ماذا يعني الانقسام الإيراني بشأن استئناف المحادثات النووية؟

ماذا يعني الانقسام الإيراني بشأن استئناف المحادثات النووية؟


14/03/2021

في ظل التعقيدات التي ترافق أزمة الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة، وتحديداً مع إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والذي صرح، خلال حملته الانتخابية، بالعودة إلى الاتفاق الذي انسحب منه دونالد ترامب، ومن ثم، إحياء "المسار الدبلوماسي"، فإنّ الوضع في إيران، لا يزال يخضع لجملة اعتبارات تكتيكية، رغم الوساطة الأوروبية، دون أيّ إشارة لانفراجة محتملة؛ وهو الأمر الذي يكشف، بدرجة ما، عن صراع محتدم بين أجنحة السلطة، وتباين مواقف الأطراف القريبة من الحرس الثوري والمرشد الإيراني علي خامنئي، في مقابل الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف.

تناقضات النظام الإيراني

ولا تعد الالتباسات التي حدثت في أعقاب التصريحات الصحفية بين سكرتير مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران والمرشح الرئاسي المحتمل، محسن رضائي، من جهة، ووزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أمراً جديداً أو مباغتاً، إذ إنّ النقاشات المتبادلة والجدل حول أزمة الملف النووي داخل النظام في طهران تبدو تقليدية، وتبرز فجوات عديدة، وقد سبق وأعلن روحاني، نهاية العام الماضي، في ذروة الخلافات مع تيار المرشد الإيراني، عن خشيته من أن "يتحول الاتفاق النووي إلى ضحية لصراعات داخلية على السلطة".

وكان موقف الرئيس الإيراني الأخير الذي صرح به، قد جاء في أعقاب صدور قرار من البرلمان الإيراني الذي يحوز أغلبية من التيار الراديكالي والمتشدد، بخصوص حظر عمليات التفتيش التي يقوم بها مفتشو الأمم المتحدة للمواقع النووية الإيرانية، وهو ما صدر كرد فعل في حينها على اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زاده، غير أنّ روحاني قال عبر التلفزيون الرسمي: "لا ينبغي أن يتخذ إخواننا (في البرلمان) قرارات متسرعة... دعوا خبراء الدبلوماسية يتعاملون مع هذه القضايا بالنضج والهدوء والاهتمام المطلوب".

سبق وأعلن الرئيس الإيراني، في ذروة الخلافات مع تيار المرشد الإيراني، عن خشيته من أن "يتحول الاتفاق النووي إلى ضحية لصراعات داخلية على السلطة"

وقبل أيام، حدث جدل مماثل، يعكس السياق السياسي ذاته، وطبيعة التناقضات داخل نظام الولي الفقيه؛ حيث قال رضائي إنّه "يمكنهم أن يضمنوا لنا رفع جميع العقوبات التي فرضت بعد خطة العمل الشاملة المشتركة، في أقل من عام ويطلبوا عندها منّا أن نذهب للتفاوض".

براغماتية الملالي وحدود المناورة

كما صرح سكرتير مجمع تشخيص النظام، في حوار صحفي لجريدة "فاينانشال تايمز": "يجب أن نرى كل شهر خلال المحادثات أن بعض العقوبات التي تعتبر ملحة بالنسبة لنا رفعت"، موضحاً أنّه "يجب على سبيل المثال رفع العقوبات على المعاملات المالية والقيود التي فرضتها البنوك الأوروبية في الشهر الأول، فضلاً عن مسألة صادرات النفط التي تعتبر أيضاً من بين أهم أولوياتنا".

وعليه؛ توالت ردود الفعل من أطراف أخرى رسمية بإيران تقف على النقيض من تلك التصريحات، وتنفي عنها صفة الرسمية، حيث قال الناطق الرسمي بلسان الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إنّ "جميع المواقف المتعلقة بالسياسة الخارجية تصدر فقط عبر القنوات الرسمية"، مضيفاً أنّ وزير الخارجية الإيراني "هو المسؤول بشكل واضح وليس رضائي الذي لا يتحمل أيّ مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة  في هذا الشأن".

اقرأ أيضاً: أين وصلت انتهاكات حقوق الإنسان في إيران؟.. مسؤولون دوليون يصرحون

وغرد ظريف عبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "النظام السياسي الإيراني حيوي، والمسؤولون يعبرون عن آراء مختلفة، ولكن لا يجب الخلط بين هذه الآراء وسياسات الدولة"، وتابع: "بصفتي وزير خارجية إيران ومفاوضها النووي الأول سأقدم قريباً خطتنا البناءة للعمل من خلال القنوات الدبلوماسية المناسبة".

وعلى ما يبدو أنّ تصريحات المسؤولين في إيران بخصوص ما قاله رضائي، قد ضغطت على مواقف الأخير المعلنة، ما اضطره إلى تخفيف أو محاولة تأويل حدديثه، فقال: "لقد حذرت الولايات المتحدة الأميركية بأنّنا سنحبط آثار العقوبات، ولن نسمح باستمرارها، ولدينا قوة ردع كافية، ولن نعود إلى أيّ مفاوضات قبل رفع العقوبات في إطار مجموعة 5+1".

نيران صديقة وسياسة حافة الهاوية

ومن جانبها، أصدرت رئاسة إيران، مطلع الأسبوع، بياناً أوضح فيه نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، بأنّ وزير الخارجية محمد جواد ظريف هو الشخص الوحيد الذي يتحدث باسم النظام أمام الأطراف الأجنبية ويجب عدم المساس بمواقفه، وشددت الخارجية الإيرانية، في تعليق ثان، أصدرته، قبل أيام قليلة، بأنّ حديث رضائي هو مجرد "وجهة نظره الشخصية، وبعيد عن وجهة نظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية د. أحمد أنور لـ"حفريات": هناك بالفعل في إيران أجنحة تتبادل الأدوار وتغير الأقنعة، في إطار حسابات سياسية وبراغماتية معقدة

وفي حديثه لـ"حفريات"، يوضح عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية الدكتور أحمد أنور، أنّ هناك بالفعل في إيران أجنحة تتبادل الأدوار وتغير الأقنعة، في إطار حسابات سياسية وبراغماتية معقدة تتصل بتوزانات التركيبة التي يتكون منها نظام الحكم في الجمهور الإسلامية، مضيفاً أنّ "هناك قوى متشددة كما أنّ هناك من يسلك المبدأ السياسي المرن، وأعتقد أنّه، في المقابل، توجد أجواء في الغرب تتسم بالتساهل للوصول لاتفاق نووي شامل وجديد مع إيران".

عضو اللجنة المصرية للشؤون الخارجية أحمد أنور

ومن بين مظاهر التساهل والمرونة في الغرب، غض الطرف عن تهريب البترول للصين، بمعدلات تعادل أربعة أضعاف ما كان يتم تهريبه، في تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، حسبما يشير أنور، بالإضافة إلى رفع التجميد عن أموال إيرانيين في كوريا الجنوبية والعراق، وكذا الإفراج عن المتهمين منهم بالإرهاب مقابل الإفراج عن جاسوسة في طهران تعمل لحساب تل أبيب.

ويتابع: "في إيران هناك حالة استغلال قصوى لهذا التساهل، فضلاً عن التخبط في إدارة بايدن باتجاه التعامل مع الملف النووي، والتنازلات التي تبدو زائدة عن الحد، لاسيما وأنّ إيران التي تقف وراء الهجمات ضد السعودية من اليمن والعراق، وتواصل استهداف المدنيين، قد تجر المنطقة أمام سيناريو المواجهة الشاملة، بينما تتبع سياسة حافة الهاوية، وذلك رغبة منها في تمرير بعض تجاوزاتها مثل إعدام النشطاء، واغتيال المعارضين، وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم؛ وهو ما يحدث بشكل متسارع قبل بدء إجازة عيد السنة الإيرانية، والذي سيعقبه بدء الانتخابات الرئاسية".

اقرأ أيضاً: وزير الخارجية الأمريكي يوضح حقيقة إلغاء تجميد الأموال الإيرانية

ويعتقد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أنّ طهران تحاول التصعيد في سياستها والتشدد، بهدف كسب الوقت، حتى يكون تفاوضها على الاتفاق النووي القديم، وعدم الالتزام بالبنود الجديدة التي ستطوق مشروعها النووي، ونشاطها السياسي والإقليمي، وبخاصة ما يتصل ببرنامج الصواريخ البالستية، وتوسيع الاتفاق بحيث يشمل أطرافاً أخرى، ولذلك؛ فإنّ ردود الفعل الرسمية في إيران على المبادرات الدبلوماسية تبدو غير جادة، وهو ماحدث مع الوساطة الأوروبية التي جرى رفضها، ثم الخطوة التي صاغها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ورافقتها تسهيلات في حرية انتقال البعثات الدبلوماسية الإيرانية، وسحب مذكرة العقوبات الأممية (سناب باك) التي سبق وفرضها ترامب، وهو ما واجهته طهران بتعنت مضاعف ورفض أي تفاوض قبل رفع كافة العقوبات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية