
شهدت العاصمة الليبية طرابلس تصاعدًا لافتًا في وتيرة الاشتباكات المسلحة بين الفصائل المسلحة التي تتقاسم النفوذ والسلطة في الجانب الغربي من الدولة، وذلك عقب انفجار الأوضاع بعد قتل عبد الغني الككلي، المعروف بـ "غنيوة"، قائد جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، وقد أدى مقتله إلى حالة من الذعر والارتباك في الشارع، مع تداعيات محتملة ربما تطال البنية الأمنية والسياسية في غرب ليبيا، وعلى إثر ذلك سارعت البعثة الأممية إلى التحذير من خطورة الوضع، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، مشيرة إلى أنّ استهداف المدنيين قد يُصنّف كجرائم حرب.
الجماعة في قلب طرابلس
قبل أعوام شرعت عناصر إخوانية في إشهار حزب سياسي جديد تحت اسم "الحزب الديمقراطي" برئاسة القيادي في الجماعة محمد صوان، وجاء تأسيس هذا الحزب بعد أن فشل صوان في البقاء على رئاسة حزب العدالة والبناء، وبسبب خلافات كبيرة داخلية بينه وبين عماد البناني.
قدّم عماد البناني، رئيس حزب "العدالة والبناء"، ورقة تتضمن مقترحًا "حول تأسيس (مشروع التكتل الوطني الجامع)، وسعت الجماعة لتنصيب الأمير "محمد الرضا السنوسي"، ولي عهد المملكة الليبية السابقة، ملكًا على الليبيين، من أجل بسط سيطرتها على كل ليبيا وحكمها بحجة عودة الملكية.
ويقود إخوان ليبيا مجموعة من العناصر المتواجدة في غرب ليبيا، وفي تركيا، وأهمهم: عبد الرزاق العرادي عضو المكتب السياسي، وسعد سلامة مسؤول المكتب السياسي، وإسماعيل القريتلي مسؤول الجناح الإعلامي، وبشير الكبتي المراقب العام السابق، وسليمان دوغة عضو اللجنة الإعلامية، وأحمد السوقي المراقب العام الحالي، وسهيل الصادق الغرياني عضو شورى الجماعة، وسليمان عبد القادر المراقب العام السابق، وأحمد خليفة عضو اللجنة الإعلامية، وأسامة كعبار عضو شورى الجماعة، وعبد الرحمن قاجة عضو باللجنة المالية، وعماد البناني رئيس حزب العدالة والبناء، وسالم أبو حنك رئيس جمعية الإحياء.
وقبل الأحداث بعدة شهور طويلة تم تأسيس حزب ليبيا الوطن، ومن بين أهم قادته "عبد الحكيم بلحاج" الذي زار طرابلس خلال الأيام الماضية عدة مرات، وحزب القمة الذي يترأسه عبد الله ناكر، وهو مؤسس ورئيس المجلس العسكري في مدينة الزنتان، ويضم هذا المجلس أكثر من (22) ألف مسلح، وهو على علاقة قوية بـ "علي الصلابي"، وحزب التغيير بقيادة جمعة القماطي.
وخلال الأيام الماضية تزايد النشاط الإعلامي لجماعة الإخوان ـ فرع ليبيا من داخل الدولة التركية، ويلعب إسماعيل القريتلي الدور الرئيسي في إدارة العملية الإعلامية.
وتسيطر الجماعة على وزارة الأوقاف، والفتوى عن طريق الصادق الغرياني الذي لا يتوانى عن إصدار الفتاوى الداعمة للتنظيم الدولي.
ورغم تواجد الجماعة في ليبيا إلا أنّ الخلافات عصفت بأتباعها، فانقسموا بعدة أشكال، كان آخرها هو حل الجماعة والعمل من خلال جمعية الإحياء والتجديد، على أساس تقسيم العمل أو الفصل الوظيفي ما بين العمل الاجتماعي الدعوي والسياسي.
الإسلاميون في قلب الاشتباكات
في الوقت الذي عملت فيه الجماعة لتوسيع نفوذها، وقامت بعمل العديد من الجمعيات والأحزاب مثل جمعية الإحياء والتجديد برئاسة سالم أبو حنك، ونائبه مختار المحمودي، وكلاهما يمتلكان علاقة قوية بالسفير التركي، تمدد السلفيون وكان منهم عبد الرؤوف كاره، الذي يترأس قوات الردع، حيث تتواجد العشرات من الميليشيات العسكرية الدينية والقبلية والمتنافسة على النفوذ والسيطرة والمال في ليبيا.
بدأت الأحداث الأخيرة بتوسع سلفي وإخواني، وسعى عبد الحكيم بلحاج لتجنيد عدد كبير من الأجانب تحت مُسمّى جيش الإسلام، للدخول إلى طرابلس والسيطرة عليها.
ومن أجل إطالة أمده في الحكم لمدة (3) أعوام أخرى، بعد اللجنة الاستشارية التي رأت تشكيل حكومة جديدة، أجرى الدبيبة اتصالات مع قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا (أفـريكـوم)، وتم الطلب منه السيطرة على الوضع وتفكيك الميليشيات المناوئة لأمريكا، ودخل أردوغان على الخط خشية من ضعف نفوذ تركيا، فحرض قوات الردع على اغتيال رئيس قوات جهاز الاستقرار (غنيوة).
يقول الباحث الليبي (ع. ع)، رفض ذكر اسمه: إنّ محمود حمزة آمر لواء 444 طلب من غنيوة القدوم إلى معسكر التكبالي لحل الخلاف، وبعد وصوله غدر به، وقامت مجموعة من المرتزقة السوريين بتصفية كل من معه، بعد أن أعطاه عهودًا وثيقة بعدم المساس به إن حضر اجتماع اللجنة العسكرية، وأمّا محمود حمزة وفق الباحث، فقد كان سابقًا رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، وهو ليس قائدًا عسكريًا له تاريخ إلا من (3) أعوام فقط.
بعد اغتيال غنيوة، وردت معلومات للأتراك عن وجود تعليمات أمريكية بإنهاء نفوذهم في ليبيا، ودخل الدبيبة على الخط وواجه قوات الردع الذين كانوا حلفاءه وساعدوه على التخلص من رئيس دعم الاستقرار، وقدمت أنقرة دعماً جوياً مباشراً لقوات الردع في عملياتها العسكرية من خلال توفير الإحداثيات الدقيقة واستهداف مواقع الخصوم.
ولكي يساعده في التخلص من الردع كلّف الدبيبة محمود حمزة مديرًا للاستخبارات العسكرية التابعة لحكومته، بالسيطرة على الوضع ومهاجمة قوات عبد الرؤوف كاره السلفية التي تسيطر على وسط المدينة وأغلب الأماكن الحيوية، ودارت المعارك التي توقفت قليلًا لكنّها مرشحة للعودة والتصعيد.
هذا، ومنذ أن انطلقت المعارك الأخيرة بين الميليشيات لم تشهد العاصمة طرابلس مثل هذا العنف منذ صيف عام 2023 -حسب صحيفة (لوموند) الفرنسية- فقد وجد السكان أنفسهم عالقين وسط القتال، وأظهرت مقاطع متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي إطلاق أسلحة ثقيلة، وأعمدة من الدخان الأسود تتصاعد من الأحياء السكنية، ومسلحين ومركبات مدرعة في شوارع المدينة، ينتمون لمجموعة من الميليشيات المسلحة ذات طابع إجرامي، وبعضها متطرف حيث تتوزَّع فيها ولاءات الميليشيات بين إسلام سياسي وآخر إجرامي، وغالباً ما يتشاركون جميعًا من أجل السيطرة على الوضع لصالح جهات دولية أخرى.