ما الذي يميز المبادرة المصرية للحلّ في السودان؟

ما الذي يميز المبادرة المصرية للحلّ في السودان؟

ما الذي يميز المبادرة المصرية للحلّ في السودان؟


19/01/2023

صادق من يرى أنّ إعلان القاهرة مبادرة سياسية للحلّ في السودان لم تأت بجديد؛ فلا حاجة للسودانيين أن يأتي أحدٌ من الخارج ليشخص لهم أزماتهم، ويطرح لها حلولاً، وهم من خبروها ودفعوا ثمنها من دمائهم ومستقبلهم.

وتُلام القاهرة على الغموض فيما يتعلق بالمبادرة، لكن توجد قراءة أخرى وهي أنّ المبادرة ليست سوى تسهيل لجمع سائر القوى السياسية عدا المؤتمر الوطني المحلول، من أجل التوصل لاتفاق حول المرحلة الانتقالية. ومهمة جمع الفرقاء السودانيين ليست يسيرة؛ في ظل تمسك الحرية والتغيير - المركزي التي تحظى بدعم دولي وإقليمي بإعلانها السياسي الذي يستبعد قوى سياسية واجتماعية وازنة.

حازت الدعوة المصرية قبولاً كبيراً من قوى سياسية عديدة وعلى رأسها الحرية والتغيير - الكتلة الديمقراطية وقوى الحراك الوطني وأحزاب سياسية منها حزب الأمة السوداني

المبادرة المصرية

وتأتي مبادرة مصر التي حملها مدير المخابرات العامة، الوزير عباس كامل إلى الخرطوم، مطلع شهر كانون الثاني (يناير) الجاري، بعد نحو شهر من توقيع الاتفاق الإطاري بين قوى مدنية بقيادة الحرية والتغيير - المجلس المركزي، والعسكريين، وقبل أيام من تدشين المرحلة النهائية للعملية السياسية في السودان.

وتحفظت إن لم تكن ترفض قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي على المبادرة المصرية. وفي تصريح لـ"حفريات" قال المتحدث باسم الحرية والتغيير - المركزي، جعفر حسن، بأنّ الوزير عباس كامل طلب استضافة لقاء بين الحرية والتغيير والكتلة الديمقراطية في مصر، وشكرنا القاهرة على تأييدها الاتفاق الإطاري والعملية السياسية الجارية، وشددنا على أنّ "أطراف العملية السياسية محددة والنصوص محددة، ونتج عنها اتفاق إطاري".

جعفر حسن: شكرنا القاهرة على تأييدها الاتفاق الإطاري

وأفاد حسن بأنّ موقفهم رفض التفاوض مع الكتلة الديمقراطية ككل، مع الالتزام بالتفاوض مع حركتين داخلها؛ "حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة منّي أركو ميناوي"، وهما من أطراف اتفاق سلام جوبا.

مقابل ذلك حازت الدعوة المصرية قبولاً كبيراً من قوى سياسية عديدة، وعلى رأسها الحرية والتغيير - الكتلة الديمقراطية، وقوى الحراك الوطني، وأحزاب سياسية منها حزب الأمة السوداني، فضلاً عن ترحيب وتأييد رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

وما زال الانقسام سيد الموقف في الشارع السوداني، رغم تدشين المرحلة النهائية للعملية السياسية التي بدأت بمشروع دستور اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانية، وصولاً إلى توقيع الاتفاق الإطاري، برعاية الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، ومنظمة إيقاد)، والآلية الرباعية وتضم سفراء (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، السعودية، والإمارات).

ويمكن تقسيم الحياة السياسية إلى ثلاثة فرق؛ المنخرطين في التسوية السياسية الجارية، المعارضين للتسوية بشكلها الحالي، الرافضين لأي تسوية يكون العسكريون طرفاً فيها. ويضم الفريق الأول الموقعين على الاتفاق الإطاري، والثاني يضم قوى سياسية واجتماعية كبيرة، منها الكتلة الديمقراطية وتجمع مبادرة نداء أهل السودان، قوى الحراك الوطني، وأحزاب سياسية أخرى. والفريق الثالث هم قوى التغيير الجذري من الحزب الشيوعي وحزب البعث ولجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات في الشارع.

ماهية الحراك المصري

يمكن ربط التحرك المصري المتأخر تجاه الأزمة السياسية في السودان، التي نتجت عقب أحداث 25 أكتوبر 2021، التي فضّ فيها الجيش الشراكة مع الحرية والتغيير - المجلس المركزي، بتعيين سفير جديد للقاهرة في الخرطوم، مطلع كانون الأول (ديسمبر) 2022.

سبق ذلك بشهرين عودة آخر رئيس وزراء في عهد نظام الإنقاذ السابق، محمد طاهر أيلا، من القاهرة إلى الخرطوم، وعقب ذلك بشهر عاد رئيس الحزب الاتحادي الأصل، زعيم الطريقة الختمية، السيد محمد عثمان الميرغني من القاهرة إلى الخرطوم أيضاً.

كذلك شهد شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، الإعلان عن تشكيل الحرية والتغيير - الكتلة الديمقراطية، التي تضمّ أطرافاً وازنة، منها؛ حركة العدل والمساواة، حركة جيش تحرير السودان، الحزب الاتحادي الأصل، الناظر ترك، وآخرون.

ما سبق جعل مراقبين يرون أنّ القاهرة غير راضية عن العملية السياسية التي أنتجت الاتفاق الإطاري، وذلك بخلاف الترحيب المصري من وزارة الخارجية بالعملية السياسية ومرحلتها النهائية.

عبد الماجد عبد الحميد: عاصفة معارضة شاملة لعمليتهم السياسية

يرى الكاتب الصحفي السوداني، عبد الماجد عبد الحميد، أنّ "من تنادوا لتدشين ما أسموه بالمرحلة النهائية للعملية السياسية يتجاهلون حقيقة أنهم يمضون في اتجاه بينما تمضي سفينة المشهد السياسي السوداني باتجاه آخر".

وأضاف لـ"حفريات" بأنّ المجتمعين في قاعة الصداقة يواجهون عاصفة معارضة شاملة لعمليتهم السياسية، التي قال حميدتي إنها تمضي بضغط مباشر من السفارات الأجنبية بالخرطوم. 

ونفى عبد الحميد أنّ تملك القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري "الشرعية التي تؤهلهم لتشكيل حكومة تنال رضا أغلبية الشعب السوداني، ولو جرى تشكيل حكومة لن تستمر وإن تغطّت بثوب السفارات الأجنبية".

وبعيداً عن التجاذبات السياسية، تنطلق الرؤية المصرية تجاه الوضع في السودان من عدة محددات، منها؛ وحدة البلاد، وحدة المؤسسة العسكرية المتمثلة في القوات المسلحة، دمج جميع القوى شبه العسكرية وفق الأسس والقوانين العسكرية في الجيش السوداني، إشراك سائر القوى السياسية في تحديد مستقبل البلاد، والوصول إلى الانتخابات بنهاية فترة انتقالية لتكون هي المحك لإدارة الخلاف والتنوع السياسي.

الصحفي السوداني عبد الماجد عبد الحميد لـ"حفريات": من تنادوا لتدشين ما أسموه بالمرحلة النهائية للعملية السياسية يتجاهلون أنهم يمضون في اتجاه بينما تمضي سفينة المشهد السوداني باتجاه آخر

وبنظرة موضوعية، تستند الحرية والتغيير - المجلس المركزي إلى إرث ثورة ديسمبر لنيل شرعية قيادة الفترة الانتقالية، كما سبق وتولت إدارتها بالشراكة مع العسكريين خلال عهد حكومتي حمدوك الأولى والثانية، وفي الأخيرة شاركت قوى سلام جوبا، في وضع يتصف بالمحاصصة بامتياز.

وربما كان ذلك الوضع مقبولاً في ظل تشتت وخفوت صوت القوى المعارضة، خصوصاً الإدارات الأهلية والإسلاميين وقوى سياسية غير إسلامية، لكن بعد مضي أربعة أعوام في مراحل انتقالية، زادت من الأزمات المعيشية والأمنية، لم يعد الاستمرار في نفس المعادلة مقبولاً. 

تلك المعادلة ما زالت هي رؤية الحرية والتغيير - المجلس المركزي، والتي تبلورت في "إعلانهم السياسي" بتاريخ تشرين الأول (أكتوبر) 2022، وإنّ اتسم بالتوسع في استقطاب قوى سياسية من خارج معسكر الثورة، مثل حزب المؤتمر الشعبي، وقيادات محسوبة على الحزب الاتحادي الأصل.

نقاط القوة والضعف

بغض النظر عما يراه كل فريق سوداني، تظل الشرعية مفقودة ما لم تُجرى انتخابات نزيهة تعبر عن الأغلبية الحقيقية، دون استناد إلى اسم الثورة أو الإرث التاريخي أو العلاقات مع القوى الإقليمية والدولية.

لهذا تشاطر القاهرة رؤية قوى سياسية عديدة، بضرورة الاتفاق على مرحلة انتقالية محدودة الأهداف، والانتقال لوضع شرعي عبر الانتخابات، يتولى مسؤولية الانتقال السياسي، الذي يتطلب أكثر من عامين لعلاج قضاياه الجوهرية.

وفيما يتعلق بتقييم المبادرة المصرية، يعيبها أنّ من قام بطرحها مدير المخابرات العامة، والذي أعطى انطباعاً لكثير من القوى السياسية بأنّ مصر تُقارب الوضع السوداني من زاوية أمنية ضيقة فقط. من الجانب الآخر يكاد يكون الوزير كامل مبعوث شخصي ممثل عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهي نقطة لا يجب إغفالها، فضلاً عن أنّ الدور المصري الأكبر يتولاه السفير وأعضاء البعثة الدبلوماسية.

البرهان مستقبلاً عباس كامل

علاوةً على ذلك، هناك انتقادات أخرى بسبب التوقيت؛ الذي جاء متأخراً بعد توقيع الاتفاق الإطاري، ما أعطى انطباعاً لدى البعض برفض القاهرة لهذا الاتفاق، الذي تريد البعثة الأممية المُضي فيه حتى وإن لم تنضم قوى سلام دارفور المعارضة. إلى جانب أنّ مصر مُتهمة من قوى سياسية بدعم دور أكبر للعسكريين، وغياب نموذج ديمقراطي لديها تستطيع تقديمه.

من زاوية القاهرة، لم يُطرح نموذج سياسي للحلّ، بل تسهيل لجمع الفرقاء من أجل تسوية سودانية خالصة. تنطلق القاهرة في دعمها من رؤيتها للانقسام الخطير في السودان، الذي يهدد الأمن القومي المصري، ولم تكن القاهرة لتطرح مبادرتها إذا لم يكن هذا الانقسام موجوداً.

يقول الكاتب عبد الماجد عبد الحميد، بأنّ "ما يزيد مخاوف مصر تنامي الغضب الشعبي في السودان ضد الثلاثي (الحرية والتغيير، حميدتي،  والبرهان)". وأضاف بأنّ "مصر تريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه في السودان".

ويرى عبد الحميد أنّ الولايات المتحدة رغم رعايتها للاتفاق الإطاري إلا أنّها غير راضية عن الوضع السوداني بشكلٍ عام، ولهذا بحسبه تدعم واشنطن التحرك المصري. وأوضح أنّ "واشنطن لا تبحث عن الديمقراطية في أفريقيا، بل عن الاستقرار الذي يحفظ مصالحها الجيوسياسية، وهي مصالح لاعلاقة لها بهتاف وعويل لا يتجاوز حدود وسط الخرطوم".

في سياق متصل، أجرى السفير المصري الجديد، هاني صلاح، سلسلة لقاءات واسعة بمختلف القوى السياسية، ما يعزز من حضور الدبلوماسية المصرية، ويُبعدها عن خانة الاصطفاف. لهذا ربما تجد المبادرة المصرية حظوظها في العلاقات القوية بين مصر وقوى سياسية سودانية متعددة، بما فيها قوى شرق السودان، فضلاً عن علاقتها بالمؤسسة العسكرية.

بناءً على ما سبق، لن تجلب التسوية الجارية الاستقرار للبلاد، وهو ما تخشاه القاهرة، وربما تشاطرها قوى إقليمية فاعلة في ذلك. وحتى وإن مضت التسوية الحالية في ورشها الخمس لمناقشة القضايا العالقة، فمن الصعب قبول المؤسسة العسكرية بهكذا تسوية، يراها كثيرون مجرد "تسوية ثنائية" ستعيد ثلاثة أحزاب يشكلون مركزي الحرية والتغيير إلى السلطة.

مواضيع ذات صلة:

- الإخوان ودعاوى التدخل الأجنبي في السودان

السودان: هل فشلت المبادرة الثلاثية في حلحلة المأزق السياسي؟ ما السيناريوهات المستقبلية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية