
أعادت الاحتجاجات العنيفة التي تهزّ فرنسا، منذ مقتل شاب مراهق برصاص شرطي، الانتهاكات الأمنية ومخالفات الأجهزة الرسمية إلى الواجهة.
وتحدى المتظاهرون في العاصمة باريس وفي عدة مدن كبرى كـ (ليون ونيس وستراسبورغ) الحشد الأمني الكبير، واشتبكوا مع الشرطة لليلة الخامسة على التوالي، في وقت تسعى فيه حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون بكل طاقتها لمنع توسع الاضطرابات الأسوأ من نوعها منذ أزمة "السترات الصفراء" عام 2018.
وبخلاف الأزمات السابقة، تميّزت أعمال الشغب التي عمّت عدداً من المدن الفرنسية بمشاركة عدد كبير من الشباب "الصغار جداً" في تدمير الممتلكات العامّة وإحراق السيارات ونهب المتاجر والاشتباك مع الشرطة.
وكشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّ ثلث الأشخاص الذين أوقفتهم الشرطة على خلفية أعمال النهب والشغب ليل الخميس الماضي كانوا من الشباب، و"أحياناً فتية صغار جداً"، وفق وكالة "فرانس برس".
وتتناقل وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد لما يقوم به هؤلاء الفتية، الذين قال عنهم ماكرون: إنّ "بعضهم يطبّقون في الشارع ما يعيشونه في ألعاب الفيديو التي سمّمتهم". ووجّه الرئيس الفرنسي أصابع الاتّهام بالخصوص إلى منصّتي (سناب تشات) و(تيك توك)، حيث يتمّ تنظيم "تجمّعات عنيفة"، معتبراً أنّ هاتين المنصّتين "تثيران أيضاً شكلاً من أشكال محاكاة العنف، ممّا يؤدّي في صفوف الأصغر سنّاً إلى شكل من أشكال الخروج من الواقع".
وأعلنت الداخلية الفرنسية أمس اعتقال (1311) شخصاً خلال ليلة رابعة من أعمال الشغب في البلاد، عقب مقتل مراهق جزائري الأصل برصاصة في الصدر أطلقها شرطي من مسافة قريبة أثناء عملية التدقيق المروري، ووجهت إلى الشرطي الموقوف البالغ من العمر (38) عاماً تهمة القتل العمد.
وقال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان في تصريح صحفي أمس: إنّ نسبة كبيرة من الاعتقالات جرت في مدينة مرسيليا الجنوبية، ثاني كبرى المدن الفرنسية، وفق "رويترز".
ووجّه وزير الداخلية رسالة لرجال الإطفاء وعناصر الشرطة قال فيها: "الساعات المقبلة ستكون حاسمة، وأنا أعلم أنّه يمكنني الاعتماد على جهودكم المضنية"، وذلك في محاولة لوضع نهاية للاضطرابات.
أعمال الشغب تميزت بمشاركة عدد كبير من "الصغار جداً" في تدمير الممتلكات العامّة وإحراق السيارات ونهب المتاجر والاشتباك مع الشرطة
وردّاً على سؤال في البرنامج الإخباري الرئيسي الذي بثته شبكة (تي إف 1) التلفزيونية مساء الجمعة، عمّا إذا كان بإمكان الحكومة إعلان حالة الطوارئ، قال دارمانان: "بكل بساطة، نحن لا نستبعد أيّ فرضية، وسنرى بعد هذه الليلة ما سيختاره رئيس الجمهورية".
وفي الصدد ذاته، قالت وزارة الداخلية في حصيلة ما تزال مؤقتة: إنّ "(79) شرطياً ودركياً أصيبوا خلال أعمال الشغب التي تراجعت حدتها".
وأضاف المصدر نفسه أنّ النيران أضرمت في حوالي (1350) سيارة، وتعرّض (234) مبنى للحرق أو التخريب، وأحصي (2560) حريقاً على الطرقات العامة.
وكانت فرنسا قد نشرت (45) ألف شرطي ودركي مدعومين بآليات مدرعة لضبط أعمال الشغب وملاحقة الفتيان.
هذا، وهدد وزير العدل الفرنسي إريك دوبوند موريتي بمعاقبة آباء الأطفال المشاركين في الاحتجاجات المستمرة على خلفية مقتل الشاب نائل، ودعا زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي فابيان روسيل إلى إغلاق وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد.
وقال فابيان روسيل الذي يضم حزبه (22) نائباً في الجمعية الوطنية: يجب إغلاق الشبكات الاجتماعية أثناء الاضطرابات في البلاد.
وأوضح وزير العدل دوبوند موريتي في تصريحات صحفية أنّ الآباء والأمهات الذين لا يهتمون بأطفالهم (دون 17 عاماً)، ويتركونهم في الخارج ليلاً، وهم يعرفون أين يذهبون، سيواجهون عقوبات تتراوح بين السجن لمدة عامين وغرامة مالية بقيمة (30) ألف يورو، مشيراً إلى أنّ المشاركين في الاحتجاجات ينسقون تحركاتهم عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي يمكن للسلطات القضائية أن تطلب من الجهات المعنية عناوين بروتوكول الإنترنت العائدة للمستخدمين، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الألمانية.
وأعلن وزير العدل الفرنسي إريك دوبون موريتي أنّه ينبغي على المدعين العامين أن يطلبوا من مشغلي الإنترنت الحصول على عناوين IP الخاصة بالشباب الذين يدعون لأعمال شغب على تطبيق (سناب شات).
الداخلية الفرنسية تعلن اعتقال (1311) شخصاً خلال ليلة رابعة من أعمال الشغب في البلاد، عقب مقتل مراهق جزائري الأصل برصاص الشرطة
وقال دوبون موريتي: "على وسائل التواصل الاجتماعي اليوم يمكن قراءة احذروا، سوف يخترقون حساباتنا... وهذا صحيح، فليفهم الأطفال بوضوح أنّنا سنخترق حساباتهم، ويمكن للسلطة القضائية، عند الطلب، أن تطالب المشغلين بتوفير عناوينIP، ممّا يسمح لنا بمعرفة أولئك الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي ليقولوا "متى وأين وكيف سيحطمون كل شيء... إنّه أمر لا يطاق".
وأضاف: "يجب ألّا ندعهم يفكرون في أنّه يمكنهم استخدام (سناب تشات) والاختباء، وأنّ لهم الحرية في كتابة ما يريدون". وقد ذكرت وسائل إعلام في وقت سابق أنّ الحكومة الفرنسية التقت أول من أمس بممثلي المنصات الرقمية وسط اضطرابات في البلاد.
وتشهد العاصمة باريس ومدن فرنسية أخرى، لليلة الخامسة على التوالي، احتجاجات عنيفة على مقتل مراهق من أصول جزائرية برصاص شرطي.
من هو الطفل نائل؟
كشف موقع (لا فو دو نورد) الفرنسي بعض التفاصيل عن الطفل نائل المرزوقي، الذي قتل على يد الشرطة الفرنسية صباح الثلاثاء الماضي.
نائل هو شاب جزائري الأصل، يبلغ من العمر (17) عاماً، ويعمل في وظيفة توصيل وجبات "البيتزا".
ووفقاً لموقع (لا فو دو نورد)، أكد محاميه أنّه كان محبوباً في الحي الذي يقطنه مع والدته.
وقالت والدة الطفل في فيديو: "صباح الثلاثاء، أعطاني قبلة، وقال لي إنّني أحبك، ثم خرج".
دارمانان: نحن لا نستبعد أيّ فرضية تتعلق بفرض حالة الطوارئ، وسنرى بعد هذه الليلة ما سيختاره رئيس الجمهورية
وأضافت: "بعد ساعة من خروجه، وصلني خبر أنّه قتل على يد الشرطة".
أمّا مدربه في فريق الرغبي الذي يلعب به نائل، فأكد أنّه شخص ناجح اجتماعياً، وكان عازماً على تغيير مسار حياته والخروج من الفقر، لافتاً إلى أنّه لم يتاجر بالمخدرات، ولم يقم بالسرقات، مثل الكثيرين من ضاحيته.
وأكد محامي الشاب أنّه لا يحمل سجلاً إجرامياً، لكنّه معروف في المحاكم الفرنسية، بسبب "خلافاته مع الشرطة ورفضه الامتثال لقوانينهم مرات عدة".
وكان قد شُيّع جثمان الشاب الفرنسي نائل أمس في جنازة مُنعت الصحافة من تغطيتها، فيما عبّأت السلطات عشرات آلاف عناصر الأمن لأعمال الشغب.
مواضيع ذات صلة: