ما موقف القاعدة وداعش من حرب غزة؟

ما موقف القاعدة وداعش من حرب غزة؟

ما موقف القاعدة وداعش من حرب غزة؟


14/07/2024

تتعدد المرجعيات المؤسسة التي يمكن من خلالها تفكيك إشكالية موقف التنظيمات الجهادية، وتحديداً (القاعدة وداعش) تجاه طوفان الأقصى، لا سيّما أنّ التنظيمين اكتفيا بإصدار بيانات ومواقف إعلامية، عبر فروعهما، ولم ترتقِ حتى إلى درجة أن تكون بيانات مركزية صادرة عن هيئات قيادية، وباستثناء تلك البيانات الإعلامية التي تعيد إنتاج فكرة الجهاد بوصفه قاسماً مشتركاً مع ما يجري في طوفان الأقصى، لم يطلق التنظيمان، لا في العراق ولا في سوريا، أيّ بيانات، ولا حتى في فروعهما "والمبايعين" في الهند وأفريقيا، رصاصة باسم فلسطين تعبّر عن تضامن مع غزة وطوفان الأقصى والقضية الفلسطينية، ومع ذلك، فقد لوحظ من جملة بيانات صادرة عن فروع التنظيمين أنّ تنظيم القاعدة أشاد بكتائب القسام، دون الإشارة إلى حركة حماس، واكتفى تنظيم داعش بالإشارة إلى دعم  الفلسطينيين.

مواقف التنظيمين الجهاديين الأبرز أثارت تساؤلات كثيرة حول أسباب إحجامها عن مناصرة حماس وطوفان الأقصى، باستثناء تلك البيانات الإعلامية "الخجولة" التي حاولت اللحاق بالطوفان، ويبدو أنّ قناعات راسخة لدى هذه الجماعات بأنّ العملية تم تنفيذها لخدمة أجندة إيرانية، بالتنسيق بين الحرس الثوري الإيراني وقيادات حماس داخل قطاع غزة، بغطاءات تحرير فلسطين والأقصى، تُعدّ أول الأسباب المباشرة لهذا الإحجام، وهي تتساوق مع قناعات نخب عربية "رسمية وشعبية" أنّ وقود هذا الطوفان هو الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة، وهو ما تم فعلاً عبر مجازر وحشية غير مسبوقة يواصل الجيش الإسرائيلي ارتكابها في القطاع، وربما كان في المكاسب التي حققتها إيران بعد طوفان الأقصى وقف التطبيع العربي مع إسرائيل، والإفراج عن أموالها المجمدة بالعقوبات، وتحسين مواقفها وشروطها في مفاوضات الصفقة النووية، وهو ما يعطي مشروعية لمثل هذه المقاربات، في ظل موازنات بين ما حققته إيران وما تحقق للقضية الفلسطينية وحماس من وراء هذه العملية.

إلا أنّ كون الطوفان مرتبطاً بإيران، ليس السبب الوحيد لموقف هذه التنظيمات، إذ إنّ تنظيمي (القاعدة وداعش) يتبنيان إيديولوجية مشتركة تحت عنوان "عالمية الجهاد"، وإعادة الخلافة الإسلامية بصورتها الأولى، لكنّ تبياناً برز عبر أدبيات التنظيمين تجاه القضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي كانت فيه القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في خطابات تنظيم القاعدة، ولكن دون تنفيذ هجمات ضد إسرائيل، بحجة أنّها محاطة بدول تعقد اتفاقيات سلام مع إسرائيل، لم تأخذ القضية الفلسطينية حيزاً في خطابات تنظيم  (داعش) ودعايته، رغم تنفيذه بعض العمليات ضد أهداف "يهودية"، لا سيّما في الدول الأوروبية، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ تنظيمي (القاعدة وداعش)، وفي إطار خلافاتهما مع جماعة الإخوان المسلمين، ولكون حماس فرعاً من فروع الإخوان المسلمين، يرفضان مقاربات الإخوان "الإصلاحية" بالمشاركة السياسية ودخول المجالس النيابية، وهو ما تؤيده حماس، وكان من أبرز المحطات التي كشفت هذا الخلاف مراسلات سرّية بين زعيمي القاعدة (أيمن الظواهري) وزعيم داعش (البغدادي)، فقد وجّه البغدادي اتهامات للظواهري بالمهادنة وتأييد تسلم الإخوان المسلمين في مصر للحكم، وهو ما يتعارض مع الفكر المؤسس للقاعدة وداعش، ويشار هنا إلى أنّ حماس نفذت عام 2009 عملية واسعة استهدفت عناصر وكوادر تنظيم (جند الله) في غزة بوصفه جماعة تكفيرية تتبنّى الفكر الجهادي للقاعدة، واتهمت إسرائيل حماس بالطوفان بأنّها تنظيم يتبع لداعش، بالاستناد إلى بعض سلوكيات حماس خلال اجتياح مستوطنات غلاف غزة، إلا أنّ تلك الاتهامات سرعان ما تلاشت، على خلفية أنّ حماس تمتلك قضية وطنية عنوانها الاستقرار وإنهاء الاحتلال.

وبالتزامن مع تلك الأسباب، فإنّ تنظيمي القاعدة وداعش تعرّضا لضربات متلاحقة منذ الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وفي العراق وسوريا لاحقاً، وهو ما يمكن معه تفسير صدور بيانات عن فروعهما في مناطق بعيدة جغرافيّاً عن الصراع، ومن غير الواضح فيما إذا كانت هذه البيانات تعبّر عن مواقف قيادات وفروع ممّن بايعت القاعدة أو داعش لاحقاً، ودون أن تكون مرتبطة مع أيٍّ من التنظيمين ارتباطاً مباشراً، باستثناء المبايعة وتقاسم فكرة الجهاد العالمي.

وبمرجعية الرابحين والخاسرين من الطوفان، فإنّ المعطيات تشير إلى أنّ الإسلام السياسي، بنسختيه "السنّية والشيعية"، يتنازع ما يمكن أن يصفه انتصارات تحققت في فلسطين، قاسمه المشترك أنّ حفظ أرواح الغزيين في آخر قائمة اهتمام هذا الإسلام السياسي، ويبدو واضحاً أنّ إيران والميليشيات التابعة لها هي الطرف الأول الرابح من هذا الطوفان، فيما ينتظر الإخوان المسلمون النتائج النهائية لهذا الطوفان مدركين أنّها ربما تكون آخر معاركه، لا سيّما أنّ نتائجه،  حتى الآن، لا تشير إلى انتصارات إلا في إطار الدعاية الإعلامية، ومن المستبعد أن تستثمر التنظيمات الجهادية (القاعدة وداعش) في الطوفان باتجاه المزيد من الاستقطاب والتجنيد، لا سيّما أنّ مواقفهما أعادت إنتاج سرديات تتضمن شكوكاً واسعة بأنّ التنظيمين "صنيعة" استخبارات أمريكية وغربية، فيما تبدو حماس بهذا الطوفان كـ "جهادي" نفذ بغير إدراك حقيقي عملية انتحارية، وقضى نحبه إثرها، فقد أصبح مؤكداً أنّ حماس لن تحكم القطاع منفردة، وربما تواصل تنازلاتها وصولاً إلى إلقاء السلاح، وهو ما تشي به تسريبات مقربة من حماس، يؤكدها قادة حماس بمطالبهم الحالية التي لم يعد من بينها تحرير الأقصى.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية