ما الذي تبقى من قطاع غزة؟

ما الذي تبقى من قطاع غزة؟

ما الذي تبقى من قطاع غزة؟


04/02/2024

فاضل المناصفة

نساء ثكلى، أغنياء فقراء، أطفال بلا مدارس، مقابر وسط الشوارع، ركام ودخان يملأ الأجواء، خيم تنتشر في كل مكان، عراك وسط الطوابير، خوف وجوع وبرد وبكاء، تعابير مؤلمة ومشاهد قاسية تختزلها كلمة واحدة… “غزة”.

قطاع غزة الذي اعتاد على دخان الحروب كان له في السابع من أكتوبر 2023 موعد مع حدث لا يشبه مقدمات الحروب السابقة، طوفان أعده يحيى السنوار ليغرق به حكومة بنيامين نتنياهو فإذا به يتحول إلى موجة تسونامي توشك أن تبتلع غزة بمن عليها أمام أنظار العالم، ورغم المحاولات والجهود الحثيثة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فشل الجميع في إيقاف آلة الموت التي تحولت إلى آلة مجنونة.

4 أشهر من حرب شوارع لم تتمكن فيها إسرائيل بعدتها وعتادها أن تقضي على حركة محاصرة تتخذ من الأنفاق مركزا لها، لكن حماس فقدت بالفعل السيطرة على أجزاء عديدة من شمال قطاع غزة الذي تحول إلى منطقة عسكرية مغلقة تعزلها إسرائيل عن جنوب وادي غزة في انتظار أن تنضج خطة عودة المستوطنات التي ينادي بها بن غفير ومن حوله من المتطرفين.

هدنة ثانية تطبخ على نار هادئة في باريس يقال إنها ستمتد  لثلاثين يوما، ربما ستغتنمها حماس وإسرائيل معا في إراحة المقاتلين وإعادة تنظيم الصفوف ومراجعة الخطط، في المقابل سيبقى الناس على ما هم عليه منذ أن بدأت الحرب؛ مشردين بين الخيم والملاجئ المكتظة دون أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم ولا إلى حياتهم الطبيعية، الهدنة ستكون فرصة لالتقاط الأنفاس لأيام معدودة لكن من دون أن تتمكن من إنهاء المعاناة.

مسلسل المفاوضات بين حماس وإسرائيل مستمر إلى أبعد نقطة يمكن أن يصلها الطرفان: بنيامين نتنياهو لا يكترث للأصوات المنادية بضرورة تقديم تنازلات لإعادة الرهائن إلى إسرائيل، ولا حماس تكترث لحجم وهول الكارثة الإنسانية التي حلت في قطاع غزة ولا لعدد الضحايا والشهداء. بالنسبة لنتنياهو فإن التنازلات تعني المخاطرة بانهيار الحكومة والمخاطرة بمنصبه، وبالنسبة لحماس فإنه كلما زاد عدد القتلى وازدادت المشاهد قسوة كلما شكل ذلك ضغطا على إسرائيل في الخارج يكسب حماس تعاطفا دوليا بإمكانه تغيير نظرة الغرب لها من منظمة إرهابية إلى حركة تحررية.

في الميدان وبعد أن فقدت حماس سيطرتها، تركت الغزيين يواجهون قدرهم المليء بالمرارة وانتشرت مظاهر الانفلات الأمني في أنحاء قطاع غزة، وأصبحت ظاهرة السرقة والسطو المسلح كابوسا يؤرق العائلات بعد انسحاب الشرطة وتحول البعض من عناصرها إلى قطاع طرق، وأصبح المهجرون تحت رحمة تجار الحروب وبات الحصول على سلعة غذائية يقتضي دفع ثمنها بعشرة أضعاف، وبينما يجد الناس أنفسهم في هذا الوضع السيء الذي فرضه خيار السنوار ومن معه، تخاطبهم قياداتها من الدوحة لتحييهم على الصمود والتضحية.

انهار كل شيء، لم تعد غزة مكانا قابلا للعيش، لربما تحتاج إلى سنين طويلة وإلى ملايين كثيرة لتعود فيها الحياة على الأقل كما كانت قبل السابع من أكتوبر، مع ذلك ستجد حماس التعابير المناسبة لوصف انتصارها الأسطوري على جيش الاحتلال، وستعد بإعادة بناء كل ما دمره العدوان كما وعدت في الحروب السابقة، لكن هل ستتمكن من إقناع الغزيين مجددا بأنها فعلت ما فعلت من أجلهم؟

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية