ما حقيقة تمويل قطر الحكومة والإسلاميين معاً في رواندا؟

ما حقيقة تمويل قطر الحكومة والإسلاميين معاً في رواندا؟


10/02/2020

تصنع قطر لنفسها نفوذا متزايدا في رواندا عبر دعم الفصائل الاسلامية والمتمردة وايضا من خلال المساعدات المقدمة للحكومة في هذا البلد الواقع ضمن منطقة البحيرات العظمى في افريقيا.

ولرواندا خصوصية دينية واجتماعية سهلت التدخل القطري ومساعي بناء النفوذ. فقد تضاعف عدد المسلمين الجدد في رواندا في اعقاب انتهاء الحرب الأهلية في التسعينيات وأُقرت قوانين جديدة تكفل حرية الرأي المعتقد.
وتعتبر رواندا أيضا مركزا مميزا للولوج إلى دول حيوية في منطقة الشرق الأفريقي التي تعج بالصراعات المسلحة. فهي تتشاطر الحدود مع الكونغو الديموقراطية وتنزانيا وبوروندي وأوغندا، وكما أن حدود البلاد قريبة من تجمعات الحركات الانفصالية المسلحة في الكونغو والتي تُدعم ماليا وعسكريا من جماعات إسلامية في الصومال، وعلى رأسها حركة شباب المجاهدين التي تحظى بعلاقات وثيقة مع الدوحة.
وتمثل منطقة البحيرات العظمى شبكة معقدة من التناحرات والتشابكات العرقية والدينية، بصورة تجعلها دائما مؤهلة لنمو فكر راديكالي متشعب، يقوم على الفقر وغياب التعليم لدى الأغلبية، إضافة إلى النزاع الحدودي المستمر مع كل من بروندي وأوغندا.
يقول الباحث في الشؤون الأفريقية أحمد رجب، لصحيفة العرب الصادرة في لندن ان "أخطر ما في الوجود القطري داخل رواندا، أنها أصبحت تتحكم في الكثير من قرارات الحكومة هناك، لأنها تمتلك أدوات ضغط متباينة عن طريق المساعدات المالية، أو تقاربها من المتمردين.
ويمكن إطلاق مصطلح "الإسلاميين الجدد" على الظاهرة التي تحدث في رواندا، فمن السهل ضخ معلومات وأفكار دينية متشددة على أنها تمثل صحيح الدين في أشخاص اعتنقوا الإسلام منذ فترة وجيزة، وتعتقد قطر أنها بذلك تضاعف أعداد المسلمين، ما يمثل لها قاعدة لبناء نفوذ ديني لدعم أفكارها.
وبدأت رواندا تحصد النتائج السلبية للعلاقات الوثيقة بين قطر والمتطرفين بعد السماح لها بدعمهم منذ فترة، حيث ألقت قوات الأمن الرواندية قبل أيام القبض على خلية من خمسة أشخاص ينتمون لتنظيم يدعى "حزب حركة التحرير الإسلامي"، المنبثق من بعض الحركات المتمردة في الكونغو الديموقراطية المدعومة من حركات إسلامية مختلفة.
ويمثل حزب حركة التحرير، الذي لم يزد عمره عن عام واحد، نواة لكيان إسلامي جديد في البلد الأفريقي الصغير نسبيا، ويتبنى أفكارا دينية متشددة، ويهدف إلى تأسيس خلافة إسلامية في منطقة البحيرات العظمى.
ويبدو أن كيغالي مقدمة على دفع فاتورة تقاربها الكبير مع الدوحة الذي وصل إلى ذروته العام الماضي، عندما جرت زيارات متبادلة بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد والرئيس الرواندي بول كاغامي، حيث ابرم على إثرها صفقات مشتركة في مجالات عسكرية ومعلوماتية.

وحذر تقرير للصحيفة الأوغندية "كامبلا نيوز" نشر مؤخرا، من تدخل قطر الكبير في منطقة البحيرات العظمى في أفريقيا، مؤكدا أن "الدوحة تضخ ملايين الدولارات في رواندا، البلد الحبيس في قلب أفريقيا، لتعزيز نفوذها بشكل عام، واستغلال زيادة المسلمين في البلد ذي العشرة ملايين نسمة".
واتاحت حالة التسامح التي سادت رواندا، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وتولي الرئيس الحالي كاغامي قيادة البلاد، بحرية العقيدة بصورة أوسع، وحرية التعبير عن الآراء الدينية.
يقول مراقبون، إن قطر وثقت علاقتها مع رواندا لأسباب عدة، أهمها أن البلد الصاعد اقتصاديا بقوة أضحى بيئة مناسبة لظهور جماعات إسلامية مؤدلجة مع عدم وجود رقابة للحراك المتطرف في المساجد بالعاصمة كيغالي أو المحافظات القريبة من الحدود مع دولة الكونغو الديموقراطية.
قدمت الحكومة القطرية منح وصفقات بسخاء لحكومة رواندا. ورغم عدم الجدوى الاقتصادية الكبيرة أو أهمية تلك المشروعات للدوحة، مثل استحواذ الدوحة على 60 بالمئة من أسهم مطار بوغيسيرا، ويقدر بنحو 1.3 مليار دولار، ويقع على بعد 40 كام من العاصمة كيغالي.
ويهدف الاتفاق إلى زيادة استيعاب المطار ليصل إلى 7 ملايين مسافر، وهو جزء من استراتيجية عامة لتحقيق هدف رواندا في أن تصبح وجهة سياحية رئيسية في المنطقة.
وحذر تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية من التطور الهام الذي تشهده العلاقات القطرية- الرواندية وتعزيز الاستثمارات الاقتصادية والتجارية، لافتا إلى أن رواندا أصبحت ضمن أكثر ثلاثة دول أفريقية تتلقى دعما عسكريا مباشرا من قطر.
وجاءت زيارة وزير الدفاع القطري خالد بن محمد العطية في ديسمبر/كانون الاول الماضي، وهي الزيارة الثالثة له في أقل من عامين، وما صاحبه من استقبال حافل، لتشكل علامة استفهام كبيرة حول الاهداف التي تنطوي عليها العلاقات الوطيدة بني البلدين.
ويخشى مراقبون أن يصبح التعاون العسكري الوثيق بوابة لتمرير الأسلحة لحركات متشددة في دول عدة بأفريقيا تحت حجة الدعم العسكري للجيش الرواندي وضمان سلام واستقرار منطقة وسط أفريقيا.

لكن الحرية التي حظيت بها الجماعات الإسلامية في رواندا، انقلبت على كيغالي، وتحولت إلى تهديد مباشر للحكومة، ووقود أكبر لزيادة الاحتقان في النزاعات المسلحة بالمناطق الحدودية مع دولة مثل أوغندا التي تعاني من فوضى سببها نشاط المتمردين في جنوب البلاد.
ويمكن إطلاق مصطلح "الإسلاميين الجدد" على الظاهرة التي تحدث في رواندا، فمن السهل ضخ معلومات وأفكار دينية متشددة على أنها تمثل صحيح الدين في أشخاص اعتنقوا الإسلام منذ فترة وجيزة، وتعتقد قطر أنها بذلك تضاعف أعداد المسلمين، ما يمثل لها قاعدة لبناء نفوذ ديني لدعم أفكارها.
ويوضح الباحث أحمد رجب أن المناخ المتسامح والحرية التي يتمتع بها المجتمع الرواندي بعد انتهاء واحدة من أبشع الحروب الأهلية في القرن العشرين، ضاعفت من فرص قطر لتنفيذ خطتها، لأن حرية الرأي مكفولة بعد أن فصلت الصراعات العرقية والدينية عن السياسة لتجنب تفشي صراعات في المستقبل بين قبيلتي الهوتو والتوتسي اللتين تنازعتا لعقود.
وتمتع المسلمون في رواندا بسمعة طيبة لدورهم البارز والسلمي في تهدئة الصراع العرقي في البلاد، وتحولت المساجد والمراكز الإسلامية إبان الحرب الأهلية لمراكز إيواء وحماية للنازحين والهاربين من ويلات الحرب والمتطرفين من قبائل الهوتو. وكان ذلك ميزة للتغلغل داخل المجتمع دون عراقيل، والبناء عليه لصالح نشر أفكار متشددة.
وأكد ايضا الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة بأفريقيا محمد الدابولي أن الحضور القطري في رواندا وأوغندا أيضا، يقوم على دعم الجماعات المسلحة، بحيث تتمكن الدوحة من إقرار وجودها في الدولتين كأمر واقع، وتقوم بدور الوسيط مستقبلا بين الحكومتين والمسلحين من التيارات المتطرفة متعددة الأفكار والانتماءات.
وقال رجب ان الدوحة أصبحت توظف استثماراتها حتى في المجال الرياضي، للقيام بتحركات تمكنها من السيطرة على خطط الحكومة الرواندية.
ودلل على ذلك، بقيام قطر بإبرام اتفاقية بين نادي باريس سان جيرمان الذي تمتلكه في باريس، والحكومة الرواندية، بذريعة أنها تريد تشجيع السياحة في هذه الدولة الفقيرة اقتصاديا، وبالتالي فهي توحي لصانع القرار السياسي أنها مهتمة بتحسين الأوضاع، لكنها من ناحية ثانية تدعم التمرد المسلح بشكل غير مباشر أو معلن، وتتخفى وراء تصرفات إنسانية.
وأشار الدابولي، إلى أن الدوحة اعتادت استغلال هشاشة النظام السياسي في رواندا، لدعم التنظيمات المتطرفة بحيث تكون لها يد في صناعة القرار، أو على الأقل موجودة داخل السلطة مستقبلا، وفي نفس الوقت تقدم نفسها على أنها الظهير المالي والسياسي القوي الذي يمكن أن يحمي النظام الحاكم من نفوذ المسلحين.
مع الارتباط الحالي بين الإسلاميين في رواندا والجماعات الانفصالية في البلدان المحيطة، وزيادة حدة التوترات مؤخرا في منطقة البحيرات العظمى بسبب تكدس اللاجئين البرونديين المنتشرين على الحدود، سيكون من المتوقع أن تزداد قدرات الجماعات المتشددة في نفاذها سريعا نحو بلدان أخرى يكون مركزها رواندا، وتخسر ما حققته من تقدم على المستوى الاقتصادي الذي وضعها في مقدمة الدول الصاعدة بالقارة.

عن ميديل إيست اونلاين

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية