ترجمة: محمد الدخاخني
بعد أن قام متطرّف إسلامويّ، الشّهر الماضي، بإطلاق النّار في فيينا، أشار المستشار النّمساويّ، سيباستيان كورتز، إلى ما قال إنّه الشّيء الذي يتيح الإطار الأيديولوجي الذي شرعن الهجوم، الإسلام السياسيّ، لكنّه لم ينجح في تعريف المصطلح.
دراسة استقصائيّة، أجريت عام 2017، لصالح مؤسّسة "تشاتام هاوس" البحثيّة: 65 في المئة من النّمساويّين يؤيّدون حظر أيّة هجرة أخرى من الدّول الإسلاميّة
سيشمل التّشريع الذي تعتزم حكومة كورتز تقديمه إلى البرلمان، هذا الشّهر، حظر الانتساب إلى منظّمات "إسلامويّة" معيّنة، والاعتقالات الوقائيّة، ومنح سلطة واسعة النّطاق للشّرطة لإغلاق المساجد، وغيرها من المؤسّسات الّتي تُعتبر راديكاليّة وسلطات نزع الجنسيّة عن الأفراد المردكلين.
هذا، وقال كورتز، في 11 تشرين الثّاني (نوفمبر): "في الحرب ضدّ الإسلام السياسيّ، سننشئ جريمةً جنائيّةً تسمّى "الإسلام السياسيّ"، حتّى نتمكّن من اتّخاذ إجراءات ضدّ أولئك الذين ليسوا إرهابيّين، ولكنّهم يخلقون تربةً خصبةً لذلك".
ومن المحتمل أن تذهب هذه الخطوة إلى ما هو أبعد من التّشريع الجديد الذي دفع به الرّئيس الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، الذي أشار في خطابٍ ألقاه، في تشرين الأوّل (أكتوبر)، إلى المخاطر الّتي تشكّلها "الانفصاليّة الإسلاميّة" على القيم العلمانيّة الفرنسيّة، مثل المساواة بين الجنسين والحقّ في التّجديف، ومنذ هذا الخطاب، تعرّضت فرنسا لحادثين جهاديّين مميتين.
اتّهامات بالإسلاموفوبيا
وقد أثارت المبادرات اتّهامات بالإسلاموفوبيا، وتعرّض الرّئيس الفرنسيّ، الذي أصرّ على أنّه يستهدف المتطرّفين الدّينيّين، وليس المسلمين، للتّشهير في الاحتجاجات التي اندلعت في كافّة أنحاء العالم الإسلاميّ، بعد أن اتّهمه الرّئيس التركيّ، رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الباكستانيّ، عمران خان، بمهاجمة الإسلام.
وبعد تصريحات كورتز حول الإسلام السياسي، حذّر أوميت فورال، رئيس الجمعيّة الدينيّة الإسلاميّة في النّمسا، من الخلط بين التطرّف العنيف والأرثوذكسيّة الدينيّة.
اقرأ أيضاً: كيف تختلف فرنسا عن النمسا في الرد على الهجمات الإرهابية؟
وقال فورال، لصحيفة "دي بريس": "ليس ثمّة تعريف للإسلام السياسيّ"، وأضاف: "أودّ أن أدعو كافّة أصحاب الحكمة والعقل (لإدراك)؛ أنّنا كمجتمع يجب أن نميّز بين دين الإسلام المسالم وهؤلاء المتطرّفين".
ومن جانبه، قال رافايللو بانتوتشي، وهو زميل أوّل في مؤسّسة الأبحاث الأمنيّة "آر يو إس آي"، التي تركّز أبحاثها على الإرهاب ومكافحة الإرهاب، إنّ محاولة تعريف الإسلام السّياسيّ "مهمّة معقّدة".
اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في النمسا: هكذا استغلت الجماعة الحريات السياسية
تُعبّر الإسلامويّة عن "طيفٍ يمتدّ من الأفعال المعتدلة، كالتّبرّع والعبادة، إلى الإسلام السّياسيّ المتشدّد، ومن ثمّ الجهاديّين والإرهابيّين"، وأضاف: "ثمّة نقطة في هذا الطّيف ترسم عندها، كمجتمع، الخطّ، والنّقطة التي ترسم عندها هذا الخطّ تعتمد على توجّهك السياسيّ".
مناهضة هجرة المسلمين
وعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية؛ أدّى خطاب كورتز المناهض لهجرة المسلمين والجماعات الإسلامويّة إلى تمييز رئيس الوزراء النمساويّ عن غيره من القادة المحافظين في أوروبا.
وقال لورنزو فيدينو، مدير برنامج التطرّف في جامعة جورج واشنطن: "يتصدّر ماكرون عناوين الصّحف، لكن كورتز يقول هذا منذ أن كان وزيراً للشّؤون الخارجيّة".
فيدينو هو مستشار للمرصد النمساويّ للإسلام السياسيّ، وهو هيئة مستقلّة تموّلها الحكومة تمّ إنشاؤها بموجب تشريع أقرّه كورتز، عندما كان وزيراً للشّؤون الخارجيّة والاندماج الاجتماعيّ، عام 2015.
اقرأ أيضاً: حركة "حسم" تدفع النمسا لمحاصرة إرهاب الإخوان
وفي ذلك العام، كان لكورتز دور فعّال في الإشراف على تعديلات في "إسلامجيستز 1912"، وهو تشريع يعود إلى حقبة "هابسبورغ"، وينظّم العلاقات بين الدّولة ومواطنيها المسلمين، وكان القصد من القانون في شكله الأصليّ ضمان حقوق وحرّيات المسلمين في إمبراطوريّة هابسبورغ، ومنحهم حرّية التصرّف في أمورهم الدّينية.
لقد غيّر كورتز التّشريع لينصّ على معايير لتعيين الأئمّة ويقيّد التّمويل الأجنبيّ للمؤسّسات الدينيّة ويعيّن الهيئات التمثيليّة.
طرد 60 من الأئمة الأتراك
وفي حزيران (يونيو) 2018، بصفته مستشاراً يحكم في ائتلافٍ مع اليمين الشعبويّ، استخدم القانون لطرد 60 من الأئمة الأتراك الّذين يخطبون في النّمسا، والبالغ عددهم 260، وإغلاق 7 مساجد، وفي عام 2017، دفع بفرض حظرٍ على النّقاب.
الخبير الأمني رافايللو بانتوتشي: تُعبّر الإسلامويّة عن طيفٍ يمتدّ من الأفعال المعتدلة، كالتّبرّع والعبادة، إلى الإسلام السّياسيّ المتشدّد، ومن ثمّ الجهاديّين والإرهابيّين
وتقدّر الأكاديميّة النّمساوية للعلوم أنّ عدد المسلمين في الدّولة، البالغ تعداد سكّانها 9 ملايين، قد تضاعف إلى 700 ألف منذ عام 2001، وترتبط أقلّية صغيرة منهم بجماعاتٍ إسلامويّة أجنبيّة، ومن بين هذه الجماعات جماعة الإخوان المسلمين وجماعات فلسطينيّة، مثل حماس، وتكتّلات سلفيّة لها علاقات بدولٍ خليجيّة.
ووفق للنّقاد والمؤيديّن، على حدٍّ سواء، فإنّ عداء كورتز طويل الأمد للإسلام الرّاديكاليّ يعدّ مسألة ثقافة بقدر ما هو مسألة سياسة أمنيّة.
قال فيدينو: "الجانب العنيف ثانويّ"، وأضاف: "يتعلّق الأمر بقلقٍ أكبر بشأن تأثير الإسلام السّياسيّ على المجتمع النمساويّ (يتعلّق الأمر) بالتّأثير السلبيّ على التّماسك والاندماج الاجتماعيين".
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "فاينانشيال تايمز"، عام 2017، شجب كورتز معاداة السّامية وكراهية النّساء وإنشاء "مجتمعات موازية"، ورأى أنّ كلّ ذلك معتقدات إسلامويّة متشدّدة يعارضها.
لقد استثمر الزّعيم، البالغ من العمر 34 عاماً، كثيراً من حياته السياسيّة في مثل هذه المخاوف، واستفاد من ذلك، حيث استعاد الأصوات لحزبه، حزب الشّعب النّمساوي، وهو حزب محافظ معتدل ينتمي إلى اليمين الشعبويّ.
اقرأ أيضاً: تجريم "الإسلام السياسي" في النمسا
وفي الواقع؛ يشعر العديد من النمساويّين بالقلق بشأن الهجرة، وما يرون أنّها تحدّيات متزايدة للمعايير المجتمعيّة التقليديّة، ووجدت دراسة استقصائيّة، أجريت عام 2017، لصالح مؤسّسة "تشاتام هاوس" البحثيّة؛ أنّ 65 في المئة من النّمساويّين يؤيّدون حظر أيّة هجرة أخرى من الدّول الإسلاميّة.
وقال توماس شميدينجر، وهو محاضر في جامعة "فيينا"، ومسؤول عن الجهاد في النّمسا: "لقد أصبحت الحرب ضدّ الإسلام السياسيّ بمثابة صفة مميّزة لحزب الشّعب النمساويّ".
أجندتان
وأضاف: "ثمّة أجندتان؛ حشد الناخبين المتحيزين، وكذلك تحويل الانتباه عن إخفاقات ونواقص وزارة الداخليّة والشّرطة بعد الهجمات".
هذا، واستقال رئيس المخابرات النّمساويّة، بسبب إطلاق النّار في فيينا، بعد أن تبيّن أنّ وكالته قد حذّرت مسبقاً من الخطر الذي يشكّله المهاجم، الذي حاول الانضمام إلى داعش في سوريا، العام الماضي، كما تمّ انتقاد نظام العدالة بعد إطلاق سراح المهاجم بشكلٍ مبكّر من السّجن.
اقرأ أيضاً: النمسا وفرنسا ترنيمة واحدة لوقف خطر الإسلام السياسي
ووفق "بانتوتشي"؛ تتنوّع العوامل التي تدفع الأفراد إلى ارتكاب أعمال عنف، ويصعب اختزالها في الوسط الدّيني الذي نشأ فيه الأفراد، وثمّة عوامل أخرى، مثل الأسر المتفكّكة والأنشطة الإجراميّة والاضطّرابات العقليّة، تلعب دوراً، أيضاً.
وأضاف بانتوتشي: "هذا الصّراع يتعلّق حقّاً بأوروبا الحديثة، وكيف ستعمل أوروبا الحديثة على عقلنة العيش مع مجتمعات مسلمة محلّية كبيرة، إنّهما (كورتز وماكرون) قلقان بشأن الانقسامات الأوسع في المجتمع".
مصدر الترجمة عن الإنجليزية: