ما الجماعة الإسلاموية التي تخشى حكومة باكستان الاصطدام بها؟

ما الجماعة الإسلاموية التي تخشى حكومة باكستان الاصطدام بها؟


09/11/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

تجنّبت باكستان مواجهة سياسيّة مؤخراً، حيث أعاد المسؤولون فتح طريق وطنيّة سريعة رئيسة احتلّها أنصار جماعة إسلامويّة متشدّدة لعدّة أيّام، وذلك في أعقاب اتّفاق سرّيّ بين الحكومة والجماعة.

اقرأ أيضاً: وفاة مهندس البرنامج النووي الباكستاني... ماذا تعرف عن عبد القدير خان؟

نزع الاتّفاق فتيل أزمة تركت البلاد تترنّح في الأيّام الأخيرة، أزمة هي الأحدث في سلسلة من المواجهات المُنهِكة مع متشدّدين إسلامويّين يحتجّون على تجديف متصوّر. لكنّه أوضح أيضاً التّأثير المتزايد لمثل هذه الجماعات وقوّتها، بما في ذلك حركة "لبّيك باكستان"، الّتي حظرتها الدولة واعتبرتها منظّمة إرهابيّة في نيسان (أبريل)، ونضال الحكومة المدنيّة الضّعيفة لتأكيد نفسها وسط الاضطّرابات الاقتصاديّة وارتفاع التّضخّم.

يقول سعد رسول، وهو محام دستوريّ وكاتب عمود في الصّحف: إنّ مجرّد وصول الحكومة إلى "اتّفاق" مع "لبّيك باكستان" لا يعني أنّ مثل هذا الغضب العامّ ضدّ التّجديف لن يطلّ مرّة أخرى.

4 ضباط قتلى

بعد مواجهة عنيفة استمرّت أيّاماً مع أعضاء الحركة وخلّفت أربعة قتلى من ضبّاط الشّرطة، أعلنت الحكومة الباكستانيّة، أنّها أبرمت اتّفاقاً مع الجماعة، لكنّها لم تكشف عن الشّروط علناً. ظلّ العديد من أنصار الجماعة على الطّريق السّريعة الوطنيّة، على أمل الضّغط على الحكومة للوفاء بالوعود الواردة في الاتّفاق.

بدأت المواجهة الأخيرة في 21 تشرين الأوّل (أكتوبر)، عندما قام الآلاف من أنصار حركة لبّيك باكستان بالسّير نحو إسلام أباد من لاهور، على بعد 240 ميلاً. وطالبوا بالإفراج عن زعيم الجماعة، سعد حسين رضوي، الّذي اعتُقل في نيسان (أبريل)، وسحب تهم الإرهاب ضدّ المئات من أعضاء الجماعة.

اقرأ أيضاً: طالبان وباكستان: علاقة مضطربة تنخرها الشروخ والمخاوف

كما طالبت الجماعة بطرد السّفير الفرنسيّ بسبب رسوم كاريكاتوريّة نُشرت في فرنسا تصوّر النّبيّ محمّد. ووافقت حكومة رئيس الوزراء عمران خان على طرح مسألة الطّرد للتّصويت البرلمانيّ الرّبيع الماضي لكنّها لم تُتابع ذلك.

 

لا يوجد حلّ بين عشية وضحاها لتحدّي لبّيك باكستان، فهي جماعة ذات مكانة وتتمتّع بجاذبيّة شعبيّة قويّة في المراكز السّكانيّة الرّئيسة في باكستان وتستفيد من الدعم الشعبي

وأسفرت اشتباكات عنيفة الأسبوع الماضي بين محتجّين والشّرطة عن مقتل أربعة ضباط وإصابة 114 شرطيّاً بعضهم في حالة خطيرة.

وبعد أن فشلت الشّرطة في وقف المتظاهرين - وكثير منهم مسلّحون - استُدعيت القوّات شبه العسكريّة لقمع العنف.

تظاهرات على طول الطريق

بحلول يوم الجمعة، كان المتظاهرون يعتصمون على طول طريق وطنيّة سريعة رئيسة، وهي جزء من طريق "جراند ترانك" الّتي تبعد حوالي 100 ميل جنوب إسلام أباد، حيث حذّرتهم القوّات شبه العسكريّة من التقدّم لمسافة أبعد.

تبنّت حكومة خان في البداية موقفاً متشدّداً، حيث قال بعض الوزراء إنّ الاحتجاج لن يتمّ التّسامح معه. على أيّ حال، لم يولِ المتظاهرون سوى القليل من الاهتمام وتعهّدوا بالمضي قدماً.

شلّت الاضطّرابات العديد من المدن في مقاطعة البنجاب، حيث استخدمت السّلطات حاويات الشّحن لتحصين الطّرق السّريعة وحجبت خدمات الإنترنت. أُغلِقَت الشّركات الموجودة حول طريق "جراند ترانك"، إحدى أكثر الطّرق السّريعة الوطنيّة ازدحاماً وشريان العديد من المدن الصّناعيّة. وقال مسؤولون إنّ خطوط الإمداد اختنقت، ممّا أثّر على حملات الإغاثة الغذائيّة إلى أفغانستان المجاورة.

مع تزايد المخاوف من تصاعد العنف خلال العطلة الأسبوعيّة، عُقدت اجتماعات محمومة بين الحكومة و"لبّيك طالبان"، بوساطة شخصيّات دينيّة بارزة.

قال مسؤولون أمنيّون ووزراء كبار لمجموعة من الصّحافيّين إنّ الدّولة لا يمكنها السّماح لجماعة مسلّحة بتحدّي حكمها. لكنّهم بدوا خائفين من الاشتباك بين المتظاهرين وجنود المظلّات

بعد ظهر يوم الأحد، تكلّم المفتي منيب الرّحمن، وهو رجل دين مؤثّر عمل كضامن لـ"لبّيك باكستان"، ووزراء تظهر عليهم الكآبة، في مؤتمر صحافيّ في إسلام أباد للإفصاح عن الاتّفاق.

وقال منيب الرّحمن: "هذا ليس انتصاراً أو هزيمة لأيّ طرف"، مضيفاً أنّ تفاصيل الاتّفاق ستعلن في وقت لاحق.

كجزء من الاتّفاق، الّذي تكلّمت وسائل الإعلام المحلّيّة على نطاق واسع عن شروطه، أسقطت حركة "لبّيك باكستان" مطالبتها باكستان بقطع العلاقات الدّبلوماسيّة مع فرنسا. في المقابل، وافقت الحكومة على إطلاق سراح أعضاء الجماعة الّذين تمّ سجنهم وعدم توجيه تهم جديدة ضدّ قادة الجماعة. كما وافقت على رفع الحظر المفروض على الجماعة.

من جانبهم، طالب قادة المعارضة بمزيد من الوضوح.

وكان من بينهم شيري رحمان من حزب الشّعب الباكستانيّ، الّتي كتبت على تويتر: "ما الاتّفاق الّذي تمّ التّوصل إليها ولماذا سيتمّ الكشف عنه في "الوقت المناسب؟" سلامٌ مع الدّولة بأيّ شروط؟".

يقول عارف رفيق، رئيس "فايزر كونسلتنغ"، وهي شركة استشارات مخاطر سياسيّة في نيويورك، إنّ الاحتجاجات في باكستان على التّجديف تعود إلى السّبعينيّات من القرن الماضي ووصف "لبّيك باكستان" بأنّها مشكلة لن تحلّها الحكومة بسهولة.

ويضيف: "لا يوجد حلّ بين عشية وضحاها لتحدّي لبّيك باكستان". ويتابع: "إنّها جماعة ذات مكانة وتتمتّع بجاذبيّة شعبيّة قويّة في المراكز السّكانيّة الرّئيسة في باكستان. وهي قادرة على الاستفادة من هذا الدّعم سواء في الشّارع أو في صناديق الاقتراع".

سرديّة منسّقة لاعنفيّة

ويقول رسول، المحامي الدستوريّ: "على دولة باكستان، بالشّراكة مع رجال الدّين المعتدلين، أنّ تجد سرديّة منسّقة لاعنفيّة ضدّ أحداث التّجديف".

المسلمون السّنّة، وخاصّة من طائفة "باريلفي"، الّذين يشكّلون غالبيّة سكان باكستان، ينظرون إلى تصوير النّبيّ محمّد على أنّه تجديف. وأثارت الإهانات المتصوّرة احتجاجات غاضبة وأعمال عنف جماعيّة.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون ونشر الفوضى في باكستان.. ما الهدف؟

نقلت "لبّيك باكستان" هذا الغضب إلى الشّعب الباكستانيّ وبرزت كقوّة فعّالة في الأعوام الأخيرة، مع قدرتها على تأجيج احتجاجات وتجمّعات عنيفة. الاحتجاج الأخير كان على الأقلّ سادس مواجهة كبيرة مع الحكومة.

فاعلية التّهديد الّذي تمثّله "لبّيك باكستان" لا تغيب عن القيادة المدنيّة والعسكريّة في باكستان.

في إفادة صحافيّة في وقت متأخّر من يوم الجمعة، في مقرّ وكالة التّجسّس في البلاد في إسلام أباد، قال مسؤولون أمنيّون ووزراء كبار لمجموعة من الصّحافيّين، بما في ذلك صحيفة النّيويورك تايمز، إنّ الدّولة لا يمكنها السّماح لجماعة مسلّحة بتحدّي حكمها. لكنّهم بدوا خائفين من الاشتباك بين المتظاهرين وجنود المظلّات الّذين يخضعون للتسلسل الهرميّ لقيادة الجيش.

وقال مسؤول استخباراتيّ كبير، مستشهداً باحتمال اندلاع أعمال عنف إذا واجهت القوّات المسلحة المتظاهرين، إنّ مثل هذه الحملة لن تُفرض إلّا كملاذ أخير.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

سلمان مسعود، النيويورك تايمز، 1 تشرين الأوّل (نوفمبر) 2021

https://www.nytimes.com/2021/11/01/world/asia/pakistan-protests-negotiations-tlp.html




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية