ما الذي يخبرنا عنه التصعيد الخشن بين الميليشيات الإيرانية وقوات التحالف بالعراق؟

ما الذي يخبرنا عنه التصعيد الخشن بين الميليشيات الإيرانية وقوات التحالف بالعراق؟

ما الذي يخبرنا عنه التصعيد الخشن بين الميليشيات الإيرانية وقوات التحالف بالعراق؟


13/01/2024

احتدم الجدل في العراق مؤخراً بعد مقتل قياديين في ميليشيات النجباء المنضوية ضمن القوات المسلحة في (الحشد الشعبي) المدعوم من إيران، حول فكرة وجود التحالف الدولي بالعراق البالغ عدد أفراده نحو (2500) جندي. وقد بعث التصعيد بين القوى الولائية والولايات المتحدة منذ الهجمات المباغتة التي شنّتها حركة حماس ضد إسرائيل، بأزمة في المجال السياسي العراقي الذي يشهد ضغوطات جمّة بشأن ضرورة إنهاء بقاء قوات التحالف وأيّ مهام لها. 

وكلاء إيران وإدارة الفوضى

وصرّح رئيس الحكومة محمد شياع السوداني أثناء حضوره الحفل التأبيني المقام في الذكرى الرابعة لمقتل أبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي، الذي اغتيل برفقة قائد فيلق القدس قاسم سليماني بمسيّرة أمريكية عام 2020 بمطار بغداد، أنّ مبررات وجود قوات التحالف على الأراضي العراقية انتهت. وقال: إنّ "الحكومة ستحدد موعداً لبدء الحوار من خلال اللجنة الثنائية التي شكلت لتحديد ترتيبات انتهاء هذا الوجود"، مؤكداً أنّ قرار انسحاب قوات التحالف لا تراجع عنه.

ومع الاستهداف المتكرر والمتزايد للقواعد الأمريكية في العراق وتمركزاتها في عدة مناطق، منها أربيل، والسفارة الأمريكية في بغداد بالمنطقة الخضراء، فإنّ الصراع بلغ درجاته القصوى مع الرد الأمريكي الذي استهدف مقر الحشد الشعبي بالمسيّرات، والذي اعتبرته الأخيرة "تصعيداً متعمداً وخطيراً" ينتهك السيادة العراقية، وقالت في بيان إنّه "نسف لكل القوانين والأعراف الدولية. التصعيد المتعمد والخطير يعبر عن إصرار مكشوف على انتهاك السيادة والقانون العراقي النافذ. الحشد الشعبي جاهز لتنفيذ أيّ أمر من القائد العام للقوات المسلحة يحفظ سيادة العراق ووحدة أراضيه".

رئيس الحكومة محمد شياع السوداني

ويبدو أنّ الأحداث تأخذ منحى بعيداً عن أيّ تهدئة محتملة، لا سيّما بعد صدور موقف رسمي عراقي بأنّ "واشنطن تقف وراء القصف. لكنّ المفارقة أنّ قوات التحالف ومستشاريها في العراق ينفون تماماً مسؤوليتهم أو علمهم أو تدخلهم بالتخطيط أو التنفيذ للضربة الجوية"، وفق ما ذكرت وكالة (رويترز) للأنباء نقلاً عن مسؤول أمني عراقي، لم تفصح عن هويته، وهو الاتهام ذاته الذي ردده مسؤولون عراقيون بداية من رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، مروراً بالناطق بلسان القائد العام للقوات المسلحة العراقية يحيى رسول. 

حق الرد بين واشنطن وبغداد

وفي المقابل، عقّب الناطق بلسان مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي بأنّ الهجوم الأخير إنّما هو لـ "حماية جنود وأفراد قوات التحالف"، رافضاً أيّ اتهامات عراقية بانتهاك سيادة البلاد، ونقل موقع (العربية) عن كيربي قوله: إنّ "بلاده، على عكس إيران والحرس الثوري الإيراني، تحترم السيادة العراقية". وتابع كيربي: "نحن ممتنون للدعم المستمر الذي نتلقاه من الحكومة العراقية"، مشيراً إلى "المهمة الاستشارية" لقوات التحالف بجانب القوات العراقية في إطار محاربة تنظيم (داعش)، مؤكداً أنّ "واشنطن تأخذ سيادة العراق على محمل الجد وتحترمها، وتأخذ في حسبانها ضرورة الدفاع عن سلامة قواتها الموجودة على الأراضي العراقية". 

 

 أثار التصعيد بين القوى الولائية والولايات المتحدة أزمة في المجال السياسي العراقي الذي يشهد ضغوطات جمّة بشأن ضرورة إنهاء بقاء قوات التحالف وأيّ مهام لها

 

وبينما تباشر المنصات الإعلامية المختلفة في العراق حملات سياسية ضد وجود قوات التحالف، وتتبنّى الموقف الرسمي بضرورة إنهاء بقائها على الأراضي العراقية، بل إنّ رسائل تصل إلى العراقيين من جهات رسمية وحكومية على هواتفهم بهذا الشأن، فإنّ تصريحات الناطق بلسان وزارة الدفاع الأمريكية الميجر جنرال باتريك رايدر، فجّرت لغماً جديداً حين ألمح إلى وجود تعاون بين بغداد وواشنطن بخصوص تنفيذ العملية الأخيرة. 

ووفق (العربية)، قال الميجر جنرال بالقوات الجوية باتريك رايدر: "في الوقت الحالي ليس لديّ علم بأيّ خطط (للتخطيط للانسحاب). نواصل التركيز بشدة على مهمة هزيمة تنظيم (داعش)". وأضاف أنّ القوات الأمريكية موجودة في العراق بدعوة من الحكومة ببغداد. وقال إنّه ليس لديه علم أيضاً بأيّ إخطار من بغداد لوزارة الدفاع حول قرار بسحب القوات الأمريكية.

نقطة تحول كبرى

إذاً، يمكن اعتبار اغتيال مشتاق طالب السعيدي "أبو تقوى" نائب قائد عمليات منطقة حزام بغداد في قوات الحشد الشعبي عن حركة النجباء، وهي إحدى الفصائل الولائية الأكثر قرباً من الحرس الثوري الإيراني، بغارة طائرة مسيّرة أمريكية، "نقطة تحول كبرى في مسار المواجهة المفتوحة" بين الميليشيات الشيعية الموالية لإيران والولايات المتحدة، حسبما يوضح الباحث العراقي المختص في الشؤون السياسية منتظر القيسي، موضحاً لـ (حفريات) أنّ هذا التحول لا يتعلق فقط بأهمية الشخص المستهدف فحسب، وإنّما بتوقيت ومكان الاستهداف الذي اختير بعناية لإرسال جملة من التحذيرات الأمريكية الصارمة بأنّ عهد "التغاضي عن الهجمات على الجنود الأمريكان انتهى، وبدأ عهد ردّ الصاع صاعين، حتى دون انتظار وقوع إصابات مباشرة بين صفوف القوات الأمريكية المرابطة في العراق وفق اتفاق رسمي مع الحكومة العراقية.  

الناطق بلسان مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي

الخطوة الأخيرة من جانب الولايات المتحدة تبدو "مصممة لإذكاء التوترات المكتومة بين قوى الإطار التنسيقي الشيعي، الأطراف البراغماتية من جهة، والأطراف الثورية من جهة أخرى، وذلك في ظل ما شهده العام الأول من عمر حكومة محمد شياع السوداني من تحولات لافتة مع انضمام ميليشيات أساسية وأهمها عصائب أهل الحق إلى فريق البراغماتيين بفعل المواقع المتقدمة التي وصلت إليها، والمكاسب التي نالتها في مفاصل النظام والدولة، الأمر الذي أصبح يثير حفيظة حركة النجباء وكتائب حزب الله، الفصيلين الأكثر تطرفاً وخطورة حتى بمعايير حلفاء إيران المقربين، وقد منحتهما الحرب في غزة المبرر والضوء الأخضر الإيراني لاستئناف الهجمات ضد القوات الأمريكية، من أجل ممارسة الضغوط على حكومة السوداني لمنحهما سلطة ونفوذاً يوازي الممنوح لعصائب أهل الحق؛ وذلك تحت ستار إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق"، حسب قول منتظر القيسي.

 

يقول الباحث العراقي المختص في الشؤون السياسية منتظر القيسي لـ (حفريات): يمكن اعتبار اغتيال "أبو تقوى" نقطة تحول كبرى في مسار المواجهة المفتوحة بين الميليشيات وواشنطن

 

ورغم تعهد رئيس الحكومة بتشكيل لجنة للتباحث مع الجانب الأمريكي على جدول زمني لاجلاء الـ (2500) جندي في قوات التحالف، إلّا أنّ جميع المعطيات تشير إلى أنّ الحكومة ليست في "عجلة من أمرها"، بدلالة التلكّؤ في إرسال طلب رسمي بذلك إلى الجانب الأمريكي، ولو على سبيل رفع العتب، وفق الباحث العراقي المختص في الشؤون السياسية، مشيراً إلى أنّ "الانسحاب الفعلي سيستغرق مدة لن تقل عن العام في أفضل التقديرات"، ولن يشمل القوات المرابطة في محافظة أربيل.

ويختتم: "هذا الأمر تحديداً المرتبط بالمدى الزمني إلى حين خروج قوات التحالف، هو ما تعتمد عليه الإدارة الأمريكية في رفضها الضمني الانسحاب تحت النار وتهديد المسيّرات، ومن دون اتفاق مسبق يضمن للرئيس جو بايدن عدم تكرار إهانة الانسحاب الفوضوي من أفغانستان. في ظل هذه المعطيات، يبدو أنّ الصراع مرشح للتصاعد وربما خروجه عن السيطرة، ولو عن غير قصد، لا سيّما مع دور النظام الإيراني الذي يضغط بكل قواه لاستثمار المذبحة المستمرة في غزة، لدفع الأمريكان، عسكرياً واستخباراتياً، خارج العراق. ومن ثمّ استخدام العراق قاعدة لمهاجمة المصالح والقوات الأمريكية في سوريا، لكن دون منح واشنطن الدوافع الكافية لرفع مظلتها السياسية عن حكومة السوداني؛ إذ إنّ المطلوب هو الحفاظ على وضع العراق الملتبس كدولة نصف صديقة، وذلك بما يضمن عدم تحوله من مجال حيوي للجمهورية الإسلامية إلى عبء استراتيجي عليها حاله كحال سوريا".

مواضيع ذات صلة:

العراق في 2023: عام المفاجآت السياسية وتصاعد حدة المواجهة بين الفصائل وأمريكا

لماذا يخسر التيار المدني في العراق؟ هل يصب قانون الانتخابات في صالح الإسلاميين فقط؟

العراق: تحالف الإخوان يتصدر القوائم الخاسرة في الأنبار... ما السبب؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية