ما الذي يجمع بين مفتي سلطنة عُمان والإخوان المسلمين؟

ما الذي يجمع بين مفتي سلطنة عُمان والإخوان المسلمين؟

ما الذي يجمع بين مفتي سلطنة عُمان والإخوان المسلمين؟


13/02/2024

في الظاهر تبدو القضية الفلسطينية هي من تجمع بين مفتي سلطنة عُمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، وجماعة الإخوان المسلمين عبر منظمة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، التي يشغل الخليلي منصب نائب رئيسها.

لكن تحت ذلك العنوان العريض هناك مشتركات في الأدبيات بين المذهب الإباضي الذي يُنسب إلى "الخوارج"، وأفكار جماعة الإخوان المسلمين، كما أنّ لدى الطرفين أهدافاً سياسية اجتمعا على تحقيقها منذ فترة قريبة.

نائب رئيس الاتحاد 

اختارت الجمعية العمومية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مفتي سلطنة عُمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي في منصب نائب رئيس الاتحاد في العام 2018. ويضمّ الاتحاد العديد من رجال الدين المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين في البلاد العربية والإسلامية. لكن كيف اختار الاتحاد الذي يتكون من رجال دين من المذهب السنّي شخصية بارزة في مذهب "الإباضية" ليكون نائباً لتنظيم كبير مثل "الاتحاد"؟

يقول الباحث في الحركات الدينية هاني عمارة: إنّ العقائد السنّية تعتبر مذهب الإباضية امتداداً للخوارج، لكنّهم ليسوا خوارج بالصورة النمطية، وهو مذهب قديم، ومركزه في سلطنة عُمان وله وجود في تنزانيا وأقليات في الجزائر وتونس وليبيا، وكان لهم دولة في شمال أفريقيا منذ قرون، وهي الدولة الرستمية، وقد تأسست الدولة الرستمية في المغرب الأوسط في دولة الجزائر اليوم عام 106 هجرية.

مفتي سلطنة عُمان وخالد مشغل والقره داغي

ويتابع عمارة لـ (حفريات): إنّ المذهب الإباضي إطاره العقدي ثوري، ويتقاطع مع الإخوان المسلمين في ذلك، خصوصاً أنّه لم يشترط قرشية الخليفة. لافتاً إلى أنّ الحركات السياسية الإسلامية في بداية ظهورها لم تكن على إطلاع كبير بالفقه والتراث الإسلامي، وحين رفعوا مطلب استعادة الخلافة الإسلامية اصطدموا بالنص على "قرشية" الخليفة في المذهب السنّي، بينما الإباضية لا يشترطون القرشية، وعندهم العدالة في الإمام هي الأساس لا النسب، بخلاف السنّة والشيعة، وهم أقرب إلى المعتزلة.

 

الباحث هاني عمارة لـ (حفريات): منظور الإخوان براغماتي، ويرون أنّ التقارب بين المذاهب يمنحهم مساحة أكبر من النفوذ والعلاقات السياسية.

 

أحد الفوارق بين المذهبين أنّ السنّة تقول بـ "الصلاة خلف كل برّ وفاجر" كما هو منصوص عليه في العقيدة الطحاوية المتفق عليها بين أهل السنّة والجماعة، بخلاف المذهب الإباضي الذي يقول بتكفير مرتكب الكبيرة، وهي قضية كان القصد منها الحاكم. ويلفت عمارة إلى أنّ جناح اليسار الإسلامي في الحركات الإسلامية مثل عبد الرحمن الشرقاوي وفتحي عثمان، كانت لهم وجهة نظر في أحداث الفتنة تكاد تتطابق مع مذهب الخوارج ومنهم الإباضية، إذ قالوا بتخطئة الطرفين. قضية أخرى تجمع بين اليسار الإسلامي والإباضية هي قولهما بالشورى، حيث لا تنعقد البيعة عند الخوارج والإباضية إلا بالشورى لا بالتعيين، وهو ما وافقهم عليه الطرف الأول الذي يريد أنّ يُظهر أنّ الإسلام دعا إلى الديمقراطية في الحكم. ويذهب عمارة إلى أنّ البيعة عند أهل السنّة والجماعة تنعقد بطرق أخرى؛ وهي (الشورى والتعيين والنص والعهد والغلبة)، ولهذا فأدبيات الإخوان المسلمين لا تعتبر أدبيات أهل السنّة.

المصالح السياسية

أمّا من جانب الإباضية، فهم يرون، مثل الشيعة، في الإخوان المسلمين القنطرة التي يتقبلهم عبرها الجمهور السنّي. يقول عمارة: إنّ الفِرَق مثل الشيعة والإباضية تواجههم أزمة في العزلة عن الجمهور العام للمسلمين، وهم أهل السنّة، كما أنّ أدبيات هذا الجمهور التاريخية تشنع على تلك المذاهب. متابعاً أنّ ممثلي تلك الفرق يبحثون عن شرعية يقولون من خلالها إنّ إسلامهم صحيح هو الآخر، ووجدوا ذلك لدى جماعة الإخوان المسلمين. ولهذا كانت مؤلفات سيد قطب تلقى رواجاً لدى الشيعة والإباضية، وكثيراً ما يستشهد المفتي الخليلي بسيد قطب.

في حواره مع قناة (الجزيرة) ذكر الخليلي أنّ من بين من يعجبه من العلماء المعاصرين أو خلال القرنين الماضيين؛ هم: العلامة (أبو الأعلى المودودي)، والعلامة (أبو الحسن الندوي)، والأستاذ (سيد قطب).

أمّا من منظور الإخوان، فيرى عمارة أنّ منظورهم براغماتي، ويرون أنّ التقارب بين المذاهب يمنحهم مساحة أكبر من النفوذ والعلاقات السياسية، كما أنّ بين الإخوان والإباضية أدبيات مشتركة في الأمور العقائدية.

ولفت عمارة إلى أنّ التيارات السلفية شنعت على سيد قطب بما تشنع به على الإباضية، فكانوا يتهمونه بالطعن في الصحابة مثل عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وتخطئة عثمان بن عفان، وقالوا: إنّ ذلك جاء في كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، وهو الكتاب الذي جاء على هوى الإباضية. وتابع أنّ جماعة الإخوان ليس لها تواجد في سلطنة عُمان، وهناك حذر شديد منها، لكنّ أدبياتها تجد قبولاً كبيراً بين الإباضيين لهوى عقائدي.

 

وصف الخليلي من يسمح لابنته بالدراسة في الخارج أو لا يمارس دور الرقيب بأشباه الرجال والأقرب لطبائع الخنازير (حسب وصفه).

 

يقول عمارة: إنّ مفتي سلطنة عُمان يستفيد من الإخوان في تصوير الخلافات بين المذاهب على أنّها خلافات مع السلفيين فقط. مع ذلك يظهر مفتي السلطنة من خلال القضايا العامة التي يتفق عليها المسلمون، وعلى رأس ذلك قضية فلسطين، التي شهدت العديد من الأحداث المهمة خلال الأعوام الـ (4) الماضية، ومنها اتفاقيات السلام بين الإمارات والبحرين والمغرب والسودان وإسرائيل، والحروب التي شهدها قطاع غزة، وغير ذلك. 

تجدر الإشارة إلى أنّ المفتي الخليلي الذي يتولى منصبه منذ العام 1975 لم تكن لديه مساحة للحديث والاشتباك مع القضايا العامة والسياسية حتى وقت قريب، وتقريباً حتى العام 2019 في أواخر عهد السلطان الراحل، ثم وجد مساحة كبيرة للحديث والاختلاف مع سياسة بلاده مع السلطان الحالي هيثم بن طارق.

لهذا السبب يرى باحثون أنّ هناك علاقة بين المفتي الخليلي والسياسة في سلطنة عُمان؛ حيث تم تصدير الأول كواجهة دينية لعُمان، لتحقيق عدة أهداف، على رأسها إظهار السلطنة كمؤيد للقضية الفلسطينية في ظل ما هو شائع عنها من التطبيع المحدود مع إسرائيل، فضلاً عن تحقيق مكاسب للسلطة الجديدة في سلطنة عُمان.

قضية فلسطين

يرى الباحث هاني عمارة أنّ قضية فلسطين هي بمثابة قضية يكسب بها المفتي الخليلي الشرعية بين الجمهور المسلم الذي يغلب عليه السنّة. متابعاً أنّ مشكلة الإباضية هي أنّ مذهبهم محدود، ولهذا بحثوا عن المشتركات للحصول على مكانة بين المسلمين، فكانت القضية الفلسطينية، علماً أنّه لولا حديث المفتي عن فلسطين، لما انشغل أحد بالمذهب الإباضي، لأنّه غير مؤثر.

هاني عمارة: قضية أخرى تجمع بين اليسار الإسلامي والإباضية هي قولهما بالشورى

ويوضح الباحث هاني عمارة أنّه باستثناء مسألة التكفير لدى الإباضية، التي تأتي من اعتقادهم بكفر "مرتكب الكبيرة" إذا مات دون توبة، والتي هي فكرة سياسية في الأساس، فهو مذهب فيه جانب جاذب للتنويريين المسلمين؛ لأنّ هامش الخرافة محدود لديهم، كونهم لا يقدسون الأولياء والأضرحة، ولديهم كتاب واحد في الحديث لا يتجاوز (1000) حديث، ولهذا فهو مذهب لا يعاني من المشاكل المتعددة التي تواجه المذاهب الأخرى مثل السنّة والشيعة. مع ذلك يشير عمارة إلى أنّ الإطار العقدي ليس شرطاً أن ينعكس على الوضع السياسي، ويقول: "عُمان دولة تعددية، وفيها تسامح مذهبي".

تذكر علاقة الخليلي بالإخوان المسلمين بعلاقاتهم القوية السابقة بالشيعة، والتقارب في الأدبيات بين الطرفين، والاحتفاء بسيد قطب لدى الشيعة والاحتفاء الإخواني بالثورة الإيرانية. لكنّ تلك العلاقة انتهت بعد العام 2011 الذي شهد صراعات سياسية بين الإخوان وإيران، وبين تركيا وإيران. 

بخلاف ذلك، لا تبدو الظروف مشابهة لتكرار النمط نفسه، ويرى الباحث(عمارة أنّ سلطنة عُمان بعيدة عن الإخوان المسلمين، ولم يحدث بينهما صدامات.

الجدير بالذكر بحسب تقرير لشبكة (مواطن)، فإنّ المفتي الخليلي هو شخصية مثيرة للجدل، ففي عام 2019 في لقاء على القناة الرسمية وصف من يسمح لابنته بالدراسة في الخارج أو لا يمارس دور الرقيب بأشباه الرجال والأقرب لطبائع الخنازير (حسب وصفه). ويصف كاتب التقرير خطاب الخليلي الجديد بأنّه "خطاب الاعتدال الطائفي، ولكن داخل القيد التقليدي للصورة المتطرفة من الشريعة".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية