ما التداعيات الإقليمية لإعادة انتخاب أردوغان؟

ما التداعيات الإقليمية لإعادة انتخاب أردوغان؟

ما التداعيات الإقليمية لإعادة انتخاب أردوغان؟


01/06/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

ظلّت العواصم الغربيّة صامتة خلال الحملة الانتخابيّة الرّئاسيّة في تركيا - على أمل أن ينتهي الحُكم المتقلّب، الذي استمرّ 20 عاماً، لرجب طيب أردوغان بشكل مفاجئ - لكن الآن وقد حصل على تفويض حاسم بالخدمة لفترة ثالثة، أصبح الغرب عالقاً بين الخوف والأمل.

يخشى الغرب أن يستغلّ أردوغان النّتيجة ليأخذ بلده، العضو المؤسّس في حلف شمال الأطلسيّ، بعيداً عن الغرب العلمانيّ الليبراليّ. ومع ذلك، يأمل الغرب في أن يكون أردوغان - الذي أصبح غير مؤهّل للتّرشّح مرّة أخرى، وبالتّالي تحرّر من الحاجة إلى إرضاء جمهور النّاخبين القوميّين لبقية حياته المهنيّة السّياسيّة - على الأقلّ منفتحاً على الإقناع ويبني سياسته الخارجيّة على شيء آخر غير صون الذّات.

في كلتا الحالتين، فإنّ الخيارات المتاحة أمام أردوغان لا تهمّ فقط تركيا، وحلف شمال الأطلسيّ، وأيّ نظام يظهر في نهاية الحرب في أوكرانيا.

في حضن بوتين

القضيّة العاجلة هي منعه من الوقوع في حضن فلاديمير بوتين. قلّة من الدّبلوماسيّين الغربيّين متفائلون. قال أحدهم: «في الماضي، حوّل فكرة التّعامل مع أيّ أحد إلى شكل فنّيّ تقريباً ثمّ إلى أيديولوجيا تقريباً. لكن، في الآونة الأخيرة، أخذت تلك الفكرة شكل كراهية حقيقيّة للقِيَم الغربيّة وغطرسة». وخلال الحملة الانتخابيّة، قال وزير داخليّة أردوغان، سليمان صويلو، إنّ أيّ شخص يُظهر ميولاً موالية للغرب عبارة عن خائن. ربما كان مجرّد كلام حملات انتخابيّة، لكنّه يعكس عقليّة في تركيا، وربما في بلدان أخرى.

سيأتي الاختبار الأوّل لأردوغان في قمة حلف شمال الأطلسيّ في فيلنيوس، حيث سيُطلب منه رفع حقّ النّقض التّركيّ على عضويّة السّويد في الحلف. وقد رفع بالفعل حظره المفروض على عضويّة فنلندا، لكنّه ترك السّويد مُعلّقة وفي منطقة رماديّة يُحتمل أن تكون خَطِرة.

القضية الملحة بالنسبة للغرب هي منع أردوغان من السقوط في حضن فلاديمير بوتين

تقول السّويد، التي تضمّ عدداً أكبر من السّكان الأكراد مقارنةً بفنلندا، إنّها تعاني من أجل عقلنة بعض مطالب أردوغان، بما في ذلك تسليم 140 كرديّاً، لم تُنقل أسماؤهم بشكل نهائيّ إلى الحكومة السّويديّة. وتعمل ستوكهولم على تشديد قوانين مكافحة الإرهاب لإرضاء أنقرة، وهي على استعداد لدراسة أدلّة على أنّ الجالية الكرديّة في السّويد أصبحت مصدراً كبيراً لتمويل حزب العمال الكردستانيّ، المصنّف منظّمةً إرهابيّةً من قِبل الاتّحاد الأوروبيّ وتركيا. لكنّ الحكومة السّويديّة اليمينيّة لا تستطيع أن تأمر قضاتها بتسليم أكراد.

عضوية السويد

يتظاهر المسؤولون بأنّ عضويّة السّويد في حلف شمال الأطلسيّ قضيّة قائمة بذاتها، لكن من النّاحية العمليّة، يرى معظمهم أنّها مرتبطة بحظر مبيعات أسلحة أمريكيّة إلى تركيا، ناهيك عن الوضع المستقبليّ لبطاريات صواريخ «إس 400» التي اشترتها أنقرة من روسيا.

على الرّغم من وصف جو بايدن أردوغان بأنّه أوتوقراطيّ، فإنّه مستعدّ لرفع الحظر عن مبيعات الأسلحة، وتأييد بيع طائرات «إف 16» بقيمة 20 مليار، دولار وفتح فصل جديد مع تركيا.

يخشى الغرب أن يستغلّ أردوغان النّتيجة ليأخذ بلده، العضو المؤسّس في حلف شمال الأطلسيّ، بعيداً عن الغرب العلمانيّ الليبراليّ. ومع ذلك، يؤمل أن يكون أردوغان منفتحاً

لكن على الرّئيس الأمريكيّ، أوّلاً، إقناع قادة لجنتي الشّؤون الخارجيّة في مجلسي النّواب والشّيوخ بالموافقة على البيع. مايكل ماكول، الرّئيس الجمهوريّ للجنة الشّؤون الخارجيّة بمجلس النّواب، ألمح مؤخّراً إلى موقف مَرِن، قائلاً إنّه على استعداد لتأييد البيع طالما حُلّت قضيّة عضويّة السّويد بحلف شمال الأطلسيّ.

قال ماكول: «أُكّد لنا أنّه بعد الانتخابات، بغضّ النّظر عن الفائز، سيُعترف بالسّويد عضواً في حلف شمال الأطلسيّ». ومع ذلك، يريد الدّيمقراطيّون في مجلس النّواب تطمينات أوسع بشأن وقف تركيا لتهديداتها لليونان، ولذلك فإنّ حديث تركيا عن تعليق تدريباتها العسكريّة في بحر إيجة يُبشّر بالخير.

لكن حتّى بيع الأسلحة في حدّ ذاته لن يوقف مقاومة أردوغان للجهود الغربيّة التي ترغب في فصله عن بوتين. خلال حملته الانتخابيّة، قال إنّ تركيا وروسيا تربطهما علاقة خاصّة، وتكلّم عن علاقته الشّخصيّة ببوتين، قائلاً إنّها تضعه في وضع جيّد للعمل وسيطاً في الحرب في أوكرانيا. وفي نيسان (أبريل)، أطلق أردوغان أوّل محطّة للطّاقة النّوويّة التّركيّة، والتي شُيّدت بدعم ماليّ وتكنولوجيّ روسيّ. وبشكل لا يُصدّق، تحدّث بوتين عن تحوّل تركيا إلى مركز أوروبيّ للغاز الرّوسيّ.

وصف جو بايدن أردوغان بأنّه أوتوقراطي

كلّ هذا جعل من الصّعب على المسؤولين الأمريكيّين، الذين سافروا إلى أنقرة، حثّ أردوغان على تضييق الخناق على الشّركات التّركيّة التي تعمل بوصفها قناة لتجاوز العقوبات الغربيّة على روسيا. الصّفقات التّركيّة مع شركات روسيّة مُعَاقبة، والتّجارة مع روسيا في منتجات غربيّة الصّنع، وتصدير ما يسمّى بالسّلع ذات الاستخدام المزدوج مثل البلاستيك والمطاط والإلكترونيات إلى روسيا،  كلّها قضايا أثارتها الولايات المتّحدة من دون تأثير يُذكر.

خلال حملته الانتخابيّة، قال أردوغان إنّ تركيا وروسيا تربطهما علاقة خاصّة، وتكلّم عن علاقته الشّخصيّة ببوتين، قائلاً إنّها تضعه في وضع جيّد للعمل وسيطاً في الحرب في أوكرانيا

ببساطة، تركيا ليست مستعدّة لفرض عقوبات على روسيا، وواشنطن ليست مستعدّة لفرض عقوبات ثانويّة على تركيا، خشية أن يدفع ذلك أردوغان إلى أحضان بوتين.

انتخاب أردوغان نعمة للغرب

على نطاق أوسع، يُفضّل الغرب خطط أردوغان لخفض التّوترات مع جيرانه، بما في ذلك السّعوديّة، وسوريا، ومصر، وأرمينيا. في بعض النّواحي المحدّدة، تُعدّ عمليّة إعادة انتخاب أردوغان نعمة للغرب. مع أخذ سجلّه في مجال حقوق الإنسان بعين الاعتبار، يمكن لطلبه لعضويّة الاتّحاد الأوروبيّ، وهو طلب معلّق منذ عام 2018، أن يستمرّ في مراكمة الغبار داخل الأدراج، وهو أمر كان من الممكن أن يكون أقلّ سهولة لو انتُخب خصم أردوغان، كمال كيليتشدار أوغلو. ثانياً، بدا تعهّد كيليتشدار أوغلو الصّارم على نحو متزايد بإجبار ملايين اللاجئين السّوريّين على العودة عبر الحدود إلى سوريا وكأنّه ضجيج من دون خطّة.

على النّقيض من ذلك، يبدو أردوغان أكثر منطقيّة عندما يقول إنّ لديه خطّة لإعادة مليون سوريّ في شمال تركيا عبر الحدود. إنّ علاقاته مع بوتين، ومن ثمّ الرّئيس السّوريّ بشّار الأسد، تجعل هذه الخطّة أكثر منطقيّة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

باتريك وينتور، الغارديان، 28 أيار (مايو) 2023



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية