ما الأهم في سوريا: تأمين الخبز أم عودة اللاجئين؟

ما الأهم في سوريا: تأمين الخبز أم عودة اللاجئين؟


15/11/2020

في دولة باتت ولّادة للحروب والأزمات المعيشية والكوارث الإنسانية، لا يكاد مواطنوها يواجهون أزمة بالمحروقات، والوقوف لساعات، وربما لأيام، كي يملؤوا سياراتهم بالوقود، حتى يعودوا إلى منازلهم، فيُصدموا بتيارٍ كهربائي مقطوع.

اقرأ أيضاً: كيف علقت الولايات المتحدة على مؤتمر سوريا للاجئين؟

لكنّ الحالة المأساوية التي وصل إليها اليوم الشعب السوري أنّه يواجه أزمة حادة في تأمين مادة الخبز؛ بسبب عجز النظام السوري عن تأمين احتياجات الأفران للطحين المدعوم، لتتناقل وسائل الإعلام ومواقع السوشيال ميديا صوراً تُظهر السوريين في طوابير طويلة من أجل الحصول على ربطة خبز، هذا عدا الصورة التي استفزت سوريين كثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يظهر فيها السوريون داخل قفصٍ حديدي، ينتظرون دورهم للحصول على الخبز.

من الناحية الأخرى؛ ينشغل النظام السوري في تنظيم مؤتمر دولي حول "عودة اللاجئين السوريين" في قصر المؤتمرات بدمشق، بمشاركة وزارة الدفاع الروسية وممثّلين عن عدد من الدول، بهدف وضع حدّ "لمعاناة اللاجئين وتسهيل عودتهم إلى وطنهم"، لكن أليس من الأولى أن يضع النظام السوري وداعموه حدّاً لمعاناة السوريين الذين لم يغادروا البلاد بعد؟!

بعد 9 أعوام من الحرب والتهجير والاقتتال؛ الشعب السوري منهك، والطوابير تحكي معاناة آلاف العائلات المجبرة على الوقوف كلّ يوم للحصول على مخصصاتها من الخبز

وبالتزامن مع ختام مؤتمر اللاجئين في دمشق، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان؛ بأنّ "مشاجرة جماعية وقعت عند أحد الأفران في مدينة صوران الخاضعة لسيطرة النظام، شمال حماه، بسبب الازدحام الخانق على الأفران، وتسبّبت المشاجرة بسقوط جرحى، وفي سياق متّصل؛ تشهد الأفران في محافظة اللاذقية ازدحاماً خانقاً، بسبب قلّة مادّة القمح المقدّمة إليها، وبحسب مصادر المرصد السوري؛ فإنّ فرن "دمسرخو"، الذي يعدّ أحد أكبر الأفران في مدينة اللاذقية، بات مخصصاً للعساكر في قوات النظام فقط، وتشهد المحافظات السورية، في عمومها، ضمن مناطق سيطرة النظام أزمة مستمرة في تأمين مادة الخبز".

اقرأ أيضاً: ماذا وراء دعوة روسيا لمؤتمر اللاجئين في دمشق؟

وأضاف المرصد: "الليرة السورية سجلت انخفاضاً جديداً لقيمتها أمام العملات الأجنبية، بسعر 2582 شراءً و 2612 مبيعاً أمام الدولار، كما سجّل سعر غرام الذهب عيار"21" اليوم 137 ألف ليرة للغرام الواحد، بينما بلغ سعر الغرام عيار "18" 117 ألف و429 ليرة سورية".

كما أشار المرصد إلى أنّ "أفران ابن العميد" المشهورة في منطقة ركن الدين بالعاصمة دمشق، أُغلقت بسبب انعدام مادة الطحين المقدّمة إليها، وتزامن ذلك مع ازدحام خانق تشهده الأفران ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري بسبب نقص كميات الطحين المقدمة للأفران.

اقرأ أيضاً: سياسات أردوغان العنصرية تحرّض الأتراك ضدّ اللاجئين السوريين

وتعدّ "أفران ابن العميد"، التي يبلغ عددها خمسة أفران ملاصقة لبعضها، والواقعة في حيّ ركن الدين، الملاصق لجبل قاسيون في دمشق، من أهم الأفران التي يقصدها سكان وأهالي العاصمة وريفها".

تقول سمر (اسم مستعار)، التي تعيش وسط مدينة دمشق، لـ "حفريات": "بات السوريون يعرفون أنّ النقص في أيّة مادة هو تمهيد لرفع سعرها، وما يحصل اليوم على طوابير الخبز هو شكل من أشكال إهانة الإنسان بأكثر طريقة يخشاها، وهي الجوع، لكنّ المشكلة اليوم أنّ السوريين في الداخل غير قادرين على القيام بأيّة ردّة فعل، لأسباب كثيرة، ليس آخرها الخوف من اليد الأمنية، والتي يعلمون جيداً قدرتها على القتل والتهجير".

اقرأ أيضاً: كيف يتلاعب أردوغان بورقة اللاجئين؟

وأضافت: " بعد 9 أعوام من الحرب والتهجير والاقتتال؛ الشعب اليوم مستنزف ومنهك، الطوابير اليوم تحكي معاناة آلاف العائلات المجبرة على الوقوف كلّ يوم للحصول على مخصصاتها من الخبز، والتي قد تكون "ربطةً واحدةً"، فتخيّل أن تأخذ إجازة من عملك يومياً لتحصل على ربطة الخبز خاصتك! الناس غاضبون ويائسون في الوقت نفسه، ولا يجدون مخرجاً للأزمات المتلاحقة، خاصّة أنّ برد الشتاء على الأبواب، ينذر بأزمات جديدة، وفي طبيعة الحال؛ تتسبّب أزمات الطوابير بظهور مشكلات أخرى، كالشجارات على الدور، وخطورة الطوابير وسط وباء كوفيد 19، وظهور تجارة جديدة تعتمد على سرقة الخبز وبيعه بأضعاف سعره".

اقرأ أيضاً: ناشطون يسخرون من "دعم أردوغان للاجئين" بعد هذه التغريدة

وتتابع سمر حديثها: "المشكلة الأساسية التي ظهرت مع فقدان الخبز، هي رغبة جديدة وقوية بالهجرة لأشخاص كانوا متمسّكين بالبقاء داخل سوريا، لا يريدون الهجرة طبعاً بسبب فقدان الخبز، بل لأنّ فقدان الخبز وأساسيات أخرى تشير بشكل جدّي إلى صعوبة الحياة القادمة، والسوريون يريدون حياة جيدة لأطفالهم، لا أن يكبروا على الطوابير!".

تقول سمر: "من الجيد أنّ أحد أقربائي يعمل في أحد الأفران، ويستطيع أن يجلب الخبز الطازج في بداية كلّ أسبوع لعائلتي، دون أن يقفوا على الطوابير، سبع ربطات في بداية كلّ أسبوع، وأعلم أن هذا الأمر قد يكون مزعجاً وغير عادل للكثيرين، لكن في النهاية لا نريد لوالدَيّ العجوزَين أن يقفا على الدور كلّ يوم، إضافة إلى أنّ الخبز الذي يجلبه المعتمد سيّء وغير صالح للأكل، لا تخبر عائلتي أحداً بذلك فقد يعاقب قريبي، ويفصل من عمله!".

المحلل الاقتصادي يونس الكريم لـ"حفريات": البنك المركزي السوري يعاني من إفلاس ولا يمكن استيراد السلع، وهو قد أعلن عدة مناقصات لاستيراد القمح، لكنّها فشلت

أمّا المحلّل الاقتصادي السوري، يونس الكريم، فيقول لـ "حفريات": إن أزمة الخبز "تندرج في عدّة نقاط؛ الأولى هي الموازنة العامة التي تدعم القمح والسلع الأساسية، ونتيجة تغيّر سعر الصرف خسرت أكثر من 80%،  والتي قدّرت على أساس سعر الصرف 435 ليرة سورية، لكن طيلة العام كان سعر الصرف 2200 تقريباً. بالتالي؛ الدعم المخصّص للسلع اختفى. الحكومة الحالية، اليوم، هي حكومة تسيير أعمال، بسبب إفلاس الحكومة وعدم القدرة على الاستمرار بتمويل بنود موازنة عام 2020". وأما النقطة الثانية فتتمثل في أنّ "البنك المركزي يعاني من إفلاس أيضاً، ولا يمكن استيراد السلع، وهو قد أعلن عدة مناقصات لاستيراد القمح، لكنّها اصطدمت بعدم توافر الأموال، كما أنّ الأزمة البنكية في لبنان حالت دون فتح اعتمادات مستندية بالاعتماد على البنوك اللبنانية، وهذا الأمر شكَّل عائقاً قوياً أمام الحصول على القمح".

اقرأ أيضاً: انسحاب تركي رابع من مواقع في سوريا... ما السبب؟

ويرى الكريم؛ أنّ النقطة الثالثة تتمثل بقانون قيصر؛ إذ جعل بنوكاً وشركات عالمية كثيرة تخاف أن تقع بخطأ ما يؤدي لأن تطالها قائمة عقوبات قانون قيصر؛ لذلك امتنعوا عن التعاون مع أيّ شيء يخصّ الـ "كود سيريا"، أي شيء يخصّ سوريا، فهم متوقّفون عن العمل فيه، بحسب تعبيره.

كما يرى الكريم أنّ موضوع الهدر والتبذير، سواء على مستوى الساسة أو على مستوى القطاع العسكري، أمر بالغ الأهمية؛ إذ إنّ الأخير ينتج خبزاً غير صالح للاستهلاك البشري، وحتى الأفران التقليدية المخصصة للأهالي.

اقرأ أيضاً: سوريا وبايدن والمتغيرات الأمريكية

هذا الأمر انعكس سلباً على أنّ هذا الخبز يتمّ رميه واستخدامه علفاً للحيوانات، إضافة إلى الفساد وتهريب القمح، وفي النهاية؛ أزمة المحروقات أيضاً، وعدم توافر القطع الخاصة بصيانة المخابز؛ إذ إنّ النظام السوري، بحسب الكريم "استهدف أفران خبز كثيرة، وبعضها لم يعد إلى العمل، وهذا يذكرنا ببداية الثورة السورية، بجمعة "خبز الدم"، بتاريخ 28 كانون الأول (ديسمبر) 2012، التي خرج فيها المتظاهرون يندّدون بقصف المدنيين، وهم يقفون لشراء الخبز من الأفران، ويعدّ هذا الأمر من أهم الأسباب التي قادت إلى أزمة الخبز".

اقرأ أيضاً: كيف تورّطت تركيا بدعم الإرهاب في سوريا وليبيا والقوقاز؟

السبب الأخير لأزمة الخبز، وفق الكريم، هو "امتناع الإدارة الذاتية عن بيع القمح للنظام، وفي المقابل؛ عدم قدرة النظام نفسه على شرائه، كما أنّ انخفاض القدرة الشرائية للناس لشراء الخبز غير المدعوم، وهو ما شكّل ضغطاً على الأفران الحكومية، وعدم قدرة النظام على شراء الخبز من الأفران المدعومة وبيعها للمواطنين، كلّ هذا الأسباب شديدة القتامة، ألقت بظلالها على أزمة الخبز". 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية