متطرفون في الجيش الأمريكي.. كيف تسربوا؟

متطرفون في الجيش الأمريكي.. كيف تسربوا؟


09/12/2021

لم يعد سراً اليوم أنّ التطرف العنيف أصبح مشكلة خطيرة تثير الفزع في الأوساط الأمريكية الرسمية والشعبية، لكن الأخطر هو تسرب هذه الظاهرة الى أوساط الجيش الأمريكي الذي أصبح يواجه مشكلة تسرب التطرف العنيف الى صفوف قطاعاته ووحداته المختلفة (البحرية، والجوية، البرية) حتى خرجت القضية الى العلن فبادرت وزارة الدفاع الأمريكية الى الاهتمام بهذا الملف ومحاولة دراسته وتحليله للوقوف على أسبابه لمعالجته بسرعة.

اقرأ أيضاً: الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية

وضمن هذه السياقات نُشر في وسائل الأعلام الأمريكية بتاريخ 1 كانون الأول (ديسمبر) 2021 تقرير مهم جداً وخطير صدر عن (تيريزا س. هال)- نائب المفتش العام للتنوع والشمول والتطرف في الجيش - "مكتب المفتش العام بوزارة الدفاع" الأمريكية جاء فيه أنّ الفروع والوحدات العسكرية الأمريكية المختلفة أبلغت عمّا يقرب من 300 ادعاء بالتطرف العنيف بين كوادر القوات الأمريكية في الفترة الزمنية  بين 1 كانون الثاني (يناير) و30 أيلول (سبتمبر) 2021، على الرغم من أنّ البنتاغون لم يضع بعد معايير الإبلاغ والتتبع التي يفرضها الكونغرس.

ووفقاً للتقرير، أبلغت الإدارات العسكرية عن إجمالي 294 ادعاء، و281 تحقيقاً واستفساراً، و92 حالة تم فيها اتخاذ إجراء، و 83 إحالة إلى وكالات إنفاذ القانون المدنية. وقد توزعت هذه الحالات كما يلي:  هناك 137 ادعاء في سلاح الجو، و 81 في الجيش،  و44 في البحرية و32 في سلاح مشاة البحرية.  وقد أجرت كافة هذه القطاعات تحقيقات باستثناء 13 في البحرية لم تتطلب مزيداً من التحقيق. ويمكن أنّ نلاحظ هنا أن أكبر عدد من المتطرفين هو في سلاح الجو!

 الجيش الأمريكي أصبح يواجه مشكلة تسرب التطرف العنيف الى صفوف قطاعاته ووحداته المختلفة

وبعد استكمال التحقيقات، اتخذ سلاح الجو إجراءات في 37 حالة، والجيش في 18 حالة، وأحالت البحرية 27 حالة للعقاب، بما في ذلك واحدة للمحاكمة، واتخذ سلاح مشاة البحرية إجراءات في 10 حالات، وفقاً للتقرير.

والإبلاغ عن التطرف العنيف مطلوب بموجب "قانون تفويض الدفاع الوطني" ( NDAA) لعام 2021 الذي يحدد الميزانية السنوية لوزارة الدفاع، كما طالب البنتاغون بوضع سياسات رقابية وعمليات وطرق للإبلاغ عن التطرف في صفوفه.

فريق العمل لمكافحة التطرف التابع لوزارة الدفاع

جاءت مبادرة إجراء التحقيقات بهذا الملف بعد عام من الاضطرابات العرقية بسبب قتل الشرطة لسود غير مسلحين، والتطرف الداخلي الذي وصل إلى ذروته عندما اقتحم حشد كبير من أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب مبنى الكابيتول في‏ 6 كانون الثاني (يناير) 2021، حيث تم القبض على أكثر من 700 شخص لخرق المبنى في ذلك اليوم، وفقاً للمحكمة الفيدرالية لمقاطعة كولومبيا. ففي أعقاب أعمال الشغب هذه بدأت تظهر تقارير عن الدور غير المتناسب على ما يبدو الذي لعبه أعضاء حاليون وسابقون في الجيش الأمريكي.  وتشير أحدث البيانات التي نشرها معهد راند الأمريكي إلى أنّ 12 في المائة من المقبوض عليهم والمتهمين بالمشاركة في أعمال الشغب كانوا أعضاء حاليين أو سابقين في الجيش الأمريكي.

أنصار ترامب خلال اقتحام الكونغرس

وفي رد سريع على هذه الظاهرة  أنشأ وزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن)  في نيسان (أبريل) 2021 ‏ما يسمى "فريق العمل لمكافحة التطرف التابع لوزارة الدفاع" للإشراف على تنفيذ متطلبات التطرف الواردة في قانون تفويض الدفاع الوطني، وأمر وكيل وزارة الدفاع للأفراد والاستعداد والمستشار العام لوزارة الدفاع بإعادة تعريف الوزارة للأنشطة المتطرفة المحظورة.

اقرأ أيضاً: صعود وسقوط أسامة بن لادن.. لماذا يستمرّ بإلهام ‏‏الإرهابيين؟

وهنا برزت مشكلة تعريف الأنشطة المتطرفة المحظورة والتطرف العنيف في أمريكا؛  فوفقاً لتقرير البنتاغون فإنّ تعريف البنتاغون للتطرف أو الأنشطة المتطرفة عموماً يعتمد المصطلحات الموحدة التي يستخدمها مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي الأمريكية لوصف أعمال الإرهاب المحلي التي تشمل طيفاً واسعاً من المصطلحات مثل: التطرف العنيف بدوافع عنصرية، والتطرف المناهض للحكومة / المناهض للسلطة، وحقوق الحيوان والتطرف البيئي والتطرف المتعلق بالإجهاض.

  فشل البنتاغون في وضع سياسات معيارية للفروع العسكرية لتتبع حالات التطرف والإبلاغ عنها

وباستخدام التعريفات أعلاه كدليل أو تعريف إجرائي، تضمن التقرير  294 ادعاء في الخدمات العسكرية، منها 70 حالة من "التطرف العنيف بدوافع عنصرية"، 73 تقريراً عن "التطرف المناهض للحكومة / ضد السلطة"، 102 تقريراً عن "مشاركة التطرف في العنف المنزلي"، 24 مزاعم بـ"نشاط / انتماء عصابة إجرامية"، و 13 تقريراً عن "انتهاك معايير الخدمة، والمشاركة السياسية، وعصيان أمر، وانتقام وتقييد"، و 10 تقارير عن "التعدي على ممتلكات الغير في مبنى الكابيتول الأمريكي"، وتقريرين 2 عن "ازدراء تجاه شخصية عامة."

اقرأ أيضاً: توسيع داعش لنطاق هجماته: هل كان مفاجئاً؟

ومع ذلك، فإنّ صحة البيانات غير واضحة، وفقاً للتقرير؛  فبعد ما يقرب من عام بعد أن أصبح هذا المطلب قانوناً، فشل البنتاغون في وضع سياسات معيارية للفروع العسكرية لتتبع حالات التطرف والإبلاغ عنها، مما تسبب في عدم اتساق جمع البيانات عبر القطاعات العسكرية. ووفقاً للتقرير، "على سبيل المثال، لم تتتبع البحرية الإجراءات التأديبية للمشاركين في المنظمات والأنشطة المتطرفة، بالإضافة إلى ذلك، صرحت وزارة البحرية ووزارة القوات الجوية أنهما ستحدثان سياساتهما بمجرد مراجعة سياسات مكتب وزير الدفاع ذات الصلة.

وحث مؤلفو التقرير البنتاغون على استكمال المهام المطلوبة بموجب "قانون تفويض الدفاع الوطني"(‏ NDAA‏) ‏لضمان دقة البيانات. وهم يتوقعون المزيد من مشاريع "المفتش العام" في العام 2022 التي ستحلل "جوانب إضافية" من سياسات البنتاغون التي تعالج السلوك المتطرف والأنشطة المحظورة.

12% من المتهمين بالمشاركة في اقتحام الكابيتول كانوا أعضاء حاليين أو سابقين في الجيش الأمريكي

وأشاروا إلى ضرورة أن تضع وزارة الدفاع سياسة على مستوى الوزارة لتتبع مزاعم الأنشطة المحظورة والإبلاغ عنها، ستستمر الوزارة في تتبع غير متسق للإجراءات التأديبية للمشاركة في المنظمات والأنشطة المتطرفة، ومشاكل تحديد وجمع البيانات من أنظمة لامركزية متعددة، والصعوبة التحقق من صحة البيانات.

التوصيات والحلول

كما هو معروف في أمريكا فإنّ مؤسسات المجتمع المدني خاصة مراكز الأبحاث والدراسات تساهم بتقديم التوصيات والحلول ودراسة المخاطر بالتعاون مع الوزارات والمؤسسات الأمريكية.

وبهذا المجال قدّم معهد راند الأمريكي المرموق في تشرين الثاني (أكتوبر) 2021 دراسة أعدها  ثلاثة من الباحثين على رأسهم الدكتور تود هيلموس (Todd Helmus) ونشرت على منصات التواصل الاجتماعي وصفحة المعهد، حول خطورة هذا الملف، بعنوان (مكافحة التطرف العنيف في الجيش الأمريكي) قدموا فيه عدداً من التوصيات لوزارة الدفاع الأمريكية في الكيفية التي يمكن بها منع الإرهاب أو مكافحة التطرف العنيف أن يعالج هذه المسألة. كما قدموا  مبادرات "تدخل" (تدخل لمنع التطرف) قد تنظر وزارة الدفاع الأمريكية في اعتمادها. واستعرضوا إطار مكافحة الإرهاب كما تم تطبيقه في القطاع المدني الأميركي، مركزين  على المبادرات التي قد تكون ذات صلة وقابلة للتكيف مع السياق العسكري، ومسلطين الضوء على أدلة أوسع نطاقاً على هذه المبادرات، ويضعها في سياق عملية التطرف وفي سياق مبادرات أخرى من هذا القبيل.

وفي نهاية تقريرهم قدموا عدداً من التوصيات لوزارة الدفاع، من أهمها: اعتماد برامج محددة لمنع الإرهاب، الاستمرار في تقييم الانتشار العام للتطرف في الجيش، السعي لفهم كيف يتجلى التطرف في الجيش، والسعي لفهم الديناميات الداخلية المتعلقة بالتطرف، وإجراء مجموعة من البحوث التي يمكن أن تفيد في إنشاء تدخلات لمنع الإرهاب وتقييم تأثيرها.

اقرأ أيضاً: ضحايا الإرهاب في أفريقيا لا بواكي لهم في إعلام الغرب.. لماذا هذا التحيز؟

خلاصة الأمر؛ هناك مشكلة في ضبط المفاهيم والمصطلحات في حقل دراسة الإرهاب ونشاطات مكافحة الإرهاب العملية، في نفس الوقت هناك تسارع في انتشار التطرف العنيف في المجتمع الأمريكي بشكلٍ عام؛ والجيش كجزء من المجتمع ليس محصناً ضد هذه الظاهرة. ولعل هذا هو مكمن الخطورة والأهمية، وهو ما تسعى وزارة الدفاع الأمريكية حالياً لضبطه ومعالجته نظراً لخطورته على بنية وسلوك الولايات المتحدة الأمريكية بعيداً عن ساحة التنافس الحزبي والتجاذبات السياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية