ما مستقبل الخلاف الإيراني السعودي حول حقل الدرة النفطي؟

ما مستقبل الخلاف الإيراني السعودي حول حقل الدرة النفطي؟

ما مستقبل الخلاف الإيراني السعودي حول حقل الدرة النفطي؟


11/07/2023

يشكل الخلاف بين إيران من جهة، مع المملكة العربية السعودية والكويت من جهة أخرى، حول مُلكيّة حقل الدرة النفطي الواقع في المياه الإقليمية للمنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية، أول اختبار لمرحلة ما بعد  اتفاق المصالحة الذي تم إنجازه بوساطة صينية بين السعودية وإيران، لا سيّما أنّ هذا الخلاف يأتي في ظل احتمالات تحوله إلى أزمة، قد يتم تطويقها وقد تتسع وتتصاعد باتجاهات تؤثر على مسار المصالحة، وتطرح في أوساط محللين وخبراء العديد من السيناريوهات لمآلات هذا الخلاف، وبمرجعيات الأهداف الإيرانية من إثارة هذا الملف في هذا التوقيت، والمديات التي يمكن أن يصل إليها هذا الخلاف، وتالياً جملة حقائق وملاحظات تشكل مفاتيح لفهم هذا الخلاف:

أوّلاً: يرتبط الخلاف حول الحقل بمسألة ترسيم الحدود الشرقية للمنطقة المحايدة بين المملكة العربية السعودية والكويت، ويشار إلى أنّ المسافة بين السواحل الإيرانية ومنطقة الحقل تبعد ضعف المسافة عن السواحل الكويتية، أي إنّها تقع في المياه الإقليمية للسعودية والكويت، ممّا يجعل مطالبة إيران بأن يكون لها نصيب في ملكية حقل الدرة بعيدة عن المنطق، ووفقاً للقانون البحري الصادر عن الأمم المتحدة عام 1982 "تمتد منطقة البحر التي تتمتع فيها دولة ذات سيادة بحقوق خاصة فيما يتعلق باستكشاف واستخدام الموارد البحرية، بما في ذلك إنتاج الطاقة من الماء والرياح، من الحدّ الخارجي للمياه الإقليمية (12 ميلاً بحرياً من خط الأساس) إلى (200) ميل بحري من ساحل دولة ما"، ويتم تقسيم مناطق الحقوق الاقتصادية في البحار ذات الشواطئ المتقاربة مثل الخليج العربي مناصفة، وهو ما يجعل المطالبة الإيرانية بحقوق في حقل الدرة غير واقعية، ومن الواضح أنّ طهران تدرك أنّه لا حقوق لها في هذا الحقل وفقاً للقانون البحري، لذا ترفض ترسيم الحدود البحرية بينها وبين الكويت والسعودية، لمعرفتها أنّ أيّ ترسيم وفقاً للقانون الدولي، ستكون نتيجته أنّ هذه الحدود ستكون شرق الحقل بعشرات الأميال.

 يرتبط الخلاف حول الحقل بمسألة ترسيم الحدود الشرقية للمنطقة المحايدة بين المملكة العربية السعودية والكويت

ثانياً: تتضمن المقاربة السعودية تجاه الخلاف موقفاً حاسماً، كما جاء في بيان للخارجية السعودية بأنّ "ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة، بما فيها حقل الدرة بكامله، هي ملكية مشتركة بين المملكة ودولة الكويت فقط، وأنّ السعودية والكويت لهما وحدهما كامل الحقوق السيادية لاستغلال الثروات في تلك المنطقة"، وأعلن وزير النفط الكويتي أنّ دولة الكويت "ترفض جملة وتفصيلاً الادعاءات والإجراءات الإيرانية حيال حقل الدرة البحري"، ويُذكر أنّ الرياض والكويت وقّعتا مذكرتي تفاهم تضمنتا العمل المشترك على تطوير واستغلال حقل الدرة؛ الأولى عام 2019، والثانية عام 2022، تضمنت الاتفاق على تسريع الأعمال وفقاً للبرنامج والجدول المتفق عليه.

ثالثاً: يعتقد على نطاق واسع أنّ إيران تحاول استغلال ما يمكن وصفه بخلافات سابقة وقعت بين الكويت والسعودية حول الاستثمار بحقل الدرة، قبل التوصل إلى اتفاق باستثماره مناصفة، فقد أغلقت السعودية عام 2014 المنطقة المحايدة مع الكويت، وهو ما فتح شهية إيران للدخول على خط الخلاف عام 2015، بمزاعم أنّ لها حقوقاً في الحقل الذي يبلغ حجم إنتاجه من الغاز ما يقارب مليار قدم مكعب يومياً، وتبدو جدية إيران باستمرار المطالبة بما تصفه حقوقها موضع شكوك، يفسرها تردد طهران الذي يصل إلى مستوى الرفض لاستكمال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، ولقناعتها بأنّه لا حقوق لها في الحقل، وتفتح هذه الفرضية الباب حول سيناريوهات مستقبل هذا الخلاف، ونعتقد أنّ أبرزها:

1-  استمرار الخلاف في حدوده الحالية، بمعنى استمرار مطالبة إيران بحقوق في الحقل، والتهديد بالبدء بعمليات تنقيب، ولا يستبعد أن تقوم طهران بنقل معدات على الأطراف الشرقية للحقل، وهو سيناريو وارد في ظل مطامع إيران بحصة من كميات الغاز المهولة في الحقل، ومع ذلك يبقى هذا السيناريو محفوفاً بالمخاطر، لأنّ الإجراءات الإيرانية ستعدّ استفزازاً واعتداء من إيران على السعودية والكويت.

2-  تنفيذ الكويت والسعودية اتفاق التنقيب ومواصلة الاستثمار المشترك في الحقل، مع بقاء الحملة الإعلامية الإيرانية بمستويات الاحتجاج والمطالبة بحقوقها، وبما يرسل رسائل للداخل الإيراني بأنّ القيادة، ورغم اتفاق المصالحة، إلا أنّها لا تهدر حقوق الشعب الإيراني.

3-  التصعيد من قبل إيران بما يؤدي إلى صدامات، تبدأ بأزمة تتدحرج وتكبر على غرار الأزمة التي نشبت بين العراق والكويت عام 1990.

 هذا الخلاف يأتي في ظل احتمالات تحوله إلى أزمة

رابعاً: إثارة الخلاف حول الحقل من قبل القيادة الإيرانية غير معزول عن جملة تطورات إيرانية وإقليمية ودولية؛ أبرزها: التغطية على التفاهمات المتسارعة بين واشنطن وطهران، كبديل لاتفاق نووي جديد، يرجح أنّ إيران قدمت الكثير من التنازلات خلاله، ثم إنّ إيران بطرحها ملف الخلاف حول الدرة تريد التفاوض مع السعودية حول ملفات أخرى، فساحات الخلاف بين السعودية وإيران لم تحسم، سواء في سوريا وحصص الاستثمار، ولبنان واختيار رئيس له، والعراق ومستقبل الاستثمار، بما في ذلك مستقبل الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، ولم ينجز ملف المصالحة مع الحوثيين في اليمن، رغم ما شهده من تقدم على مستوى خفض التصعيد.

يبدو سيناريو التصعيد في ملف حقل الدرة، وبما يؤدي إلى انهيار اتفاق المصالحة بين الرياض وطهران، غير وارد في المدى المنظور، لإدراك الرياض وطهران أنّ المصالحة التي تحققت، بوساطة صينية أهمّ من خلاف حول حقل نفطي، مؤكد أنّه ليس لإيران أيّ حقوق فيه، ولا يستبعد أنّ إيران، ومن بين أسباب عديدة، أثارت هذه القضية باتفاق مع بكين، بحيث تتدخل مجدداً وتنهي الخلاف حول الحقل، وهو ما سيمنح بكين ورقة جديدة تؤكد دورها وحضورها بمتابعة اتفاق المصالحة، كما لا يستبعد أن تكون موسكو على اطلاع على هذا الاتفاق.

مواضيع ذات صلة:

حقل الدرة... هل يعيد التوتر السياسي بين إيران والسعودية؟

أزمة حقل الدرة: هكذا ردت الكويت على المزاعم الإيرانية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية