
ليس يوما عاديا، ويصعب أن يمر دون أن تصيبك شظاياه، ولا يمكن أن تكتب دون أن تعبر حقلا من الألغام، علامات استفهام عملاقة ومتفجرة، تفتح عليك أبواباً من الانتقادات والسخط، فالناس منقسمة ما بين ساخط مكتظ بالحزن والألم، وبين مدافع يرى في اليوم ذكرى بطولية خالدة، وكل من الفئتين يرى فيمن يخالفه الرأي عدوا بغيضاً.
ولا أبالغ إن قلت أن الاعتدال وإمساك العصا من المنتصف فيما يخص السابع من أكتوبر من أصعب ما يمكن أن يواجه الكاتب الصادق الذي لا يحابي ولا يكتب مأجوراً، ولا يسعى لرضا أحد.
فقط على المرء إن وجبت الكتابة أن يكون صادقا مع نفسه ويطرح الحقائق والواقع، مدركا أن إرضاء الناس غاية مستحيلة.
لا بد من مقدمة كهذه عندما تتناول قضية حساسة صنعت فجوة واسعة بين أبناء الشعب الواحد، الشعب المنقسم أساسا وازدادت فُرقته حدةً بعد حدث السابع من أكتوبر.
اليوم ينقضي عام كامل على أكبر عملية عسكرية ضد الاحتلال، والتي اعتبرها كثيرون انتصارا مسبقا مهما كانت النتائج، وما زالوا يصرّون على ذلك ، وهو في الأغلب رأي المطل من بعيد على غزة،ورأي غالبية المناصرين والمنتمين لحركة حماس .
بينما في الجانب الآخر يبرز رأي الشارع، الشعب الذي يتعرض لأبشع مقتلة بشرية في العصر الحديث، تجري أمام صمت عالمي مفجع، وهذه الفئة هي أرباب المعاناة الذين فقدوا أسرهم وبيوتهم وكل شقاء أعمارهم، ويرون ما حدث اندفاعا ومقامرة ألقت بهم إلى الجحيم هكذا ببساطة!.
حتى اليقين بأي الفئتين على حق بات مستحيلا، من يدفع الثمن وينزف لن يقنعه أي شيء أنه على باطل، ومن تأخذه نشوة الجولة التكتيكية سيبقى مصرا على موقفه، وجَسر الهوّة ما بينهما مستحيل.
والسؤال المنطقي الذي يبرز أمام أي حدث ،ما هي الإنجازات التي حققها ،وما الذي خسرناه، والمقارنة ما بينهما يجعل الميزان دقيقا وعادلا .
فهل تتساوى المكاسب بالخسائر في السابع من أكتوبر كحدث مركزي في تاريخ الثورة الفلسطينية؟
هل حقق الهجوم إنجازا استراتيجيا واقعيا؟ أم أنه كان إنجازا تكتيكيا عابرا والخسائر الفادحة ما بعده تستوجب وقفة ومراجعة للأخطاء ؟.
ولأن شعبنا وفصائلنا بالفطرة لا تؤمن بنظرية الخطأ، ونستمر في خلق المبررات مثل محامي بارع لا يمكن أن نحظى بحكم عادل على الأمور .
نجحت حماس باختراق الحدود، ونفذت عملية كبيرة، حسابات عسكرية جيدة تحسب لها، وحققت ما اعتبرَتْه كسرا لنظرية الأمن لدى الاحتلا.ل .
لكن عند الحديث عن الأهداف المخطط لها، نجد أن شيئا لم يتحقق منها بعد مرور عام على الحر.ب المدمرة التي سحقت قطاع غزة كاملا، وعندما نقول ذلك ترد الفئة المدافعة بأن الحرب لم تنتهِ والتقييم يأتي لاحقا، وهذا خطأ كبير، عدم خضوع الخطوات للتقييم كل لحظة خلال المسار يجعل الأخطاء تتفاقم وتصبح نتائجها أشد سوءا ، لذلك دوما تدارك الخطأ فور وقوعه أجدى بكثير من إكمال السير في منعطف خاطيء، ليس معقولا أن تستقل قطارا خاطئا ولا تنزل في أول محطة فور اكتشافك الأمر، هكذا تقول الحكمة.
بعد عام من التدمير، على حماس مراجعة الذات، ماذا حققت من أهداف الحرب المعلنة؟
أليس واضحا أن سقف المطالب الذي تدنّى لأقل الحقوق ؟
أسرانا و هدف تبييض السجون ماذا حدث لهم؟، هل يشعر أحد بحجم التضييق عليهم وخنقهم في الزنازين؟.
ماذا عن المقدسات واستباحتها؟، ماذا عن الاستفراد بمخيمات الضفة الغربية؟ .
ماذا عن سيطرة الاحتلا.ل على محاور مركزية تشطر قطاع غزة شطرين؟
كل المحرّمات التي كان يخشى الاحتلا.ل ارتكابها حدثت بفداحة، وهذا كله لم يكن في الحسابات العسكرية عند اتخاذ القرار، ولا يمكن إنكار أن حالة النشوة بنجاح الهجوم جعلت التغافل عن باقي التفاصيل سيد الموقف.
حتى الساحات التي كان يراهن عليها تضررت بشكل فادح غير متوقع،ولم يكن لتدخلها تأثير حقيقي على مجريات القتال أو وقف النزيف الغزّي ،بل استفرد الاحتلا.ل بكل جبهة وفعل ما يريد وأكثر ،ومن لا يريد أن يرى النتائج العسكرية لما حققه الاحتلا.ل هو ذاته من يصر على تجاهل الأخطاء ،ويكمل في القطار الخاطيء ويأبى النزول عند أقرب محطة .
لا نريد اللوم وإلقاء الاتهامات الآن ، ليس لذلك جدوى، فما وقع يحتاج معالجة تصحيحية شاملة، والمضي نحو توافق وطني عام ، ربما ينجح في إعادة الروح المفقودة لغزة ويجعلها تنهض من الخراب، أو الاستمرار في منعطف خاطيء سيهدر كل مقدّرات الشعب ،ويستنزف الحالة المقا.ومة حد النفاد، وهذا خطر كارثي يستوجب تفاديه قبل فوات الأوان.