تتوجه الأنظار نحو الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستُجرى في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، باعتبارها نقطة محورية في تحديد السياسات الخارجية الأمريكية، لا سيّما تجاه الشرق الأوسط، في ضوء توترات متلاحقة، وتراقب جماعة الإخوان المسلمين عن كثب مجريات الأحداث، سعياً لاستغلال الوضع لمصلحتها، فالجماعة تعتبر أنّ النتائج المحتملة لهذه الانتخابات ستؤثر بشكل كبير على استراتيجياتها وأهدافها، خصوصاً في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها من الحكومات العربية والإسلامية التي تصنفها جماعة إرهابية، وتأمل الجماعة في زيادة الدعم الأمريكي لها خلال الفترة المقبلة، خاصة فيما يتعلق بملفات الحقوق والحريات والدول العربية، بحثاً عن متنفس من أجل العودة إلى المشهد السياسي.
الدعم الأمريكي للإخوان المسلمين: الماضي والحاضر
تاريخياً، استفادت جماعة الإخوان المسلمين من الدعم الأمريكي في بعض الأحيان، ولكنّ تلك الأوقات كانت ملأى بالتعقيدات. وتتبنّى جماعة الإخوان استراتيجية تهدف إلى توظيف الأحداث السياسية لصالحها، لكنّها تواجه تحديات كبيرة، كونها تنفذ أجندة غربية تتناقض مع القيم والتقاليد التي تروج لها في المجتمعات العربية. ويُشير د. شريف جابر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين نجحت في بناء علاقات غير مباشرة مع بعض دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، خاصة خلال فترة حكم الرئيس باراك أوباما، ويقول: "الإخوان استغلوا الفرصة في فترة الربيع العربي لتقديم أنفسهم كبديل معتدل أمام الجماعات المتطرفة، وهو ما جعل بعض المسؤولين الأمريكيين ينظرون إليهم كحركة يمكن التعاون معها في سبيل تحقيق الاستقرار في المنطقة."
ومع ذلك، تُحذّر د. ليلى أبو زيد، باحثة في الشؤون العربية والإسلامية، من أنّ هذه العلاقات قد تكون غير مستقرة وتعتمد بشكل كبير على الوضع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة. وتقول: "التحولات السياسية الأمريكية يمكن أن تغير جذرياً من مواقف الإدارة تجاه الجماعة، في حين قد تجد جماعة الإخوان فرصاً في بعض الأحيان، إلّا أنّ الضغوط من حلفاء أمريكا في المنطقة مثل مصر والسعودية يمكن أن تضعف هذه العلاقات بشكل سريع."
بدوره، يرى د. أحمد بن عمر، خبير في شؤون الشرق الأوسط، أنّ جماعة الإخوان تواجه تحديات كبيرة في الحصول على دعم مستمر من دوائر صنع القرار الأمريكية، خاصة بعد تصنيفهم جماعة إرهابية في عدة دول عربية. ويقول: "على الرغم من محاولات الإخوان لبناء تحالفات مع دوائر مؤثرة في واشنطن، إلّا أنّ الحكومة الأمريكية تتحفظ على دعم أيّ جماعة يُعتقد أنّها تسعى لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط."
وفي سياق متصل، تشير د. سارة العلي، باحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط، إلى أنّ جماعة الإخوان لجأت إلى استخدام وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز صورتها في دوائر القرار الأمريكية، وتقول: "الإخوان يدركون أنّ التأثير على الرأي العام الأمريكي يمكن أن يفتح لهم الأبواب أمام دوائر صنع القرار؛ ولهذا السبب يستثمرون في استراتيجيات علاقات عامة لتعزيز سمعتهم كحركة معتدلة."
وتظهر التحليلات الحديثة أنّ الجماعة تحاول استغلال أيّ تغيير في الإدارة الأمريكية أو تحول في السياسات الخارجية لإعادة تأكيد نفوذها، وفي الوقت ذاته تتعرض للانتقادات من قبل بعض الحكومات الغربية، التي تُحذّر من دعم أيّ تنظيمات يُعتقد أنّها تعزز الإرهاب أو التطرف، ويتجلى هذا في تصريحات الكثير من الخبراء الذين يرون أنّ الإخوان يسعون للاستفادة من الأزمات السياسية، بما يتضمن ذلك دعم المجموعات الأكثر اعتدالاً في إطار الخطاب الديمقراطي، رغم أنّ ذلك قد يتعارض مع مصالح الدول التي نشأت فيها الجماعة.
جماعة الإخوان الأمريكية
بحسب الكاتب السعودي خالد العضاض، في مقاله المنشور على موقع (العربية) تحت عنوان "تنظيم الجماعة الإرهابية في أمريكا"، نشط الإخوان في أمريكا خلال الثمانينات، من خلال تشكيل الأسر التنظيمية في مختلف أنحاء البلاد، وتمثلت مهمة تلك الأسر في تثبيت جذورها في مكان تواجدها من خلال التأثير على أكبر عدد ممكن من الناس في محيطها، والاهتمام بالقادمين الجدد التابعين للجماعة، فأنشأت المدراس والمساجد والعيادات لتوسيع نفوذها داخل المجتمع العربي في أمريكا، وتطور الأمر إلى التغلغل داخل المجتمع الأمريكي نفسه، وتمكن الإخوان الأمريكيون من المشاركة في الحياة السياسية، الأمر الذي مكَّن الجماعة من قيادة المجتمع الإسلامي في أمريكا، وبالتالي مكَّنها ذلك من الوصول إلى البيت الأبيض، وتمثيل المسلمين في أمريكا داخل الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
ويرى العضاض أنّ الاهتمام الأمريكي بالإخوان بدأ مع نهايات الحرب العالمية الثانية، عندما وجدت المخابرات الأمريكية أنّ هتلر كان مهتمّاً بالإخوان في شخص سعيد رمضان، وقد قامت مخابرات هتلر بشراء مسجد لسعيد رمضان في مدينة ميونخ، وهو المسجد الذي يُسمّى اليوم المركز الإسلامي، وهو مرتكز في عمل الإخوان في أوروبا حتى اليوم.
ويقول العضاض: "تأسس تنظيم الإخوان في الولايات المتحدة بعد أن فتحت أبوابها لعناصر الإخوان، خصوصاً باب الدراسة، في جامعات ألينوي، وإنديانا، وميتشيغان، فأسس هؤلاء الطلاب فرع التنظيم الأول تحت اسم (الرابطة الإسلامية لأمريكا الشمالية) "ISNA" 1963، وتأسيس هذه الرابطة هو بداية العمل التنظيمي الإخواني في الولايات المتحدة، وقد هيمنت الرابطة على غالبية المساجد، والجمعيات، والمراكز الإسلامية في الولايات المتحدة، وبالمناسبة فقد عمل في رابطة "ISNA" القطري محمد حامد الأحمري أكثر من (14) عاماً."
ومع تزايد وجود الإخوان على الأراضي الأمريكية، رفض التنظيم إطلاق مُسمّى الإخوان على أيّ فرع أو نشاط لهم هناك، واختاروا أسماء لا تعبّر عن الجماعة الإرهابية وهويتها، ورسموا أهدافاً معلنة تختلف عن أهدافهم الخفية التي ظهرت لاحقاً، ولذلك جعلوا أهداف منظماتهم وجمعياتهم الكثيرة فى أمريكا هي حفظ الهويات الثقافية والفكرية، وحماية أنفسهم من الاعتقال أو التحقيق، وطوال (30) عاماً حتى نهاية التسعينيات، كان الإخوان ينظمون مؤتمراً في مدينة أمريكية كبيرة في شهر أيلول (سبتمبر)، وأصدروا مجلة باسم "أفق"، ويُعتبر أحمد القاضي أول مراقب عام للإخوان في الولايات المتحدة، وهو من مواليد دسوق في محافظة كفر الشيخ المصرية.
المرشح المفضل لدى الإخوان، ولماذا؟
تميل غالبية التقديرات إلى دعم الإخوان لـ (كاميلا هاريس) المرشحة الديمقراطية بمواجهة (دونالد ترامب)، وبحسب دراسة لـ (المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية)، تتجه أغلب التحليلات إلى التأكيد على وجود قنوات اتصال أكثر دفئاً بين الإخوان والديمقراطيين، ويستندون في ذلك إلى المرونة التي أبدتها إدارة (بيل كلينتون) وزوجته مع رموز هذا التيار، فضلاً عن سياسات إدارة (أوباما) التي لم تكن ترى أيّ غضاضة في وصول الإسلام السياسي إلى الحكم، وعليه، مع انطلاق السباق الرئاسي الأمريكي خلال عام 2020، أفادت بعض الأنباء بسعي بعض الكوادر الإخوانية الموجودة في الولايات المتحدة إلى تعزيز شبكة علاقاتها مع الحزب الديمقراطي، لفتح الباب أمام تحالف جديد للإخوان مع الديمقراطيين في الشرق الأوسط.
في الانتخابات السابقة، بدأت جماعة الإخوان في الولوج إلى الحملة الانتخابية الديمقراطية المناهضة لترامب عبر المرشح الديمقراطي المنسحب (بيرني ساندرز)، فقد أشارت مجلة (أمريكان ثينكر) الأمريكية إلى أنّ السيناتور (ساندرز) ضم إلى فريقه الانتخابي أعضاء من جماعة الإخوان، مثل عضو مجلس إدارة مقاطعة (فيرفاكس) الليبية أبرار عميش، بنت القيادي عصام عميش، التي عملت بصفة رئيس مشارك لحملة (ساندرز) في فرجينيا.
وفي أعقاب انسحاب (ساندرز) اتجه الإخوان إلى دعم (بايدن) لاستدعاء ميراث (أوباما)، الأمر الذي انعكس في انفتاح حملة بايدن على بعض الكيانات الإخوانية، فقد ألقى بايدن كلمة أمام المؤتمر السنوي الـ (57) للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (إسنا)، أحد فروع الجماعة في الولايات المتحدة، وتحدث في جلسة افتراضية إلى منظمة (إيمجاج أكشن) Emgage Action الإخوانية، التي ذكرت في حوار لقادتها بجريدة (بوليتكو) Politico دعمها لبايدن في الانتخابات.
وعلى الرغم من ذلك، شهدت العلاقة بين الإخوان وحملة بايدن بعض الخلافات، يأتي في مقدمتها انتقاد الحملة بسبب تنصلها من دعم الناشطة الفلسطينية الأمريكية (ليندا صرصور)، بعد تصريحاتها المعادية لإسرائيل. وقال (أندرو بيتس)، المتحدث باسم حملة بايدن، في بيان: "كان بايدن مؤيداً قويّاً لإسرائيل، ومعارضاً قويّاً لمعاداة السامية طوال حياته، ومن الواضح أنّه يدين آراءها، ويعارض حركة BDS مقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها، كما يفعل البرنامج الديمقراطي".
وعموماً تعتبر جماعة الإخوان المسلمين أنّ المرشحين الذين يتبنّون سياسات تُظهر تسامحاً تجاه الحركات الإسلامية المعتدلة هم الأنسب لدعمهم، ورغم أنّ الجماعة لا تُعلن صراحةً تأييدها لأحد المرشحين، فإنّ لديها توجهات غير رسمية تشير إلى تفضيلها المرشحين الديمقراطيين، الذين يميلون إلى تبنّي سياسة خارجية أكثر انفتاحاً تجاه الشرق الأوسط، ومع ذلك، فإنّ هذه الاستراتيجية تأتي مع مخاطر كبيرة. ويرى بعض الباحثين، مثل درويش خليفة، أنّ الإخوان يتخذون من الانتخابات الأمريكية وسيلة لتعزيز نفوذهم، ولكن يمكن أن يؤدي ذلك إلى ردود فعل سلبية من الحكومة الأمريكية نفسها، التي قد ترى في دعمهم تهديداً لمصالحها في المنطقة.
كذلك يستفيد بعض النواب المسلمين في الكونغرس الأمريكي من دعم قضايا تتعلق بحقوق الإنسان، ممّا يعزز من موقف جماعة الإخوان المسلمين في الساحة الأمريكية.