القضائية المقبلة بحق سلامة، قال القانوني محمد زكور، بأنّ لا أحد يستطيع توقع الخطوات المقبلة بحق سلامة؛ لأنّ هناك تخوفاً من تدخل الطبقة السياسية التي تعاونت مع سلامة لمدة 30 عاماً. وأفاد بأنّ لسلامة علاقات واسعة بالمصرفيين والسياسيين، وهدد مراراً بأنّه لو وقع لن يكون وحده، ولهذا هناك خوف من تدخل من تربطهم مصالح بسلامة في سير التحقيقات.

حلفاء سلامة

بدوره قال المحلل السياسي اللبناني شادي سرايا، إنّ رياض سلامة شريك الطبقة السياسية في كل شيء في لبنان. ولفت إلى أنّه بإيحاء من جبران باسيل إدعت القاضية غادة عون على سلامة داخلياً وخارجياً، كما أنّ الساسة أصدقاء سلامة دعموه بالضغط على مدعي عام التمييز، حتى أصدر أوامره بوقف التعاون مع القاضية عون.

يرى سرايا بأنّ القاضية عون تكيل بمكيالين؛ تترصد رياض سلامة، بينما تغض الطرف عن اتهامات الفساد الأمريكية بحق جبران باسيل، والاتهامات الداخلية بحق ميشال عون وباسيل، وكذا ملاحقة قضية القرض الحسن التابع لحزب الله، المشهور بأنّه عملية تبييض أموال.

المحلل السياسي شادي سرايا لـ"حفريات": سلامة كان له دور كبير في بناء النظام المالي اللبناني، لكنه أيضاً شريك في بعض الأمور التي أدت إلى تدهور الاقتصاد

وأفاد المحلل اللبناني بأنّ سلامة كان له دور كبير في بناء النظام المالي اللبناني، لكنه أيضا شريك في بعض الأمور التي أدت إلى تدهور الاقتصاد، ولا عذر له باسم تدخلات السلطة التنفيذية.

ليس خافياً أنّ واحداً من ملفات الخلاف بين التيار الوطني الحر (العونيين) وحزب الله، هو الموقف من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، المدعوم من رئيس مجلس النواب نبيه بري. وضع الرئيس السابق ميشال عون وتياره إقالة سلامة من منصبه هدفاً أساسياً. يرى العونيون أنّ سلامة واحد من أكبر رؤوس الفساد في المنظومة، التي تعهدوا بتطهير البلاد منها، خاصة أنّ منصب الحاكم من حصة المسيحيين الموارنة.

القاضية غادة عون أول من ادعت على رياض سلامة

وقبل أنّ يتحقق هدف العونيين، كان تورطهم في الفساد أسرع وأكبر من غيرهم. تعتبر أزمة دعم الطاقة أهم أسباب الانهيار المالي الحالي؛ استنزفت من الدولة دعماً سنوياً يتخطى 2 مليار دولار، فضلاً عن تفشي الفساد فيها، وهي التي ظلت خاضعة لمدة 12 عاماً للوزير جبران باسيل، وخلفه من تياره السياسي.

يذكر أنّ وزارة الخزانة الأمريكية فرضت عقوبات على الوزير السابق جبران باسيل في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020. بموجب قانون ماغنيتسكي لحقوق الإنسان الذي يستهدف الضالعين في انتهاكات حقوقية وممارسات فساد في أنحاء العالم. ويدعو القانون إلى تجميد أي أصول أمريكية للمستهدفين ويمنع الأمريكيين من القيام بأي أعمال معهم. وحظرت وزارة الخارجية الأمريكية أيضا سفر باسيل إلى الولايات المتحدة.

وفي السياق ذاته، صرح وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في بيان "باسيل قوض أيضاً الحكم الرشيد بهذه الأنشطة الفاسدة، وساهم في ترسيخ نظام الفساد والمحسوبية السياسية الذي ابتلي به لبنان، وساعد حزب الله في أنشطته المزعزعة للاستقرار".

شادي سرايا: متى يُلاحق جبران باسيل؟)



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية